بعد أخذ ورد، حزم الرئيس الأميركي أمره وقرر زيارة حلفائه الشرق أوسطيين الأبرز لا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية بعد ما كان قد أجل رحلته إليها قبل شهر تقريبا.
السؤال الذي يتبادر للأذهان هو ماذا يمكن للحلفاء أن يتوقعوا من تلك الزيارة؟ لندع جانبا بعض التحاليل التي هي أقرب للتمنيات، ونحيل القارئ إلى مقالة الرأي التي نشرها البيت الأبيض باسم الرئيس بايدن في صحيفة «واشنطن بوست». ما يهم حلفاء الولايات المتحدة هو الملف الإيراني أولا وأخيرا ومقاربة إدارة بايدن في المقالة التي عنونها «لماذا أزور المملكة العربية السعودية؟»، تؤكد أن الرسالة التي سيحملها الرئيس الأميركي هي إصرارها على تبني الفرقاء المتنازعين في المنطقة لا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية من جهة وإيران ثانية من جهة المنحى الدبلوماسي كسبيل وحيد لإيجاد حلول تجعل من الشرق الأوسط منطقة أكثر «أمانا واستقرارا» على حد تعبيره.
وهو قصد في المقال تعداد الأهداف التي حققتها إدارته من خلال الدبلوماسية، بدءا بفك عزلة بلاده التي فرضها سلفه جراء انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني وصولا إلى تخفيف التوتر مع إيران ومن ثم التعاون مع أكثر من 30 دولة لزيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، حتى تصبح هذه الأخيرة مستعدة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي.
هذا ما سيسمعه حلفاء أميركا من الرئيس بايدن فيما خص مقاربتها للموضوع الإيراني وهم كانوا قد سمعوا قبلا نسخة عنه أيام تولي الرئيس أوباما هذا الملف.
بايدن سيقول بكلام آخر، إن الدبلوماسية مع إيران هي الطريق وإنه لن يلجأ أو يسعى أو حتى يفكر قطعا باستعمال القوة العسكرية مجددا في الشرق الأوسط، وأن لا بديل عن الاتفاق النووي بكل عيوبه كما أنه ليس هناك من ضمانات فيما خص منع امتلاك إيران للقنبلة النووية.
رغم كل ما سبق سيسعى بايدن أيضا إلى دفع المملكة لزيادة إنتاج البترول من أجل التخفيف من عبء المواطن الأوروبي في الأزمة التي يواجهها من جراء الحرب الأوكرانية.
لن ينخدع أي من المسؤولين في البلدين بالتصريحات من الجانب الأميركي حول أهمية أمن الحلفاء وضمانه من قبلهم ولن ينبهر أي منهم إذا ما تم توقيع اتفاقيات لن تقدم ولن تؤخر في مصير الشرق الأوسط الذي يرسمه أو يحاول رسمه الرئيس بايدن: إيران كما هي عليه من إرهاب ورعايته في بلاد العرب ستكون جزءا أساسيا من الشرق الأوسط.
لن يقتنع الرئيس بايدن رغم الشواهد التي ستعرض عليه أن دور إيران مزعزع في المنطقة وأنه سبب أساسي لعدم استقراره وقيام حروب جانبية فيه، وسيرد على هذه الادعاءات أن العداء المتبادل هو سبب التصوف الإيراني وأن الدبلوماسية كفيلة بمعالجة تلك الأمور. حتى عندما سيواجهونه بمحاولتها اغتيال مسؤولين أميركيين سابقين مثل بومبيو وزير الخارجية السابق أو بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب سيضع اللوم على سلفه واغتياله أقوى رجالات إيران قاسم سليماني وأن الانفتاح سيقنع إيران بتغيير نهجها.
إذن ماذا بعد؟
هذا الموقف الأميركي سيدفع الدول المتضررة من الدور الإيراني المزعزع لأمنها القومي بمباركة أميركية إلى زيادة التعاون الأمني أولا بينها من أجل لجمه على أقل تقدير. وربما تلي تلك الخطوة الأمنية خطوات تعاون اقتصادي وتجاري تخلق منطقة مزدهرة مقارنة مع المناطق المنكوبة التي تسيطر عليها إيران إن كان في لبنان أو سوريا أو العراق وطبعا إيران نفسها.
أن الأموال التي ستحصل عليها إيران لن تذهب لتحسين الأوضاع الإيرانيين الاقتصادية أو لتجديد البنى التحتية للبلد أبدا كما يدعي اللوبي الإيراني في أميركا إنما ستذهب لدعم الآيديولوجيا التي ينشرها الملالي في المنطقة ولقمع كل من يعارضها وما أكثرهم.
منطق أميركا فيما خص إيران وإمكانية تغيير نهجها لمكاسب اقتصادية سيفشل كما فشلت نظرية إدارة بوش السابقة في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل والمملكة العربية السعودية لن تحمل جديدا أو حتى أسرارا لم يدر بها قبلا أحد. هناك واقع يتبلور يوما بعد يوم ويسعى لفرض إيران على المنطقة من دون تنازلات من قبلها وهو أمر واقع يجب التعامل معه.