كتبت: تتعدد وتتنوع المشاكل الاجتماعية في إيران والقائمة طويلة يتصدرها الفقر والبطالة والإدمان على المخدرات والطلاق وعمالة الأطفال والانقطاع عن الدراسة وارتفاع معدل هجرة الكفاءات وانتشار الأحياء العشوائية على أطراف المدن الكبرى والمبيت في الكراتين والقبور والحاويات وعربات القطار المهجورة وقنوات الصرف الصحي وتهريب المخدرات والإتجار بالأعضاء البشرية وانتشار الباعة الجائلين.
الفقر
فيما تعتبر إيران غنية بالنفط فإن الجزء الأكبر من الشعب يعانون من مشاكل جمة؛ فهم منذ سنوات يذوقون مر المساكن العشوائية غير اللائقة التي تفتقد للخدمات الأساسية ويواجهون البطالة وقد باتوا معرضين لخطر «الجوع الشديد» الذي جعلهم يتسلقون حاويات المهملات بحثا عما يسد رمقهم أو ما يرتدونه.
تقلصت موائد الإيرانيين بشكل كبير وهذا جزء من تداعيات الفقر فميزانية الأسرة في إيران منذ فترة طويلة لا تسمح بالإنفاق على مصروفات كالرياضة والكتاب والسينما والسفر والبرامج الترفيهية وحتى تكاليف العلاج.
ومع كل ذلك فإن لطف الله دجكام خطيب جمعة شيراز يقول: «إن المشكلات المعيشية موجودة ولا يوجد طريق آخر». حتى إن أحد الخبراء في أحد برامج التلفزيون الرسمي والذي كان يدعي أنه حائز على الدكتوراه في علم النفس قدم نصيحة للشعب وهي: «تأقلموا مع الظروف؛ فلن يحدث أي مكروه لكم إذا لم تأكلوا الفواكه مثلا».
لقد قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مارس (آذار) 2022: «يجب القضاء على الفقر المدقع في العام الحالي». وسبق للرئيس السابق حسن روحاني قطع الوعد ذاته في 2017. ولكن الإحصائيات تظهر أن نسبة التضخم السنوي أكبر لأفقر 10 في المائة من السكان مقارنة مع أغنى 10 في المائة، إذ بلغ معدل التضخم 40 في المائة للشرائح الخمس الدنيا (ذات الدخل المنخفض) فيما وصلت نسبة التضخم للشرائح الخمس العليا 38 في المائة.
وعاد حكام إيران إلى قبل 40 عاما أي فترة الحرب العراقية الإيرانية وتوزيع القسائم الشرائية في الثمانينات بسبب «ظروف الحرب» معلنين عزمهم تدشين قسائم شرائية «إلكترونية» لتمكين الشعب من تأمين السلع الأولية.
ويشهد المجتمع الإيراني انهيار الطبقة الوسطى التي وقعت في فخ الفقر من جهة وازدهار أقلية من الأثرياء الذين يجنون المليارات تمكنهم من الذهاب إلى الخارج للعلاج وركوب سيارات أجنبية تتوفر فيها عناصر الترفيه والأمان. وتنتشر صور أفراد طبقة فاحشة الثراء في مواقع التواصل الاجتماعي وهم يمارسون الرياضة والأنشطة الترفيهية في النوادي الرياضية والملاهي الليلة في خارج البلاد. فيما ينتمي غالبية المسؤولين وأبناؤهم إلى هذه الطبقة المخملية حيث يملكون فيللات وشققا سكنية في دول أخرى يدعون الشعب في تصريحاتهم الرسمية إلى المقاومة والصبر والصمود أمام الأعداء ودعم المنتجات المحلية وشراء سيارات محلية الصنع وهي بالمناسبة تفتقر إلى معايير الأمن والسلامة.
موجة احتجاجات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، أثارها الكشف عن زيارة قامت بها أسرة «متدينة» حيث تظهر الصور امرأتين تلتزمان بالحجاب الإسلامي الكامل (الشادور) ومعهما عدد كبير من الحقائب خلال محاولتهما إدخالها إلى مطار الإمام الخميني. وتبين بعد قليل أن المرأتين هما زوجة محمد باقر قاليباف زهراء مشير، وابنته مريم قاليباف، حيث كانت عائلة رئيس البرلمان الإيراني برفقة صهره أمير رضا بحرايي عائدة من رحلة جوية من إسطنبول بهدف شراء مستلزمات المولود الجديد.
