جهيمان أدار العملية الفكرية في المجتمع السعودي إلى وجهها الآخر

جهيمان أدار العملية الفكرية في المجتمع السعودي إلى وجهها الآخر


[caption id="attachment_55237274" align="aligncenter" width="623"]أتباع جهيمان بعد القاء القبض عليهم أتباع جهيمان بعد القاء القبض عليهم[/caption]


جهيمان لم يكن مجهولًا في المجتمع فالكثير من العلماء الدينيين وطلبة العالم قابلهم جهيمان ،واستمعوا إلى أفكاره الإخوانية حيث لا يخفى على الجميع اعتناق جهيمان للمذهب الإخواني مع تعديلات طفيفة فرضتها طبيعته المجتمعية، كما قابلهم محمد القحطاني الذي بايعه جهيمان باعتباره المهدي المنتظر.


وبقدر ما كانت الصدمة كبيرة على المجتمع السعودي وخصوصًا الذين يدركون خطورة العمل الذي قام به جهيمان إلا أن الخطوط العريضة لما طالب جهيمان بتطبيقه في المجتمع كانت تسير في طريقها إلى التطبيق دون إدراك لما أنبأت به الأيام التي تلت حادثة الحرم.


إنني أختلف مع كثيرين حول الفرضية التي تقول إن أعمال جهيمان هي التي غيرت في المجتمع السعودي وحدها دون مؤثرات أخرى، ولعل السبب في ذلك أنه ليس من المعقول من الناحية السياسية أن تستجيب الدولة لمطالب جهيمان وتطبقها، بينما هي في نفس الوقت تحارب هذا الاتجاه خلال أيام احتلال الحرم وتصدر أحكامًا بالإعدام على مرتكبي الهجوم على الحرم المكي.


إن ما عملة جهيمان كما اجزم هو تسريع تدوير العملة الفكرية في المجتمع السعودي إلى وجهها الآخر بدرجة أسرع مما كان متوقعًا لها وخصوصًا أن المجتمع السعودي سيكون جاهزًا لمتابعة أخبار الحرب الأفغانية الروسية بعد نحو شهر من حادثة الحرم.


في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون أول من نفس العام دخل الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان حيث ولدت على إثر هذا الدخول الحرب الأفغانية التي غيرت الكثير من الاتجاهات في الفكر الاجتماعي في كثير من المجتمعات الإسلامية ،أعتقد أنه لو لم تتزامن الحرب الأفغانية مع حادثة الحرم لكان تأثير حادثة الحرم أقل بكثير مما تصورنا.


الكثير من المحليين اعتقدوا أن حادثة جهيمان هي التي صنعت التغيير الفكري والميل إلى التشدد في المجتمع السعودي ، والحقيقة أن حادثة جهيمان كان بالإمكان إيقاف ضخها الفكري بالقضاء على المتمردين ولكن ما عمله جهيمان أنه أدار العملة الفكرية في المجتمع السعودي إلى وجهها الآخر حيث أتاحت حادثة الحرم للفكر أن يتحول بفعل عوامل اجتماعية وسياسية محلية ودولية من الاتجاه الإخواني الصريح إلى الاتجاه الصحوى المكون أساسًا من مواد فكرية تم جلبها من المد الإخواني الموجود في المجتمع قبل نحو عقدين من الزمن.


 إنَّ ما يجعل الكثيرين من المحللين يعتقدون بتأثير حادثة الحرم على المجتمع من حيث نوعية الأفكار وكمياتها وخاصة ما طالب به جهيمان ومجموعته هو ذلك التقارب الكبير بين ما طرحته الصحوة في الأعوام التي تلت حادثة الحرم وبين ما طرحه جهيمان بشكله الإخواني.


هناك فاصل زمني يجب أن نعيه بين الإخوان الجهيمانيين  وبن الصحويين، هذا الفاصل تم تعريفة من قبل السياسة الدولية والمحلية من خلال اتجاهات كانت تسمح بممارسة التشدد وفقًا لمنهجية الصحويين في المجتمع مع الإدراك الواضح بأن ما يطلبه الصحويون لم يكن يختلف مع ما يطلبه الجهيمانيين.


الصحوة وبمساعدة الظروف السياسية الداخلية والخارجية شجعت على القتال والجهاد ولكنه الجهاد خارج المجتمع فحثت الشباب والراغبين في ممارسة استجلاب التاريخ الإسلامي من خلال صور حية للمعارك بين مسلمين ومشركين ـ كما يسمونهم ـ وذلك بالدعوة المباشرة للمشاركة في الحرب الأفغانية ، أما بالنسبة لجهيمان فكان الأمر مختلفًا جدًا.


اعتقد أن جهيمان كان بالإمكان أن يكون" بن لادن" حقيقيًا لو تأخر لأكثر من شهر في تنفيذ عمليته ولو صبر لغير خطته ليجد له مساحة جغرافية يطبق فيها مقترحاته وأفكاره في أفغانستان وبدعم سياسي عالمي  وكان بالإمكان توجيه جهيمان المعروف بتشدده وميله الإخواني الشديد إلى أفغانستان لو سمحت الظروف بذلك.


من المنطقي ألا نبالغ كثيرًا في تأثير حادثة جهيمان على المجتمع لأن وجود الظاهرة الأفغانية وتوفر الدعم السياسي لها هو الذي ساهم في إحداث تغيّرات جذرية في ممارسة الفكر المتشدد في المجتمع. لقد تم السماح في المجتمع للدعاة والكثير من العلماء بالدخول على خط الجهاد وحث الشباب على ذلك بعيدًا عن مدى إدراكهم للأهداف خلف ذلك، ولكن هذه الظاهرة لا يمكن أن تمر في المجتمع دون تهيئة أرضية فكرية متشددة صلبة يستطيع أولئك الدعاة والوعاظ الوقوف عليها دون خوف.


لقد كان البعد الاجتماعي والتنظيمات والتسهيلات التي كان يحصل عليها الصحويون تشكل أرضًا صلبة للانطلاق في حث الشباب وترغيبهم في المشاركة في الجهاد الأفغاني للممارسة وتذوق التاريخ المماثل لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.


إن أعمال جهيمان لم تكن سوى الأداة التي كشفت عن الوجه الآخر للعملة الفكرية التي لو لم تكن مصنوعة لوجب صناعتها نتيجة لظروف سياسية محيطة في المنطقة. إن ثلاثًا من الحوادث العالمية شكلت منهجية فكرية جديدة ليس على مستوى المجتمع السعودي فقط ولكن أيضًا على المستوى العالمي هذه الحوادث هي (الثورة الإيرانية، حادثة جهيمان ، ثم أخيرًا الحرب الأفغانية) لهذا السبب لا يمكن القول بأن حادثة الحرم كانت البيان الفكري الذي كان على المجتمع السعودي تطبيقه بعد القضاء على جهيمان ولكن يمكن القول إن حاثة الحرم لم تكن سوى الإبهام الذي أدار العملة الفكرية في المجتمع إلى وجهها الصحوى المتشدد الذي أنتج التطرف ولم يستطع السيطرة عليه.


 




  أكاديمى وباحث فى علم الاجتماع

font change