واشنطن: افتتحت مؤسسة «ناشيونال جيوغرافيك»، التي تملك المجلة المشهورة باسمها، ومتحفا في واشنطن، وأقساما للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، معرض «ما وراء الملك توت: تجربة عميقة». ويرمز الافتتاح إلى مرور مائة سنة على اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، في وادي الملوك، جنوبي مصر.
ويرمز، أيضا، إلى «انتقام»من جانب «ناشيونال جيوغرافيك»من هوارد كارتر، عالم الآثار البريطاني الذي اكتشف المقبرة، ومن الأرستقراطي البريطاني جورج هيربرت، الذي مول الاكتشاف.
ذلك أنه، في سنة 1922، عندما اكتشفت المقبرة، وبدأ التحضير لافتتاح عالمي، منع مانيارد وليامز، مراسل «ناشيونال جيوغرافيك»من تغطية الاحتفال. بل منع حتى الصحافيين المصريين. وذلك لأن هيربرت وكارتر كانا تعاقدا مع صحيفة «التايمز»البريطانية لتغطية حصرية، مقابل مبلغ من المال، كان كبيرا جدا في ذلك الوقت.
في الأسبوع الماضي، بعد 100 سنة، في معرضها في واشنطن، أشارت «ناشيونال جيوغرافيك»إلى ما حدث. وإلى أن كارتر توفي خلال اكتشافاته، وإلى اعتقاد قديم عن «لعنة الفراعنة»على الذين يريدون نبش قبورهم المخفية خلال آلاف السنين.
كانت المجلة ستحقق سبقا صحافيا اميركيا، وتنشر صور أكثر من 5000 قطعة أثرية نادرة وجدت داخل المقبرة. وأكثرها مصنوع من الذهب، أو مرصع بالذهب. آرائك، وموائد، وصناديق، وأضرحة، وسفن (كان الفراعنة يعتقدون أنها ستنقلهم، بعد موتهم، إلى العالم الآخر). ثم القناع العملاق المصنوع من الذهب والأحجار الكريمة (الذي صار رمز حضارة الفراعنة). أما النعش نفسه فمصنوع من طبقة من 20 كيلوغراما من الذهب الصافي.
ركز معرض «ناشيونال جيوغرافيك»(الذي سيستمر حتى نهاية العام) على عرض تكنولوجي متطور. وعلى تقديم واقع افتراضي، مع وسائل صوتية وضوئية. وذلك للتعويض عن عدم وجود آثار حقيقية من قبر توت عنخ آمون، بعد أن قرر المصريون وقف نقل المعروضات إلى خارج مصر.
لكن، قبل نصف قرن، عرضت آثار حقيقية في الولايات المتحدة خلال أول جولة من نوعها في الولايات المتحدة. تلك كانت الجولة التي بدأت «توتمانيا»(الولع بتوت)، حسب المعلومات الصحافية، شاهد المعروضات عشرات الملايين من الأميركيين خلال تلك الجولة.
في ذلك الوقت، كتبت «شيكاغو تريبيون»عن معرض شيكاغو، تحت عنوان «كنوز الملك توت عنخ آمون».وكتبت عن الناس «الذين ينتظرون في طوابير طويلة (أحيانًا يقضون الليل حتى صباح يوم فتح المعرض). ثم يدخلون الممرات ذات الإضاءات الخافتة التي تصطف على جانبيها القطع الأثرية. ثم غرفة تابوت الملك توت الذي توفي عندما كان عمره 19 سنة. ولم يكن قد حكم أكثر من 10 سنوات».
وأضافت الصحيفة أن الزوار «خرجوا من محل بيع الهدايا، وهم يحملون أوشحة وحقائب، ومطبوعات، وكتب، كلها عليها رسم الملك توت. هذا بالإضافة الى تماثيل الملك توت، المتنوعة الأحجام، والأسعار».
وفي شيكاغو وحدها، زار ما يقرب من مليوني شخص المعرض، والذي كان جزءًا من جولة في 6 مدن بالولايات المتحدة، «وكانت المرة الأولى التي يأتي فيها أي شيء من قبر الملك توت إلى أميركا، والتي جعلته وكأنه نجم من نجوم موسيقى الروك آند رول».