اللافت في الأمر أن قاليباف أكد خلال المناظرات التلفزيونية بين المرشحين للانتخابات الرئاسية في 2017 معارضته الحادة لاستيراد مستلزمات حديثي الولادة وأزياء الأطفال.
البطالة
أفادت الإحصائيات الصادرة عن مركز الإحصاء في إيران حول نسبة البطالة في القوى العاملة في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، ومارس (آذار) 2022 بلغت 4.8 في المائة للرجال و9.14 في المائة للنساء. ويحمل 8.26 في المائة من العاطلين عن العمل شهادات جامعية عليا للرجال ولدى 8.71 في المائة من العاطلين عن العمل شهادات جامعية للنساء.
وقال أمير كالهور الصحافي المقيم في طهران في حوار مع «المجلة»: «يزعم المسؤولون الإيرانيون أن إيران أم قرى العالم الإسلامي والمركز الصاروخي العالمي ويريد المسؤولون الإيرانيون طاقة نووية للبلاد. كان قد وعد المسؤولون الشعب الإيراني إبان الثورة بتقديم خدمات مياه وكهرباء مجانا ولكن هذا الشعب المسكين وصل الآن إلى مرحلة يقف فيها عاجزا أمام تسيير شؤونه اليومية. بلغت الحاجة بهذا الشعب المسكين بأن يجرب أشكالا مختلفة من الحياة البائسة على غرار استئجار أسطح المنازل للمبيت فيها أو المبيت في السيارات والتي تلاقي رواجا كبيرا في البلاد. أدت الحاجة والفقر إلى لجوء الكثير من النساء إلى بيع شعرهن. وارتفع سعر الأرز بشكل جنوني وأصبح لدينا حصص تموينية للخبز وباتت المعكرونة سلعة غذائية غالية الثمن وغير موجودة في الأسواق. هذا ناهيك عن السكر والزيوت التي أصبحت منعدمة في الأسواق وهناك العديد والعديد من المشاكل المعيشية اليومية غير أن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية لا يشعرون بأية مسؤولية تجاه الوضع الذي وصل إليه الشعب وباتوا يروجون عبر أجهزتهم الإعلامية بأن المعكرونة تضر بالصحة. وترى بأن ممثلا في مسلسل تلفزيوني في قناة حكومية يستهزئ بموجة الغلاء ونقص المعكرونة في الأسواق لأن هذه الجماعة لا تشعر بوجع الشعب ولا تعاني من المشاكل التي يعاني منها الشعب. هؤلاء عديمو الرحمة وعديمو الضمير. يعيش هؤلاء على حساب محنة الشعب».
وتابع: «لا يتمكن الجزء الأكبر من الشعب من توفير كل حاجاتهم المعيشية اليومية ولكن الطبقة الحاكمة تستمر في بث برامج طبخ في قنواتها التلفزيونية وتروج إعلاميا بأن توقعات الشعب باتت عالية للغاية».
وتدهورت نوعية البرامج الغذائية لدى آلاف العائلات بسبب شطب وجباتها الغذائية المعتادة واستبدالها بوجبات أرخص تتمتع بفائدة غذائية متدنية.
أظهرت الإحصائيات بأن معدل نصيب الفرد من المواد الغذائية الضرورية على غرار اللحوم والدجاج والبيض ومنتجات الألبان والفواكه والخضراوات سنويا شهد انخفاضا كبيرا في إيران.
انتشار المناطق العشوائية
ازدادت هجرة سكان الأرياف والمدن الصغيرة إلى أطراف المدن الكبرى خلال الأعوام الماضية. حيث يلجأ المهاجرون من الأرياف إلى أطراف المدن الكبرى بسبب عجزهم عن دفع إيجار المنزل الذي ارتفع 3 أضعاف. لقد دفع ارتفاع الإيجارات شريحة كبيرة من المستأجرين في المدن الكبرى إلى النزوح لأطرافها. وأشار عدد من الإحصاءات الحكومية بأن سكان أطراف المدن باتوا يشكلون نحو ربع سكان البلاد.
