واشنطن: قبل أسبوعين، أكد كثير من المسؤولين والخبراء الأميركيين ما قد صار متوقعا، وهو أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستستمر لسنوات. وفي النهاية، ستسود روسيا.
وأكدت تقارير صحافية أن الرئيس جو بايدن قد استقر على «حرب شخصية» طويلة المدى ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ليس فقط استمرارا للدبلوماسية الشخصية (والمهينة) التي صار يقودها، ولكن، أيضا، أملا في أن بوتين قد لا يبقى في السلطة وقتا طويلا. يتماشى هذا مع ما أعلن مؤخرا بأن بايدن سيترشح مرة أخرى في انتخابات الرئاسة التي ستجرى بعد عامين (رغم أن عمره سيكون 82 عامًا، بالإضافة إلى صحته الهشة التي صارت واضحة).
هكذا، يريدها بايدن: معركة بقاء بينه وبين بوتين.
تعكس استعداد بايدن لمواجهة طويلة ضد بوتين قراراته الأخيرة بإرسال أسلحة متطورة إلى أوكرانيا. مثل صواريخ إلكترونية، ومدفعيات جبارة، وأسلحة متنقلة، وذلك لتدمير الأسلحة الروسية في أوكرانيا، أو داخل روسيا.
كما كان متوقعا، سعد لسماع تصميم بايدن هذا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أن أوكرانيا لن تتوقف عن الحرب حتى تحرر كل المناطق التي سيطرت عليها روسيا، بما في ذلك المناطق التي سيطرت عليها قبل الغزو.
وفي واشنطن، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن: «نحن نتمركز (لحرب طويلة)».
لكن، قال كثير من المعلقين الأميركيين إنه، رغم زيادة المساعدات العسكرية الأميركية، ورغم الروح المعنوية القوية للقوات الأوكرانية، تظل القوات الروسية الأكثر والأقوى. وأنه، عكس المحاولة الفاشلة لروسيا للاستيلاء على العاصمة كييف، تظل منطقة دونباس تحت القبضة العسكرية الروسية، وتظل القوات الروسية قادرة على التمدد داخل حدود أوكرانيا.
إلى متى ستستمر الحرب؟
يعتقد كثير من الخبراء الأميركيين أن الحرب ستتحول من مواجهة إلى ثبات كل قوات في مواقعها. مثلما حدث في شبه الجزيرة الكورية عام 1953، عندما تحولت الحرب إلى هدنة، دون نهاية رسمية، وعندما اتفقت كل من كوريا الشمالية والجنوبية على منطقة منزوعة السلاح بين قواتيهما.
وحتى اليوم، رغم التوترات من وقت لآخر، ورغم حشود عسكرية عملاقة على جانبي خط الهدنة، يمكن أن يكون الوضع مشابها لما يتوقع على الحدود بين أوكرانيا ومنطقة دونباس الأوكرانية التي يبدو أن روسيا لن تتخلى عنها.
وفيما يلي مقتطفات من آراء ثلاثة خبراء أميركيين عن حرب طويلة المدى، من تغريداتهم، ومواقعهم، وتصريحاتهم لوسائل الإعلام:
أولا: «ستنتصر الواقعية»، كما قال ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد.
ثانيا: «لم نشهد غير بداية حرب طويلة»، كما قال ماكس هاستينغز، معلق في وكالة «بلومبرغ» الأميركية.
ثالثًا: «أوكرانيا المعزولة» (لم تعد تصل إلى البحر الأسود)، كما قال إيفو دالدر، سفير أميركي سابق في حلف الناتو، ويرأس الآن مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.
ستيفن والت: «ستنتصر الواقعية»
لماذا يكره الناس الواقعية؟
نعم، لا تفسر هذه النظرية العملاقة كل شيء، لكن، توقع مؤيدوها الصراع على أوكرانيا قبل فترة طويلة من اندلاعه.