(كان جزءًا من جولة حول العالم استمرت لعشر سنوات تقريبًا).
هكذا تحالفت رأسمالية أميركا وحضارة فراعنة مصر، وقدمتا سلعة شعبية درت كثيرا من الأرباح؛ ليس فقط للمتاحف التي عرضت المقتنيات، ولكن، أيضًا، لصناعات السينما، والتلفزيون، والهدايا التذكارية.
«إذا كنت أعرف أن الملك توت سيصير مشهورا، كنت اشتريت متحفا، وعرضت فيه مقتنياته»، هكذا قال، في عام 1978، الممثل والمغني الأميركي ستيف مارتن عندما لعب دورًا رئيسيًا في فيلم «الملك توت»، وغنى أغنية مشهورة صارت وصفا ساخرا للثروة التي جمعتها المتاحف من وراء الملك توت.
تقول بعض كلمات الأغنية: «أوه، الملك توت عندما كان شابا. لم يتصور ما سيحدث. يقف الناس في صفوف لرؤية الملك توت. يرقص الملك توت على النيل. تحب النساء الملك توت. يأكل الملك توت لحم التماسيح..».
يقول مقطع في الأغنية: «ضحى الملك توت من أجل السياحة في أميركا».ويصور الجوانب الشعبية والتجارية لجولة السبعينات، والتي استمرت حتى الوقت الحاضر. ويستفيد منها الأميركيون والمصريون.
قالت صحيفة «واشنطن بوست»، تعليقا على معرض «ناشيونال جيوغرافيك»، إن جولة السبعينات كانت جزءًا من سياسة الرئيس آنذاك أنور السادات للانفتاح على الغرب، بعد عقود من تحالف مصر مع روسيا خلال حكم رئيسه جمال عبد الناصر. والآن، يتوقع أن يجذب إحياء «توتمانيا»مزيدا من السياح الغربيين إلى مصر.
وتوقعت الصحيفة زيادة السياح الغربيين في مصر، لأنه «ليس متوقعا أن تغادر كنوز الملك توت مصر مرة أخرى، لأنها ستقيم في المتحف المصري الكبير، الذي يتوقع افتتاحه في وقت لاحق من هذا العام».
بفضل قوة وسائل الإعلام الأميركية، ستستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم الأفلام، والأفلام الوثائقية، والمنتجات التجارية عن الملك توت: قفازات توت، وقمصان توت، ومرايا توت، ونعال توت، وحتى ملابس توت الداخلية. بالإضافة إلى الأفلام التي بدأت قبل الحرب العالمية الثانية، وأضاءت فجر صناعة الأفلام في هوليوود. مثل «كارتر العظيم»،و«قبلة فرعونية». وأفلام حديثة، مثل «لعنة قبر الملك توت»ومسلسلات تلفزيونية، مثل «توت عنخ آمون».
وفي بداية هذه السنة، نشرت مجلة «نيويوركر»تقريرا عنوانه: «سر حب الأميركيين لهذا الملك الفرعوني». وقالت، رغم أنه «كان فرعونًا صغير السن، وتجادل علماء الآثار حوله، ها نحن اليوم نتعلم أشياء جديدة عنه، وعن حضارته، بعد مرور قرن على اكتشافه».
في بداية التقرير كتب مؤلفه قصته هو مع الملك توت:
«قبل فترة قصيرة، زرت الفصل الدراسي لأختي في مدرستها الابتدائية. وقابلت تلميذا في الصف الثاني، وأعتقد أنه في طريقه إلى درجة الدكتوراه في علم المصريات. أدهشني هذا التلميذ، وهو يصف عملية التحنيط. ويشرح شفط المخ من خلال الأنف، وتجفيف النطرون للجسم. ثم رسم اسمي باللغة الهيروغليفية. ثم قدم لي محاضرة عن الفرعون توت عنخ آمون، أكثر مما يعرف زملاؤه التلاميذ عن أجدادهم...».