طهران: فيما لا يلوح في الأفق أية بوادر للانفراج بشأن الاتفاق النووي وتتصاعد الحركات الاحتجاجية والإضرابات العارمة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة يرتفع مستوى شراسة النظام الإيراني بحق المتقاعدين والمعلمين والنشطاء في القطاعات المجتمعية المتعددة ومنها الطلاب والعمال والمدافعون عن البيئة والنساء والمحامون والبهائيون.
وطالت حملة الاعتقالات الشخصيات الفنية الشهيرة والمنتقدة للنظام على غرار المخرجين محمد رسول أوف ومصطفى آل أحمد وجعفر بناهي، في حين لم تسلم بعض أمهات الضحايا في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 من قبضة النظام الحديدية.
وقامت الأجهزة الأمنية منذ فترة باعتقال أكثر من 20 ناشطا مدنيا ونقابيا وعماليا وصحافيين منهم جعفر إبراهيمي ومحمد حبيبي وشعبان محمدي وكيوان مهتدي وأنيشا أسد اللهي ورسول بداقي ومسعود نيكخاه وإسكندر لطفي وحسن سعيدي ورضا شهابي وريحانة أنصاري نجاد وأمير سالار داودي ووالة زماني وسعيد مدني وفيدا رباني وأحمد رضا حائري وكيوان صميمي، حيث تمت محاكمتهم وإعادتهم للسجن.
وسبقت هذه الاعتقالات حملة أخرى من الاعتقالات طالت عددا من المواطنين الأوروبيين خلال الأشهر الأخيرة وفق وكالات الأنباء القريبة من الحرس الثوري.
وتتهم السلطة القضائية المعتقلين من المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية والإيرانيين المقيمين في الخارج بـ«التعاون مع دول معادية، والتجسس والتعاون مع الأجهزة الأمنية الأجنبية، والتحريض ضد النظام». ويواجه هؤلاء المعتقلون عادة أحكاما بالسجن لفترات طويلة.
استغلال مزدوجي الجنسية
وتستغل الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة عملية اعتقال مزدوجي الجنسية كأداة للابتزاز وأخذ الامتيازات من دول أخرى. فيما حالف الحظ بعض رهائن النظام الإيراني على غرار جيسون رضائيان ونازنين زاغري وأنوشة أشوري ليخرجوا من المعتقلات الإيرانية مقابل دفع أموال طائلة غير أن العديد من المواطنين الأجانب أو مزدوجي الجنسية لا يزالون يقبعون في السجون الإيرانية مثل أوليفر فانديكاستيل من بلجيكا وعماد شرقي وسيامك ووالده باقر نمازي (وهما أميركيان من أصول إيرانية) ومراد طاهباز (أميركي بريطاني من أصول إيرانية) وشهاب دليلي (مواطن إيراني لديه إقامة دائمة للولايات المتحدة) وأحمد رضا جلالي (الباحث السويدي من أصول إيرانية) وفريبا عادلخاه (الباحثة الفرنسية من أصول إيرانية) وناهيد تقوي (الناشطة الألمانية من أصول إيرانية) وكامران قادري ومسعود مصاحب (إيرانيان نمساويان) وبنجامين بريير (سائح فرنسي).
وتبرز في القائمة الطويلة للمعتقلين في السجون الإيرانية أسماء 7 من نشطاء البيئة الذين اعتقلهم الحرس الثوري منذ يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2018 باتهام «التجسس» وهم: مراد طاهباز وهومان جوكار وسبيدة كاشاني ونيلوفر بياني وطاهر قديريان وسام رجبي وأمير حسين خالقي حيث وجهت إليهم اتهامات بـ«التجسس».
قمع الحركة الطلابية
وقال مجيد الدري الناشط الطلابي السابق والسجين السياسي السابق ومن أعضاء مجلس حماية حق الدراسة الجامعية في حوار مع «المجلة»: «يتعرض النشطاء المدنيون والطلاب المنتقدون منذ فترة طويلة إلى ضغوط هائلة والتهديد بالسجن، حيث إن الأجهزة الأمنية تقوم بتلفيق ملفات واتهامات ضد النشطاء. كان الأمر أفضل سابقا حيث إن نشطاء الحراك المدني والحركة الطلابية في الجامعات كانوا يتمتعون بدعم الجامعات، غير أن الأحوال تغيرت منذ وصول أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة، حيث تم عزل المسؤولين المستقلين وبدأ في فترة رئاسة روحاني التنسيق والتعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية والجامعات بشأن تلفيق الاتهامات ضد الطلبة الناشطين في الجامعات».
