«المجلة» ترصد مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية

أبرزها غسيل الأموال وتجارة النفط والمخدرات والأعضاء البشرية

«المجلة» ترصد مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية



القاهرة: حسين البطراوي

* قدرت إدارة مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية أن عائدات داعش من تصدير النفط، انخفضت بصورة كبيرة في عام 2016.

* تعد التجارة في الأعضاء البشرية والآثار، من أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية.

* يتمتع تنظيم الشباب في الصومال بقاعدة تمويلية قوية ومتنوعة، فهو يحصل على إيرادات في صورة إتاوات على تنظيمات إرهابية أخرى.

* تمويلات الإرهاب في مصر تنبع من عدة مصادر، أولها: أموال الإخوان وداعش وجزء آخر من التمويلات مصدره دول وشخصيات إقليمية.

* يأتي التمويل الأكبر للتنظيمات الإرهابية من خلال بعض الدول، ويظهر ذلك جليا من خلال تمويل عدد من التنظيمات الإرهابية خاصة في ليبيا واليمن وجماعة الإخوان في مصر.



رغم الجهود الدولية لمكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابع تمويله، فإن هذه القرارات لم تترجم إلى آلية لتفعيلها وترجمتها إلى حيز الواقع، لا سيما مع استصدار مجلس الأمن الدولي قرارا لمكافحة تمويل الإرهاب تحت الفصل السابع، الذي يبيح استخدام القوة والعمل العسكري ضد أي دولة أو جماعة تتبنى الإرهاب.
وتعكف الجماعات الإرهابية على تمويل نفسها ذاتيا من خلال إنشاء مشاريع استثمارية قانونية سواء فعلية أو افتراضية موازية وتأتي على هيئة مصارف أو مؤسسات استثمارية في التحويلات النقدية، وتكون هياكلها المالية بمعزل عن الدول التي تنشط فيها وتحت تسميات أخرى بعيدة عن الشبهة.
ويتم استغلال هذه المشاريع الضخمة كغطاء لعمليات مصرفية من فتح حسابات وتحويلات مالية بالإضافة إلى عمليات غسيل الأموال، الأمر الذي يجعل من الصعب تتبع الحركات المالية للعمليات المصرفية بسبب الحماية التي تتمتع بها بمقتضى القوانين التي تضبط العمليات المصرفية.
كما تقوم تلك التنظيمات بإنشاء مؤسسات خيرية تتلقى الدعم من قبل الحكومات والمؤسسات والشركات إضافة إلى التبرعات عبر الأفراد ونقلها إما بشكل إلكتروني أو شخصي لتمويل أنشطة الجماعات الإرهابية إما عبر التمويل النقدي أو عبر شراء الأسلحة من أمراء الحرب والأسواق السوداء أو الشركات المصنعة للسلاح تحت غطاء دولي.

تقديرات دولية

وقبل بداية عمليات الموصل الأخيرة، قدرت إدارة مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية أن عائدات داعش من تصدير النفط، والتي كانت تبلغ نحو 500 مليون دولار سنويا بين عامي 2014 و2015، انخفضت بصورة كبيرة في عام 2016 لتبلغ نحو نصف ما كانت عليه في السابق. ويتم تصدير نفط داعش أساساً بصورة غير شرعية عبر تركيا.

وفي مارس (آذار) 2016 بعثت الحكومة الروسية بخطاب إلى رئيس مجلس الأمن تضمن تفصيلا لعمليات تجارة الآثار التي تقوم بها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وقدرت روسيا إيرادات داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة من تجارة الآثار والمقتنيات الفنية بما يتراوح بين 150 مليونا إلى 200 مليون دولار سنويا.

وكانت الحكومة العراقية قد قدرت قيمة تجارة الآثار والمقتنيات الفنية المسروقة من الموصل وأماكن أخرى في العراق بنحو 100 مليون دولار سنويا.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق في العالم للقطع الأثرية والمقتنيات الفنية.
ويقدر المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، الإيرادات السنوية لتنظيم داعش، والتي بلغت ذروتها بالسيطرة على الموصل في صيف عام 2014، إلا أنها لم تلبث أن تراجعت في العامين التاليين؛ فقد هبطت من ذروة بلغت 1.9 مليار دولار في العام 2014 إلى نحو 870 مليون دولار فقط في العام 2016.
وتقدر وزارة الخزانة الأميركية أن إيرادات داعش من الضرائب والرسوم تبلغ نحو 360 مليون دولار سنويا، وتبلغ إيرادات داعش من تبرعات الأفراد والجمعيات الخيرية ما يعادل 3 في المائة فقط من إيراداته الإجمالية.

