في كتابه «الأسرار المكتومة: الاتفاق النووي، محاولة عظيمة من أجل حقوق إيران وأمنها وتنميتها»، لمح وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، أن المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، مارس خلال المفاوضات التي انتهت بإبرام الاتفاق النووي في العام 2015، دور «اللوبي» لصالح طهران.
وذكر وزير الخارجية الإيراني السابق أن «مجموعة الأزمات الدولية» بقيادة مالي ومساعده الأميركي من أصل إيراني علي واعظ نسخا المسودة التي قدمها هو ليمارسا دور «اللوبي» لدى الإدارة الأميركية في حقبة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بغية إيصال المفاوضات إلى نتيجة.
وروبرت مالي الذي لعب دور «اللوبي» لصالح النظام الإيراني في حقبة أوباما وفقا لظريف، عاد الرئيس الأميركي جو بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض وعينه مبعوثا خاصا لإيران، وهو ما أحبط الكثيرين في المنطقة لمعرفتهم السابقة بانحياز مالي لطهران رغم كل التهديدات التي تشكلها للمنطقة وأمنها وشعوبها أن كان الأمر يتعلق بامتلاكها السلاح النووي أو بغيره من الملفات.
ولذلك يستطيع المتابع أن يتنبأ بمواقف مالي المستمرة بانحيازه للنظام الإيراني، ولكن هناك شخصا آخر لا يقل انحيازا لطهران رغم محاولاته في كثير من الأحيان ادعاء العكس وهو الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون.
قبل أيام فشلت المفاوضات غير المباشرة حول الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران في الدوحة، وصرح مالي بأن الإيرانيين «أضافوا، مطالب أعتقد أن أي شخص ينظر إليها سيرى أن لا علاقة لها بالاتفاق النووي»، وأضاف أن «النقاش المطلوب حقيقة هو بين إيران ونفسها. فهي تحتاج للتوصل إلى قرار بشأن ما إذا كانت مستعدة الآن للعودة إلى الامتثال للاتفاق». واعتبر مسؤول أميركي آخر أن فرص إحياء الاتفاق مع إيران بعد الاجتماع الأخير باتت أصعب.
إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان له رأي آخر، فقد صرح بعد استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلي يائير لابيد خلال مؤتمر صحافي مشترك، بأن المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم سنة 2015 بين القوى العالمية وإيران، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، «يجب أن تنجح، مع أخذ المصالح الأمنية في المنطقة في الاعتبار وعلى رأسها أمن إسرائيل». وتابع ماكرون: «ننوي الوصول بأسرع وقت ممكن إلى احترام الاتفاق النووي، رغم أن ذلك لن يكون كافيًا من أجل احتواء أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة».
وإن كانت حاجة أوروبا إلى النفط الإيراني قد تزايدت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والبحث عن بدائل للطاقة لتعويض النقص الذي تسببت به العقوبات على موسكو وما نتج عنها من نقص في إمدادات الغاز إلى أوروبا، إلا أن اندفاعة الرئيس الفرنسي وبرغماتيته غير المحدودة بكل ما يتعلق بإيران ظهرت قبل الحرب الروسية.
فبعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران ضج العالم كيف لمسؤول عن إعدامات جماعية أن يصبح رئيسا، إلا أن ماكرون لم يلتفت لهذا الأمر إطلاقا بل على العكس هاتفه لمدة 90 دقيقة كما ذكر بيان الإليزيه حينها ليشدد، أي ماكرون، على ضرورة إحياء الاتفاق النووي.
ولكن إذا ما تذكرنا أن ماكرون نفسه صاحب مقولة «بشار الأسد هو عدو الشعب السوري وليس عدوا لفرنسا»، تصبح علاقته مع إيران واستماتته للتوصل إلى اتفاق معها رغم قوله إن الاتفاق «لن يكون كافيًا من أجل احتواء أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة»، أمرا غير مستغرب.
قد يبرر البعض سياسة ماكرون تجاه إيران بحاجة فرنسا والشركات الفرنسية بالعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران لتستأنف هي بدورها العقود التي سبق ووقعتها بمجال الطاقة قبل أن ترغمها العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على وقف العمل بها، ولكن الحاجة الاقتصادية لهذه الاستثمارات ليست تبريرا كافيا لسياسات ماكرون، وخصوصا إذا ما تذكرنا زياراته الاستعراضية إلى لبنان بعيد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2019، يومها لعب دور الثائر والغاضب على الطبقة السياسية، وبشعبوية منقطعة النظير بات يتصرف وكأنه هو «الأب الحنون» للشعوب المظلومة، ولكن ما لبثت أن تكشفت الحقيقة، فكانت شعبويته قناعا لإعادة تعويم ما يسمى الطبقة السياسية والتطبيع مجددا مع حزب الله الذي قال حين التقى رئيس كتلته النيابية محمد رعد إنه يفصل بين جناحي الحزب السياسي والعسكري، متجاهلا أن الحزب ومعه بشار الأسد هما المتهمان الأساسيان في الانفجار الذي ذرف الدموع على ضحاياه.
يبدو ماكرون وكأنه يحاول أن يكون النسخة الفرنسية من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وإن كان أوباما أكثر حنكة وتأثيرا، إلا أن التجربة أثبتت أن ماكرون لا يمكنه أن يكون أكثر من روبرت مالي الفرنسي، ومن يدري قد نقرأ بعد سنوات قليلة عن دوره كجزء من اللوبي الإيراني في العالم.