وأضاف: «لقد أخذت السلطات إجراءات واسعة تهدف إلى قمع الحركة الطلابية خاصة بعد إعادة فتح الجامعات إثر إغلاقات كورونا وتقوم اللجان التأديبية في الجامعات بصدور أحكام على غرار الحرمان من الدراسة أو السجن بحق الطلبة النشطاء حيث نلاحظ أن العديد من الطلبة النشطاء تم إصدار أحكام بسجنهم لفترات تتراوح بين عامين إلى خمسة أعوام».
وتابع قائلا: «هذا حال كل النشطاء المدنيين في البلاد، حيث أصبح الضغط والسجن مصيرهم وهذا يشمل النشطاء الذين ينبذون العنف ويركزون على حراك مدني. كان العنبر 350 في سجن إيفين مخصصا للمعتقلين لأسباب سياسية في السابق وكانوا يقيمون في هذا العنبر، غير أن السلطات أخذت توزع معتقلي الرأي والسجناء السياسيين على معتقلات مختلفة ولا تضع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي في معتقل واحد، منهم الناشط كيوان صميمي الذي تم نقله إلى سجن سمنان أو الناشطة سبيده قليان التي تم نقلها إلى سجن بوشهر أو شيراز».
وقال مجيد الدري: «أصبح سجن قرتشك سجن النساء ولم يعد معتقلا للمعتقلات السياسيات أو معتقلات الرأي لأن السلطات نقلت المعتقلات السياسيات ومعتقلات الرأي من سجن إيفين إلى سجن قرتشك. سجن قرتشك من السجون الخطيرة وتواجه فيه المعتقلات ظروفا رهيبة وضغوطا هائلة؛ على سبيل المثال تتعرض معتقلات على غرار عالية مطلب زادة ونرجس محمدي والعديد منهن ضغوطا أمنية كبيرة وتهديدات تصل إلى مستوى التهديد بالقتل وكلهن معتقلات رأي وسياسيات. فيهددون المعتقلات بالقتل والضرب ولا يخافون من تنفيذ تهديداتهم. لقد حذر محامي الدفاع عن عدد من السجينات السياسيات مصطفى نيلي من أن هذه التهديدات بحق السجينات قد يتم تنفيذها ولاحظنا أن السلطات أصدرتلاحقا بحقه حكما بالسجن بتهمة التشويش على الرأي العام. فكما تلاحظين فإن حملة الاعتقالات والضغوط تطال المحامين أيضا. أمير سالار داودي المحامي عن عدد من السجناء السياسيين تم إصدار حكم بالسجن بحقه».
وأضاف هذا الناشط الإيراني: «لقد تحول السجن إلى أداة بيد السلطة الحاكمة لممارسة أقصى مستويات القمع بحق نشطاء المجتمع المدني وأخذت السلطات تلجأ لأساليبها القمعية على غرار السجن بحق النشطاء المدنيين بشكل أكبر، حيث تضاعف أعداد معتقلي الرأي والنشطاء المدنيين أربعة أضعاف من ذي قبل».
تصاعد وتيرة القمع
هذا ويقول كيوان صميمي الصحافي والمعتقل السياسي في رسالة من السجن إنه يجب علينا عدم الترويج لفوبيا من السجون مما يعني أننا يجب أن نقضي على فكرة تتصور أن السجن يتشكل من أقبية مخوفة ومظلمة لا تنتهي. لا يقصد كيوان صميمي بأية حال تقديم صورة مشرقة عن السجون الإيرانية بل يؤمن بأن الأنشطة والأفكار المنادية بالحرية قد تجد طريقها إلى السجون أيضا ولا يجب على المعتقلين وقف نشاطهم السياسي بمجرد دخولهم للسجن.
