جدل حول الحضور الإيراني في قلب النزاع اليمني

جدل حول الحضور الإيراني في قلب النزاع اليمني

[escenic_image id="5510969"]

أدى تصعيد القتال في اليمن بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين إلى إحياء المخاوف من أن تصبح اليمن مرة ثانية ساحة للقتال بين دول رئيسية في الشرق الأوسط تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. وبينما كانت القوتان المتنافستان في فترة الستينيات  هما مصر بقيادة ناصر والتي كانت منحازة إلى جانب الاتحاد السوفيتي والمملكة العربية السعودية ذات الميول الغربية، فإن التنافس على النفوذ اليوم في الشرق الأوسط يبدو أنه بين إيران ذات الأيديولوجية الشيعية الثورية والتحالف السني الذي تقوده السعودية مرة ثانية.

والحوثيون هم جماعة من الزيديين الذين يمثلون طائفة شيعية تتركز بصفة أساسية في الأقاليم اليمنية الشمالية في صعدة وعمران. ولا يؤيد التمرد الحوثي سوى قلة محدودة من الزيديين. فهم يعارضون الحكومة المركزية تحت قيادة الرئيس علي عبد اللـه صالح الذي ينتمي هو الآخر إلى هذه الطائفة. ويزعم الحوثيون  أن حكومة صالح قد تجاهلت مصالحهم ومصالح الأقليات القومية الأخرى. كما ينتقدون أيضا الفساد الحكومي المزعوم ويعيبون على إدارة صالح الصلات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة وما يفترضونه من رضوخ حكومته أمام النفوذ الوهابي.

ومنذ عام 2004،  شنت الحكومة بضع عمليات عسكرية ضد المتمردين الحوثيين إلا أنها أخفقت في قمع التمرد. ولايزال صالح مصرًا على إنزال الهزيمة بالمتمردين على ساحة القتال، حيث أعلن في السابع من نوفمبر/ تشرين ثان أن " الحرب لن تتوقف أيًا ما كلفنا الأمر من أموال أو شهداء. وترجع الصعوبات التي تواجهها القوات الحكومية في جزء منها إلى الطبيعة الجبلية الوعرة التي تميل إلى تفضيل نمط  حرب العصابات، إلا أن هناك شكوكًا متنامية بأن المتمردين أيضًا يتلقون دعمًا موسعًا من أطراف خارجية.

وليس من الواضح تحديد حجم  التدخل الأجنبي في النزاع الحوثي. ووجه مسؤلون إيرانيون اتهامات متكررة لجماعات في إيران، أشير أحيانًا إلى انتسابها إلى الحكومة الإيرانية، بتزويد المتمردين بالسلاح والتدريب والوسائل الإعلامية وأوجه الدعم الأخرى. وفي الشهر الماضي، أعلنت السلطات اليمنية عن تمكنها من القبض على سفينة إيرانية كانت تقوم بتهريب السلاح إلى المقاتلين الحوثيين. وقد قامت الحكومة اليمنية بإلغاء زيارة مقررة لوزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، على سبيل الاحتجاج. كما رددت وسائل الإعلام اليمنية مزاعم حول إيواء إريتريا للمتردين والسماح للحرث الثوري الإيراني بتدريبهم وإمدادهم بالعتاد وكذلك السماح بتدفق السلاح من إيران عبر ميناء عصب الإريتري إلى ميناء ميدي باليمن.

ورددت بعض  المصادر السعودية نفس المزاعم. ففي الآونة الأخيرة ، ذكرت  مصادر سعودية أن المتمردين الحوثيين هاجموا مواقع سعودية على طول الحدود السعودية اليمنية بالقرب من جبل دخان ، مما يثير مخاوف من أن الجماعة  تطمح في أن تصبح جماعة إقليمية  فوق الدول مثل حزب اللـه. ردًا على ذلك ، فإن الحكومة السعودية قدمت للسلطات اليمنية مساعدات عسكرية وغير عسكرية. و أصيبت بالقلق دول أخرى من   أعضاء مجلس التعاون الخليجي وكذلك  مصر والأردن  من احتمال وجود  صلة إيرانية بالتمرد الحوثي من أجل دعم  رغبة  إيران  في بسط  النفوذ الإيراني  على البحر الأحمر ، بدءًا من  ساحل إريتريا حتى  شمال اليمن.