ويعد التمويل أحد الأعمدة الرئيسية في بناء وهيكلة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وظهرت مصادر تمويل غير اعتيادية للجماعات الجهادية في منطقة الشرق الأوسط، التي نما نفوذها داخل المنطقة بشكل متجاوز للقواعد الجغرافية المعتادة للجماعات الدينية، كما كان حال التنظيمات الدينية في فترة التسعينات، لتُشكل آليات التمويل الجديدة أحد مصادر القوة والنفوذ والتأثير لهذه التنظيمات.
وتنوعت مصادر تمويل تنظيم داعش الذي بسط نفوذه وأدوات سيطرته إلى مناطق متنوعة بين سوريا والعراق، مُعتمدة على المنتسبين للتنظيم من دول مختلفة بدعم مالي ساهم في تعاظم تأثير ونفوذ التنظيم، أبرزها تجارة النفط.

توظيف الـ«بيتكوين»

حذرت دراسة جديدة من خطورة استخدام العملة الإلكترونية «بيتكوين»، في ظل لجوء التنظيمات المتطرفة إلى استخدامها، إضافة إلى جماعات الجريمة المنظمة، وعمليات غسيل الأموال، مبينة أن التنظيمات الإرهابية توظف الـ«بيتكوين» لديها، وتستخدمها في التمويلات المحظورة، وشراء الأسلحة والمعدات، في حين هناك جهود دولية كبيرة لتجفيف منابع الإرهاب.

وعملات الـ«بيتكوين» طرحت للتداول لأول مرة عام 2009 بهدف تغيير الاقتصاد العالمي، والموجودة في السوق لأكثر من 21 مليون بيتكوين، وجرى إنتاج 14 مليون وحدة منها حتى الآن، ومن المنتظر الوصول للإصدار الكامل خلال الفترة من 2025 إلى 2030؛ إذ يُنتَج 25 عملة «بيتكوين» حول العالم كل 10 دقائق، تتقلص هذه الكمية إلى النصف كل أربع سنوات.

حملت الدراسة عنوان «بيتكوين ودورها في تمويل الحركات الإرهابية» للباحث حسن محمد، وقال إن هناك توجهًا من التنظيمات المتطرفة نحو توظيف تلك العملات والاستفادة من ميزاتها المتنوعة والكبيرة؛ إذ تلجأ إلى «بيتكوين» في حال عدم كفاية الموارد التقليدية كوسيلة للتمويل والتخفي عن أعين السلطات، وأيضًا مع التقدم التكنولوجي للجماعات الإرهابية، وكذلك استمرار عدم خضوع الـ«بيتكوين» لسلطة مركزية أو أي قيود.

وأوضحت الدراسة أن«بيتكوين» انتشرت بين مختلف دول العالم، وقبلت بها شركات كبرى وسيلةً للدفع والشراء، واتسع نطاق الاستخدام والانتشار السريع لعملات افتراضية، وظهرت مؤشرات مهمة على استخدام الجماعات الإرهابية تلك العملات، وخطورة التوظيف السيئ لـ«بيتكوين».

وأشارت الدراسة إلى أن من أهم مميزات «بيتكوين» التي تعد إحدى صور العملات الافتراضية الناجحة في المعاملات المالية حول العالم، سهولة إخفاء المستخدمين، واتساع النطاق، والسرعة الفائقة في نقل الأموال، والتحكم وحماية الهوية والأموال، وانخفاض تكلفة الاستخدام وسهولته مع صعوبة التعقب، والتحصين الأمني. وتعد ألمانيا الدولة الوحيدة التي اعترفت رسميًّا بـ«بيتكوين» نوعًا من النقود الإلكترونية، وعربيًّا تُستَخدم «بيتكوين» بشكل طفيف.

الاتجار في الأعضاء البشرية

وتعد التجارة في الأعضاء البشرية والآثار، أحد مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش، وعثرت القوات الأميركية على مجموعة من الوثائق والبيانات والمعلومات خلال غارة على شرق سوريا بهذا المعنى.
وكشفت الوثيقة المنسوبة للتنظيم عن إجازة أخذ أعضاء من أسير حي لإنقاذ حياة مسلم، حتى وإن كان ذلك معناه موت الأسير. وتضمنت الوثيقة إجازة شرعية لهذه التجارة مُعتبرة أن حياة الكافر وأعضاءه ليست محل احترام، ومن ثم يمكن سلبها منه.