وباتت العقارات السكنية الجاهزة وأسطح المنازل وخيام الرحلات والسيارات المهجورة والمعطلة تشكل الخيارات السكنية لجزء كبير من ذوي الدخل المحدود الذين يعجزون عن دفع إيجارات المنازل.
ويعد «السكن المشترك» ظاهرة جديدة بدأت في الانتشار في البلاد حسب وسائل إعلام محلية. ونشرت صحيفة «دنياي اقتصاد» الإيرانية تقريرا في 14 يونيو (حزيران) تناول «الارتفاع الجنوني لأسعار الإيجارات في طهران» مشيرا إلى أن «موجات النزوح الكبيرة من الأرياف إلى أطراف المدن الكبرى على غرار مدينة كرج أجبرت عددا لا يستهان به من المستأجرين إلى خيار السكن المشترك بسبب عدم قدرتهم على دفع قيمة الإيجار. والمقصود من السكن المشترك للإيجار هو تقاسم عائلتين شقة سكنية واحدة وهذه الظاهرة باتت تنتشر حتى في بعض الأحياء الغنية في العاصمة أيضا».
وأفادت وكالة أنباء «إيسنا» بأن متوسط سعر المتر المربع للشقة في طهران تجاوز 29 مليون تومان مطلع عام 1400 شمسي (أبريل 2021) ارتفع هذا الرقم إلى 35 مليون تومان خلال 11 شهرا.
ارتفاع نسبة الانتحار
ارتفعت معدلات الانتحار بشكل كبير ولافت في إيران بعد الجائحة، وذلك لأسباب على غرار الفقر والممارسات التمييزية والفوارق الطبقية والفوضى الاجتماعية والأسرية حسب وسائل إعلام محلية. لقد أقدم عشرات من تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية على الانتحار في فترة الإغلاق والتحول إلى الدراسة عن بعد بسبب عجز العائلات عن توفير أدوات التعلم مثل الهواتف الذكية والتابلت لأبنائهم. هذا ولم تقدم الأجهزة الحكومية المعنية بعد إحصاءات رسمية حول نسبة الانتحار خلال العامين الماضيين غير أن متابعة الأخبار والتقارير المحلية تشير إلى أن إيران شهدت موجة انتحار كبيرة لدى الفئة العمرية دون 18 عاما خلال فترة انتشار كورونا.
الإدمان على المخدرات
حدد البرنامج التنموي السادس والمقرر عام 2016، حدد عام 2021 لإنجاز جملة من الأهداف الوطنية، منها انخفاض تعاطي المخدرات بنسبة 25 في المائة غير أن هذا الهدف لم يتحقق فحسب بل إن معدل إدمان المخدرات تزايد في البلاد.
واعتبر عضو لجنة الشؤون الاجتماعية البرلمانية سلمان ذاكر في مايو (أيار) 2022 الانتشار الكبير للمخدرات في المجتمع بأنه مثير للقلق، قائلا: «لقد انخفض سن الإدمان وتعاطي المخدرات إلى فئة عمرية بين 10 إلى 12 عاما».
وسبق لنائبة الرئيس السابق حسن روحاني لشؤون المرأة أكرم مصوري أن حذرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بأن سن تعاطي المخدرات انخفض بشدة في البلاد، قائلة: «يشكل الإدمان المشكلة الاجتماعية الأهم لدى النساء الإيرانيات وتشير الإحصائيات إلى أن سن الإدمان وتعاطي المخدرات انخفض إلى ما دون 15 عاما لدى الفتيات».
لم يقدم المسؤولون إحصاءات حول نسبة الإدمان بين تلاميذ المدارس في البلاد غير أن الأخصائيين الاجتماعيين والخبراء يعتقدون أن نسبة انتشار المخدرات في المدارس كبيرة.