ينكر المسئولون الإيرانيون  رسميًا قيامهم  بإمداد المتمردين الحوثيين بأي مساعدات . فالإيرانيون يصرون أمام الرأي العام على أنهم يدعمون بقوة اليمن ووحدتها الإقليمية ويريدون الحفاظ على علاقاتهم الجيدة مع اليمن. و قد عرض الإيرانيون على اليمن المساعدة بالتوسط مع المتمردين للتوصل إلى هدنة.  و لكنهم يلقون باللوم سرًا على الحكومة اليمنية من جراء استفزاز  الحوثيين  لحمل السلاح من خلال سوء معاملتها إياهم   .

ويبقى المحللون المستقلون منقسمين حول مدى الدعم الإيراني للمتمردين اليمنيين. إن  تعاطف الإيرانيين مع المتمردين واضح ، ولكن ينقص الدليل  الملموس  على أن  الحكومة الإيرانية تسعى إلى تخريب الدولة اليمنية من خلال إمداد المتمردين بمساعدات هائلة .

وترى  واشنطن أنه أيًا كانت الروابط التي تربط بين الحوثيين وطهران فإنها  أقل خطرًا على اليمن من خطر القاعدة. فتنظيم القاعدة يسعي  لتثبيت أركانه  في اليمن لتعويضه عن الإخفاقات  التي مني بها أخيرًا في العراق، المملكة العربية السعودية، وغيرها من البلدان. وتخشي واشنطن  من  أن انشغال  الحكومة اليمنية بمحاربة المتمردين الحوثيين  سوف يمكن تنظيم القاعدة - الذي يضم خلايا إرهابية من اليمن والمملكة العربية السعودية- من توطيد تواجده في شبه الجزيرة العربية " .

ولذا يفكر  صناع السياسة الأمريكية  في  تقديم مساعدات عسكرية إضافية لليمن لمساعدة  السلطات اليمنية في  إعادة تركيز انتباههم ضد تنظيم القاعدة. وهناك أيضا مقترحات للولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المملكة العربية السعودية، وغيرها من البلدان تقوم على اعتماد حزم مساعدات لشمال اليمن من أجل التخفيف من الأوضاع المأساوية  الموجودة هناك.

ثمة  مشكلة أخرى وهي أن  الحركة الانفصالية في جنوب اليمن قد أصبحت أكثر نشاطًا.

وبالرغم من عدم وجود  تنسيق واضح بين الحوثيين والقاعدة، وحركة الجنوب، يخشى المراقبون مما إذا كانت الإدارة الواهية  للدولة  اليمنية تستطيع مواجهة  تصاعد حركات التمرد الثلاث في وقت واحد.

ويعد اليمن أفقر دولة في العالم العربي. فثلث اليمنيين الذين ينتمون إلى الفئة  العمرية المناسبة للعمل عاطلون،  كما تنتشر الأمية وغيرها من المشكلات الاجتماعية على نطاق واسع.  ويتركز أغلب النشاط التجاري اليمني حول بيع الأسلحة والقات "نوع من المخدرات الخفيفة". وبالرغم من أن اليمن هو أول دولة ديمقراطية على المستوى الرسمي في الخليج الفارسي حيث يتعدد به الأحزاب فإن النظام السياسي  اليمني لا يزال يعاني من التمزق من قِبل  القبائل والجماعات الأخرى ذات الانتماءات  الوطنية المختلفة. ونتج عن انخفاض الإنتاج اليمني من النفط حرمان الحكومة المركزية من الموارد التي تحتاجها لشراء ولاء الوسطاء السياسيين   من ذوي السلطة الإقليمية في اليمن، وكذلك حرمان برامج الخدمة العامة من التمويل اللازم، وهي برامج يعتمد عليها الكثير من اليمنيين الفقراء نتيجة لعدم وجود فرص عمل كافية في القطاع الخاص.

 وقد يؤدي فشل الدولة اليمنية في مواجهه حركات التمرد بداخلها  إلى  انتشار  الفوضى  في شمال اليمن مثلما يحدث في الصومال، مما سيترتب عليه انتشار  القرصنة والجريمة، والإرهاب في جميع أنحاء البحر الأحمر. ورغم  أن البعض في طهران قد يرحب بزوال نظام صالح،  فهل ستصبح إيران أفضل حالًا إذا زاد احتمال تعرض  صادراتها من النفط للتهديد من قبل القراصنة؟ وهل سيصبح الإيرانيون  أكثر سعادة  إذا قام  تنظيم القاعدة –الذي يرى العديد من زعمائه  أن العقيدة الشيعية الإيرانية  شكل من أشكال الردة – بإنشاء  قاعدة لعملياته في اليمن وهي دولة قريبة جدًا من إيران؟

د.ريتشارد ويتز، زميل ومدير مركز تحليل السياسية العسكرية في معهد هديسون، واشنطن دي سي.

font change