وتزامن ظهور هذه الوثيقة مع الاتهامات الرسمية لحكومة العراق التي اتهمت التنظيم باستئصال أعضاء بشرية والاتجار فيها، وتقديم مندوب العراق بمجلس الأمن طلبًا للتحقيق في موت 12 طبيبًا بمدينة الموصل حين كان يسيطر عليها داعش مؤكدًا أنهم تعرضوا للقتل بعد رفضهم استئصال أعضاء بشرية.

تجارة الآثار... والسرقة

بالتوازي مع التجارة في الأعضاء البشرية، برز نشاط تجاري كمصدر تمويل إضافي يتناسب مع المناطق الكبرى التي صارت تخضع لسيطرة داعش، حيث عمد التنظيم للتنقيب عن الآثار في العراق وسوريا وبيعها إلى مافيات تجارة الآثار.

ويستخدم التنظيم موقع «إي باي» موقع المزادات الأول على الإنترنت، في الترويج للآثار المنهوبة حيث يلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري.

وظهرت على صفحات الموقع الإلكتروني قطع أثرية معدنية، وقطع من الخزف، والنقود والمجوهرات التي نهبت من العراق وسوريا، وتهرب هذه القطع الأثرية التاريخية عبر عصابات إجرامية في تجارة الآثار، ما يدر على أفرادها أموالا وأرباحًا طائلة، لتصبح الآن مصدر تمويل للتنظيم.

وذكرت وكالة الأنباء الآشورية أن داعش افتتح سوقا خاصة لبيع الممتلكات التي نهبها من المنازل والكنائس الآشورية في الموصل. وأطلق على السوق تسمية «غنائم النصارى» حيث جرى بيع أجهزة التلفزيون والثلاجات وأفران الميكروويف والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وكذلك الأثاث والأعمال الفنية، وتراوحت الأسعار ما بين 50 ألفا إلى 75 ألف دينار عراقي.

ويقوم داعش بتحصيل 10 في المائة من دخول الأفراد كضريبة دخل، وما يتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة ضرائب على الأعمال، وما يقدر بحوالي 2 في المائة ضرائب على قيمة المشتريات اليومية، بالإضافة إلى ضرائب الطرق، وضرائب تهريب الأسلحة والمخدرات، بالإضافة إلى فرض رسوم المغادرة على الأشخاص الراغبين في ترك الأراضي التي يسيطر عليها داعش مع العودة خلال أسبوعين، وتقدر بحوالي ألف دولار للشخص الواحد، مع فرض الجزية على المسيحيين ومعتنقي الديانات الأخرى.



صوامع الحبوب

ومن ناحية أخرى، سعت «جبهة النصرة»، ممثل تنظيم القاعدة في سوريا، لتعظيم موارده المالية، بالاستيلاء على صوامع الحبوب في حلب وتولي توزيع الطحين على المخابز، وتوفير حماية بعض المصانع في حلب مقابل مبالغ مادية من التجار والصناع، وإقامة مشاريع خدمية كالنقل العام في حلب وريفها، وهو ما وفر لها عوائد ماليّة دائمة. كما استفادت الجبهة من العوائد الضريبية الصغيرة والكبيرة التي فرضتها الهيئات الشرعية في عدد من المناطق، لا سيما في حلب.

بوكو حرام وغسيل الأموال

أنشأت منظمة بوكو حرام في نيجيريا وعبر الحدود مع الدول المجاورة شبكة من الناقلين للأفراد الذين يقومون بنقل الأموال المحصلة من أعمال جمع التبرعات والضرائب والإتاوات وغيرها، إلى قيادة التنظيم. فنقل الأموال يتم نقداً بواسطة شبكة من الأفراد المتخصصين في عمليات النقل التي تتضمن في الوقت نفسه تأمين الشحنات المالية الثمينة المنقولة عبر الحدود وفي داخل نيجيريا نفسها، من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة.

وتقدر وزارة الخزانة الأميركية إيرادات بوكو حرام بنحو 10 ملايين دولار سنوياً. وتأتي معظم هذه الإيرادات من أعمال خطف أجانب أو محليين أثرياء واحتجازهم حتى يتم دفع الفدية المطلوبة ثم إطلاق سراحهم بعد ذلك.