المشكلات الاجتماعية في المدارس
بدأ المسؤولون في النظام الإيراني يحملون الجائحة مسؤولية المشاكل الهيكلية على غرار غياب بنية تحتية تعليمية ذات كفاءة والفقر والعصبيات الطائفية ومشاكل عائلية والزواج المبكر والهجرة إلى المدن وانتشار مدن الصفيح وغيرها. هذا وإن ترك مقاعد الدراسة في إيران ليس بظاهرة جديدة أصلا وكانت موجودة منذ سنوات طويلة وليست من صنع الجائحة! بل إنها تفاقمت في فترة انتشار كورونا.
وقد افتتحت المدارس أبوابها في أبريل (نيسان) 2022 بعد أن أكد المسؤولون أن البلاد تجاوزت الموجة السادسة من الجائحة غير أن انخفاض نسبة التلاميذ في المدارس في كل مناطق البلاد خاصة في المحافظات الفقيرة بات يثير قلق الخبراء والمراقبين لأن العائلات عاجزة عن توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها. هذا وأدى انتشار الجائحة إلى تفاقم أزمة عمالة الأطفال ودفع بعدد أكبر من الأطفال ليس فقط في المدن الكبيرة بل في المدن الصغيرة أيضا إلى الشوارع للبحث عن لقمة العيش.
يقول نشطاء حقوق الطفل والأخصائيون الاجتماعيون في إيران إن تزايد نسبة عمالة الأطفال والأطفال الذين يتجولون في الشوارع بحثا عما يسد رمقهم ورمق عائلاتهم يدق ناقوس الخطر غير أن النظام الإيراني يستمر في سياسة عدم الاكتراث وعدم تبني سياسة مناسبة للحد من هذه الأزمة ولم يقدم إحصاءات رسمية عن نسبة عمالة الأطفال.
وقال رئيس اللجنة الاجتماعية البرلمانية مهدى عيسى زاده في 2021 حول هذا الأمر «يتولى 13 جهازا حكوميا إدارة ومتابعة ملف عمالة الأطفال غير أن هذه الأجهزة الـ13 لم تقدم إحصائيات شفافة حول نسبة هؤلاء الأطفال بعد مرور 42 عاما على تدشينها وهذا يدعو للخجل».
وحسب الإحصائيات التي قدمتها وزارة التعليم الإيراني حول الصحة النفسية والاجتماعية للتلاميذ فإن 30 في المائة من تلاميذ المدارس الإيرانية يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية.
وقد سبق وقال نائب منظمة الصحة النفسية الإيرانية محمد حاتمي في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 إن أكثر من مليون ونصف المليون تلميذ بحاجة فورية للعلاج النفسي وإن 10 في المائة منهم يعانون من ضغوط نفسية حادة.
العنف المجتمعي
تشهد البلاد انتشار العنف المجتمعي على غرار السرقة وجرائم النشل وسرقة أملاك عامة في الطرقات والشوارع وهي من تداعيات الفقر الذي يتفاقم في إيران. وقد قال قائد شرطة العاصمة إن مرتكبي هذا النوع من الجرائم لا يملكون سوابق جنائية بل إن الفقر دفعهم للجوء لمثل هذه الممارسات واعتقلوا أثناء تنفيذ «أول سرقة» بحياتهم!
وأضاف أمير كالهور في حواره مع «المجلة»: «فيما تعمل السعودية والإمارات بجهد كبير في قطاعات مختلفة على غرار التنمية والنقل الجوي والفضاء وغيرها وسجلتا العديد من الإنجازات فإن إيران التي كانت يوما درة المنطقة ها هي اليوم تغرق في بحر من الفساد والجريمة وباتت تتصدر قائمة أسوأ جوازات السفر والعملات الأضعف و.. في العالم. لقد باتت إيران تحتل صدارة قائمة الدول التي تعادي العالم وتواجه نقمة شعبية عارمة. وبات الشغل الشاغل للشعب أن يحصل على رغيف الخبز والزيت والسكر بالبطاقات التموينية والتفكير في الغد. بات المواطن الإيراني يفكر في نفسه كل ليلة يا ترى هل يرتفع سعر الدجاج والبيض مرة أخرى غدا؟ هل بمقدوري أن أؤمن لقمة عيش عائلتي غدا؟ يجتاح المواطن الإيراني القلق والاضطراب بشأن ما قد يحصل غدا».