وأضاف مجيد الدري: «لماذا تقوم الأجهزة الأمنية بتلفيق الاتهامات ضد النشطاء على غرار النقابيين والمعلمين والعمال؟ لماذا تقوم الأجهزة الأمنية بتلفيق الاتهامات ضد ناشط على غرار محمد حبيبي وهو الناشط البارز في نقابة المعلمين أو ناشط على غرار رضا شهابي وهو الناشط العمالي الذي يقوم بالإضراب عن الطعام حاليا؟ ويرد قائلا إن أحكام السجن ضد النشطاء بدأت منذ وصول النظام القائم إلى الحكم ولكن هذه الموجة تصاعدت وتيرتها مؤخرا.نفتقر إلى فصل أنماط الجرائم والاتهامات في السجون الإيرانية ولا توجد عنابر مخصصة للسجناء السياسيين ومعتقلي الرأي فيتم وضعهم مع السجناء الآخرين في عنبر واحد. أضيفي إلى ذلك أن إصدار حكم السجن بحق النشطاء المدنيين والسياسيين خطأ بالأساس لأنهم لم يرتكبوا جرائم عنف وأن نشاطهم بعيد عن العنف. ولكن المعتقلين من النشطاء السياسيين والحراك المدني يسجنون ويتم توزيعهم على معتقلات مختلفة وعنابر غير مخصصة لهم حيث يشاركون سجناء الجرائم المختلفة نفس العنبر».
ونشر عدد من السجناء السياسيين القابعين في العنبر رقم 1 في وحدة 2 في سجن طهران الكبير تقريرا حول انتهاكات حقوق الإنسان في هذا السجن وعمليات استغلال واسعة بحق السجناء.
وقع حسين قشقايي وميلاد أرسنجاني ومحمد تركماني ورضا صلواتي وشهاب سلطانيان وأكبر فراجي وحجة الله رافعي ومرتضى أولنغي وداود عبد اللهي على هذه الرسالة التي قالوا فيها إن «بعض السجناء يقومون بأعمال شاقة واستنزافية دون أن يتقاضوا أي راتب أو مقابل مادي وكأنهم في معسكرات العمل القسري السوفياتي ومعسكرات الاعتقال النازية تمت إعادتها من جديد».
وأضافت الرسالة: «يعتبر الحرمان من الوصول إلى خدمات صحية وعلاجية والمياه الصالحة الشرب والمكالمات الهاتفية بين السجناء وعائلاتهم وممارسات عقابية بحقهم من خلال نقلهم إلى عنابر سجناء جرائم العنف واستغلالهم وإعطائهم ماءً ملوثا من أهم الانتهاكات التي تمارس بحق هؤلاء المعتقلين في سجن طهران الكبير».
وتابع السجناء في رسالتهم بالقول: «یمارس مسؤولو السجن أساليب عديدة لاستغلال السجناء الذين يتم إجبارهم على العمل الشاق منذ الصباح الباكر حتى انتهاء اليوم ولا يتم الدفع لهم إلا بمبلغ شهري زهيد يتراوح بين 80 ألفا و600 ألف تومان. هذا المبلغ البسيط لا يوفر لهم الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية على غرار المياه الصالحة للشرب في السجن».
هذا ويعاني المعتقلون في سجن ديزل آباد بإقليم كرمانشاه من أمراض معدية متعددة بسبب حرمان السجناء من الرعاية الصحية وعدم توفر أبسط المستلزمات الصحية. وينام غالبية النزلاء على الأرضية بسبب الاكتظاظ. وأصيبت سهيلا حجاب السجينة السياسية ومن موالي النظام الملكي الدستوري في سجن ديزل آباد في كرمانشاه أصيبت هي وعدد آخر من السجينات بفيروس كورونا العام الماضي.
ويضطر العديد من النزلاء في سجن وكيل آباد في مدينة مشهد إلى النوم على الأرضية ويعاني هذا السجن من ظروف صحية كارثية أدت إلى انتشار فيروس كورونا ووقوع كوارث إنسانية. ويضم هذا السجن جزءا كبيرا من المعتقلين السياسيين ونزلاء من أهل السنة.
ويقبع خلف القضبان في زنازين إيران الكثير والكثير من معتقلي الرأي والنشطاء السياسيين والحركات المدنية منهم محمد حسين سبهري الناشط السياسي وأحد النشطاء الـ14 الذين وقعوا على بيان يطالب فیه خامنئي بالاستقالة وتغيير الدستور ونظام الجمهورية الإسلامية وأدين المعتقلان السياسيان عباس واحديان شاهرودي وكمال جعفري يزدي وبنجامين بريير السائح الفرنسي بالتجسس.
وشهدت السجون الإيرانية العديد من حالات الوفاة بين معتقلي الرأي خلال الأشهر الماضية حيث نشرت منظمة العفو الدولية مؤخرا تقريرا كشفت عن تفاصيل وفاة 96 معتقلا في السجون الإيرانية قالت فيه إن «المعتقلات الإيرانية تحولت إلى «غرف انتظار الموت» وأن مسؤولي السجون الإيرانية يمارسون انتهاكات مروعة للحق في الحياة من خلال حرمان السجناء من الحصول على خدمات صحية».