كذلك تحصل بوكو حرام على مساعدات مالية محدودة من تنظيم القاعدة كما ترتبط بعلاقات عملياتية قوية مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وتعمل شبكات بوكو حرام في الكثير من الأنشطة الإجرامية وعلى رأسها عمليات تهريب المخدرات وأهمها الكوكايين في أفريقيا.

تهريب المخدرات

من ناحية أخرى، هناك اتهامات لجماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا بالتواطؤ مع عصابات الجريمة المنظمة لتهريب المخدرات والخطف والسطو على المصارف وعمليات الاحتيال الإلكترونية، فضلا عن عمليات السرقة. ووفقا لمركز مكافحة الإرهاب «Combating terrorism center».

كما سعت جماعة «بوكو حرام» إلى استكشاف مصادر تمويل لها تناسب وتعاظم نفوذها والتي تنوعت بين مصادر عديدة، كان أبرزها عمليات نقل الأموال داخل نيجيريا، واختطاف الأجانب في البلاد وإطلاق سراحهم مقابل أموال كبيرة.

كان الملمح الرئيسي لتمويل عمليات الجماعة لتمويل شبكتها نظام نقل الأموال داخل نيجيريا، وعبر حدود دول أفريقية مجاورة يسهل اختراقها، بجانب حصول الحركة على أموال كبيرة فدية لإطلاق رهائن تحتجزهم.
يظهر ذلك في حصولها على أكثر من ثلاثة ملايين دولار لإطلاق فرنسي وزوجته وأولاده الأربعة وشقيقه، كما كشف تقرير سري لحكومة نيجيريا، أن مفاوضين من فرنسا والكاميرون دفعوا لـ«بوكو حرام» ما يعادل 3.15 مليون دولار قبل إطلاق سراح الرهائن.

ويقدر بعض المسؤولين الأميركيين أن الجماعة تتلقى مليون دولار مقابل إطلاق سراح كل ثري نيجيري تختطفه.

تحويل الأموال

وكشفت صحيفة «يو إس إي توداي» الأميركية عن إدانة 6 أشخاص من أصل بوسني من منطقة سانت لويس، بتهمة تحويل الأموال إلى مقاتلي «داعش» في الشرق الأوسط، مستخدمين خدمة «ويسترن يونيون»، و«باي بال» لإرسال الأموال، وأيضا البريد الأميركي لإرسال العتاد العسكري إلى «داعش»، من خلال وسطاء بالمنطقة.
وكشف الصحيفة الإسبانية «الباييس» أن إسبانيا باتت مركزا رئيسيا لتمويل الإرهابيين في سوريا والعراق، من خلال شبكة واسعة تتألف من 250 مركزا للاتصالات الهاتفية ومحلات الجزارة ومحلات البقالة، حيث يتم تحويل الأموال عبر قنوات غير رسمية يصعب تعقبها، بحسب وكالات الاستخبارات الإسبانية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الشبكة تلجأ إلى ما يسمى نظام «الحوالة»، الذي يحدده الإنتربول بأنه عملية نقل الأموال من دون تحريك للأموال، بهدف تمويل جماعات إرهابية مثل «داعش» و«النصرة».

تنظيم الشباب في الصومال

يتمتع تنظيم الشباب في الصومال بقاعدة تمويلية قوية ومتنوعة، فهو يحصل على إيرادات في صورة إتاوات على تنظيمات إرهابية أخرى، ويحصل على مساعدات كبيرة ومنتظمة من حكومات راعية للإرهاب، وتبرعات من أفراد وجمعيات خيرية صومالية في الخارج، وأنشطة تجارية في الموارد الطبيعية الصومالية، وإيرادات عمليات خطف وإيرادات من عمليات قرصنة بحرية، ورسوم وضرائب على أنشطة أعمال محلية في مناطق تخضع لنفوذ التنظيم.



«حزب الله» اللبناني

تشير وثائق أجهزة مكافحة تمويل المنظمات الإرهابية إلى أن مراقبة أنشطة «حزب الله» تؤكد منذ العام 2010، وجود علاقة وثيقة بين الحزب وعمليات تهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى بلدان أوروبا والشرق الأوسط، ويستخدم الحزب أرباح عمليات تهريب تجارة المخدرات في تمويل أجهزته الإدارية واللوجستية والعسكرية والعمليات التي يقوم بها.

