عندما أعلن وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير قرار بلاده فتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية، من دون أن يذكرها، بالقول إن بلاده وبحكم موقعها الجغرافي بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، هي مفترق طرق عالمي، وأن اتفاقية شيكاغو للطيران المدني للعام 1944 تفرض على الدول فتح أجوائها لكل الدول الأخرى، حتى التي لا تتمتع بعلاقات دبلوماسية معها، مضيفا أن الأمر سيشمل أيضا مرافئ السعودية، حيث إن 14 في المائة من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، قامت قائمة الكثيرين من دول الممانعة أو من يدور في فلكهم، ووصل الأمر ببعض الأقلام إلى كيل الاتهامات للمملكة بالخيانة و«بيع القضية».
المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جهاد طه، اعتبر أن تطبيع الأجواء المفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي يكرس أجندته العدوانية ضد فلسطين والأمة.
وشنت أقلام صحافيين وكتاب عرب وفلسطينيين حملة ضد قرار المملكة، وكانت جميع الانتقادات تصب في خانة واحدة وهي التخلي عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، في وقت ذكر الجبير نفسه أن بلاده لن توقع سلاما مع إسرائيل قبل تحقيق حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مع حل عادل للاجئين، وهو ما نصت عليه المبادرة العربية للسلام، التي أطلقها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت العربية عندما كان وليا للعهد.
خيار التطبيع مع إسرائيل هو خيار مؤلم للكثيرين، خصوصا لأجيال نشأت على فكرة أن القضية الفلسطينية هي قضيتهم المركزية، وعدالة القضية الفلسطينية وما مر به الفلسطينيون خلال ما يقارب القرن يجعلان الأمر أكثر مرارة. ولكن، وللأسف أن ثمة ولكن، هناك قضايا أخرى لا تقل عدالة وأحقية يتجاهلها من يستسهل رمي تهم التخوين.
فإن كانت إسرائيل تحتل أراضي فلسطينية وسورية، فإن ما يتجاهله أصحاب الرؤوس الحامية وعلى رأسهم حماس، أن إسرائيل لا تحتل جزرا إماراتية ولا تدعم وتمول من يقصف الأراضي السعودية، ولكن إيران التي يمجدونها صباحا ومساء تفعل، وقاسم سليماني الذي أطلقوا عليه لقب «شهيد القدس» وبكوه، تسبب في قتل سوريين وعراقيين ولبنانيين وحتى فلسطينيين بأعداد مضاعفة عما قتلت إسرائيل.
قد يكون من الصعب على بعضنا أن يتقبل حقيقة أن أولوياتنا ليست بالضرورة أولويات غيرنا، وأن قضايانا مهما تكن عادلة ومهمة فهي تبقى قضايانا لا قضاياهم.
لقد تسبب الانقسام الفلسطيني بأضرار بالغة للقضية الفلسطينية، وتسببت علاقة حماس بإيران مع كل ما ترتكبه من جرائم واعتداءات في دول عربية عدة بأضرار شديدة على علاقة الأجيال الجديدة بالقضية الفلسطينية، فكيف لك أن تطلب من شاب عربي أن تكون فلسطين قضيته الأولى بينما من يدعي تمثيل القضية الفلسطينية يهرول لتبجيل من يرسل المسيرات والمفخخات لضرب بلاده؟ وكيف لك أن تقنع شابا سوريا عاش وتعلم وترعرع على الإيمان بالقضية الفلسطينية أن لا يغير من نظرته في وقت تمجد حماس قاتله؟ كيف لحماس أن تنظر بعين أهالي ضحايا النظام السوري والإيراني من الفلسطينيين في سوريا وتقول لهم إن العلاقة مع بشار الأسد هي في صالح القضية الفلسطينية؟
وكيف للشعب السوري أو اليمني أو العراقي أو اللبناني أو سواهم من الشعوب العربية التي تعرضت لما تعرضت له من عبث وإضعاف وقتل وتهجير بسبب المد الإيراني، أن يكون قادرا على الدفاع عن قضية فلسطين أو غيرها من القضايا.
إن أكبر خدمة لأعداء فلسطين قدمها النظام الإيراني ومن يدور في فلكه عندما دمر نسيج وبنية المجتمعات والدول العربية، وها هو يحاول جاهدا لتدمير ما تبقى من هذه المجتمعات في الخليج وشمال أفريقيا، أما أولئك السائرون في ركب إيران وحرسها الثوري فإنهم يعرفون حق المعرفة أن إيران لم تقدم لفلسطين سوى الخراب والدمار والصواريخ التي لا تفعل شيئا سوى أنها تؤكد على سردية الإسرائيلي أمام العالم وتعطيه مساعدات عسكرية وأمنية أكثر وأكثر. لقد كلفت عملية حماس الأخيرة في غزة عام 2021 القضية الفلسطينية والفلسطينيين الكثير، لكنها كانت استثمارا رابحا لإيران التي حسنت شروط تفاوضها على برنامجها النووي وإسرائيل التي حصلت على 3 مليارات دولار مساعدة عسكرية.