وقد تمكن «حزب الله» منذ عام 2010 من بناء قواعد لوجستية لعمليات تهريب المخدرات في بلدان أميركا اللاتينية في المناطق التي تنخفض فيها قوة المؤسسات الحكومية أو تنعدم تماما. ومن أهم مناطق وجود «حزب الله» منطقة الحدود الثلاثية بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل، وهي منطقة تنعدم فيها تقريبا قوة السلطات الحكومية ويتحكم فيها الخارجون على القانون وتجار المخدرات. ويتم في هذه المنطقة تجميع الكوكايين وإعداده للتصدير إلى أوروبا والشرق الأوسط عن طريق نقاط في غرب أفريقيا وأحيانا عن طريق بعض موانئ شمال أفريقيا.

كذلك ينشط رجال «حزب الله» في تجميع وتهريب المخدرات من تشيلي وبوليفيا وبيرو وتجهيزها في شحنات يتم تصديرها بطرق غير مشروعة إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا والشرق الأوسط.

وتظهر قضية البنك اللبناني الكندي، ومقره بيروت، كيف استخدمت شبكة إجرامية دولية عمليات التمويل والمعاملات التجارية في خمس قارات لغسل مليارات من أموال المخدرات. وأوضحت النتائج التي توصلت إليها وزارة الخزانة الأميركية أن المخدرات التي تجلب من أميركا الجنوبية تشحن لتباع في أوروبا والشرق الأوسط، ويجري غسل عائداتها من خلال النظام المالي اللبناني وعبر بيع السيارات المستعملة المشتراة في الولايات المتحدة والسلع الاستهلاكية المشتراة في آسيا.

وأظهر استخدام حسابات في بنما، والعديد من الملاذات في الخارج، والولايات المتحدة ضعف الهياكل التنظيمية وعدم قدرتها على اكتشاف هذه المعاملات. وذكر ديفيد آشر، وهو أحد كبار المسؤولين عن التحقيق، أن الأموال تتدفق في نهاية المطاف إلى البنك اللبناني الكندي الذي يعد «حزب الله» عميله الرئيسي.

ذكر بيان صحافي صادر عن وزارة الخزانة الأميركية أن البنك اللبناني الكندي انهار بعد أن وصفه المحققون الأميركيون في عام 2011 بأنه «مثار قلق رئيسي بشأن غسل الأموال» ووسيلة مالية لـ«حزب الله». غير أن قضية هذا البنك ما هي إلا مجرد عملية من بين عمليات كثيرة مشابهة تجري في جميع أنحاء العالم؛ وقد استغرق اكتشاف أمره وإغلاقه سنوات وكلف موارد هائلة، مما يجعل تكرار هذه العملية في أماكن أخرى صعبا ومكلفا.

ويبدو أن تنظيم داعش ليس بعيداً هو الآخر عن رجال عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية وعن أنشطة تجارة المخدرات العابرة للقارات. وقد جاء في شهادة قائد القيادة الجنوبية للولايات المتحدة الأدميرال كورت تيد أمام لجنة فرعية للكونغرس الأميركي أن المنظمات الإرهابية في العالم ومن بينها داعش تقيم علاقات قوية مع عصابات تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية، وأن تجارة المخدرات باتت تمثل مصدرا من مصادر التمويل المهمة لتلك المنظمات الإرهابية.

المنظمات غير الربحية

أجرت جامعة جونز هوبكنز عام 2003 دراسة تهدف إلى مقارنة المنظمات غير الربحية في 35 دولة، منها 16 دولة من الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، و14 دولة من الدول النامية، و5 دول أخرى تُصنف تحت بند «الاقتصاديات الانتقالية»، بناءً على معلومات تم جمعها في الفترة ما بين أعوام 1995 و1998؛ حيث خلصت الدراسة إلى أن التبرعات التي تلقتها المنظمات الإرهابية في هذه الفترة بلغت ما يعادل 1,3 تريليون دولار أميركي، وهو ما يعادل 5,1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الدول الـ35.

ولم يمنع قيام كثير من الدول بإيقاف المنظمات التي يُشتبه في تمويلها للإرهاب، بأن تقوم هذه المنظمات عادة بالعمل مرة أخرى دون ترخيص من الحكومة وبشكل خفي مثل «جماعة الدعوة» في باكستان. كما حظرت الولايات المتحدة كثيراً منها، لكنها عادت للظهور مرة أخرى تحت أسماء جديدة.

وهذه التبرعات قد لا تذهب بشكل مباشر إلى الجماعات الإرهابية، فقد يذهب جزء منها لدعم المساجد والمدارس التي تبث أفكاراً متطرفة. وأصدرت المخابرات الأميركية تقريراً في عام 2005 يفيد بأنه تم استخدام 35 مليار دولار من الأموال المخصصة للتبرعات لبناء مساجد ومدارس تبث أفكاراً متطرفة في إقليم كشمير، وتستهدف بصفة أساسية الفئة الفقيرة من المواطنين.

طالبان وتجارة المخدرات

تعد تجارة المواد المخدرة أحد المصادر الرئيسية لتربح الجماعات الإرهابية، وتكمن الصعوبة في تجفيف هذا المصدر في أنه يحتوي على العديد من العناصر المستفيدة؛ فعلى سبيل المثال قُدرت أرباح حركة طالبان من تجارة المواد المخدرة بحوالي 150 مليون دولار، وقُدرت أرباح التجار الذين قاموا بتوزيعها بحوالي 2,2 مليار دولار، فيما قُدرت أرباح المزارعين بحوالي 440 مليون دولار.

تمويل الإخوان والإرهاب

تمويلات الإرهاب في مصر، تنبع من عدة مصادر أولها، أموال الإخوان، وداعش وجزء آخر من التمويلات مصدره دول وشخصيات إقليمية. فتنظيم الإخوان الدولي أنشأ هيكلاً موازياً في الخارج، وهذا الهيكل الموازي صار أساساً لعمليات مصرفية وشركات ومشاريع عملاقة يتم من خلالها إخفاء ونقل الأموال من وإلى جميع أنحاء العالم.

وهناك شخصيات معروفة بالاسم من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان، مسؤولة عن «بيزنس أموال الجماعة». ورغم أن مصر تحفظت على عدد من المشروعات التي يمتلكها تابعون لجماعة الإخوان، فإنه ما زالت هناك مشروعات إخوانية عديدة لم يتم التحفظ عليها؛ بسبب السرية الكبيرة التي يفرضها الإخوان على ما يمتلكونه من مشروعات، بخلاف الأموال التي يتم اقتطاعها شهرياً من الدخل الشهري لكل عضو إخواني وتوجيهها لمكتب إرشاد الجماعة، وهى مبالغ ليست قليلة. فضلا عن تدفق الأموال من الجماعة والدول التي تساند وتمول الإرهاب.

شراكات مربحة

وأحيانا ما تكوِّن الجماعات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية شراكات مربحة مع رجال حرب العصابات أو المنظمات الإرهابية. وعلى مدار ست سنوات، استخدمت القوات المسلحة الثورية الكولومبية، المعروفة اختصارا باسم «فارك»، والجماعات الإجرامية، مجموعة من مكاتب الرهونات لنقل 47 طنا من الذهب المستخرج بأساليب غير قانونية بلغت قيمتها 1.4 مليار دولار إلى معامل تنقية الذهب العالمية، بعض منها في الولايات المتحدة. واكتشفت سلطات إنفاذ القانون الأميركية أن حزب الله، في لبنان، كان يقوم بغسل كميات كبيرة من الأموال عن طريق أحد المعامل الرئيسية التي تلقت ذلك الذهب.

وقد ظهر الذهب كواسطة لأنه مربح ويسهل إلى حد ما تحويله إلى سيولة نقدية. ووفقا لما نشرته وكالة بلومبرغ في عام 2013 «يستغرق إنتاج الكوكايين في العادة ستة أشهر ويتطلب معرفة كبيرة، في حين يمكن لعملية تنقيب غير قانونية في أدغال كولومبيا استخراج كيلوغرامين من الذهب أسبوعيا». ويباع الكيلوغرام من الكوكايين بما يعادل نحو 2570 دولارا في الأدغال، في حين يمكن أن يباع كيلوغرام من الذهب بأضعاف هذا المبلغ.

دول تمول الإرهاب

ويأتي التمويل الأكبر للتنظيمات الإرهابية من خلال بعض الدول، ويظهر ذلك جليا من خلال تمويل عدد من التنظيمات الإرهابية خاصة في ليبيا واليمن وجماعة الإخوان في مصر. وكشفت ليبيا بالأدلة عمليات مصدرها دول إقليمية لتزويد الجماعات الإرهابية في ليبيا بالسلاح والمال، ولعبت تلك الدول دورا مهما في تمويل المتمردين في اليمن. واستخدمت دول داعمة للإرهاب أساليب ملتوية في التمويل وعقد الصفقات المشبوهة للالتفاف على القوانين والأعراف الدولية.
font change