في القرن الماضي، كتب العالم السياسي روبرت جيلبين: «لا أحد يحب الواقعي السياسي»، إشارة إلى أن كثيرا من الناس، خاصة السياسيين، يفضلون نشر الأحلام الوردية، والأهداف المثالية. وظهر ذلك بصورة واضحة هذه الأيام مع تفاقم المأساة الأوكرانية، واتهام الواقعيين بأنهم لا يريدون الحرية للشعب الأوكراني...
شخصان محترمان شملهما هذا الاتهام:
الأول: زميلي الأكاديمي المرموق جون ميرشايمر. قالوا إنه «مع بوتين»، وإنه لا يحب الحرية للأوكرانيين. وزورا نظريته عن «أوفينسيف رياليزم» (الواقعية الهجومية: الدول القوية تريد، دائما، زيادة قوتها).
الثاني، وزير الخارجية السابق هنري كيسنغر، الذي اتهم بأنه «واقعي مفلس أخلاقيا»، وذلك لأنه دعا إلى اعتراف أوكرانيا بالقوة التاريخية لروسيا، وتقديم تنازلات لها، وتحاشي تفكيكها...
المفارقة هنا هي أن الواقعيين حذروا، مرارا وتكرارا، من أن توسع حلف الناتو شرقا (في الدول التي كانت جزءا من المعسكر الروسي) سيكون سبب مشاكل خطيرة. ويشهد التاريخ أن هذه التحذيرات تم تجاهلها بذكاء من قبل السياسيين الذين يرفعون شعار «الناتو المفتوح». ومن قبل العسكريين الذين ما أنهوا حربا إلا ويريدون حربا أخرى.
الآن وقد اندلعت الحرب، وفقدت الأرواح، ودمرت أوكرانيا، يبدو أن مؤيدي «الناتو المفتوح» يظلون يرفضون وقف أوهامهم المثالية...
ماكس هاستينغز: «مجرد بداية حرب طويلة»
«يا رب، أبعد الشر عنا».
هذا واحد من الأدعية اليومية عند المسيحيين. وبينما يمكن القول إن الخير يجري في دماء بعض الناس، لا يمكن تجاهل الشر الذي يجري في دماء آخرين.
أقول هذا لأمهد بالقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخص شرير:
أولا، هو مسؤول شخصياً عن عشرات الآلاف من القتلى في أوكرانيا، وهو يشن عدوانه غير المبرر. وتدفعه عظمته الوطنية والشخصية التي ليس لها أساس في القانون أو الأخلاق.
ثانيا، هو مسؤول عن سياسة متعمدة لتجويع العالم، وليس فقط أوكرانيا. خاصة في دول العالم الثالث التي تعتمد على القمح الأوكراني...
لكن، الناس، مثلي، الذين لا يتوقعون انتصار أوكرانيا، يشعرون بالسخرية وهم يتهمون بأنهم «واقعيون متطرفون».
لماذا؟ ألا يقولون الحقيقة؟ ألا يقولون إن روسيا أقوى كثيرا من أوكرانيا؟
في عام 1862، في خطاب مشهور، وسيئ السمعة، أمام برلمان بروسيا، قال أوتوفون بسمارك: «ليس بالخطب الحماسية توضع السياسات الاستراتيجية في عالم اليوم، ولكن باستعمال «بلود آند إيسن» (الدم، والحديد).
نود أن نعتقد أن مجتمعات القرن الحادي والعشرين المتحضرة قد تقدمت إلى أبعد من هذه العقيدة الوحشية. لكن، ها هو بوتين يثبت، مرة أخرى، أن بسمارك كان واقعيا...
إيفون دالر: «أوكرانيا مقفلة»
يترك هذا المأزق في ساحة المعركة الولايات المتحدة أمام خيار قاسٍ:
في جانب، تستمر في مساعدة أوكرانيا، مع العواقب العالمية المدمرة.
في الجانب الآخر، توقف الدعم، وتسمح لروسيا بتوسيع نفوذها...
لكن، إذا أوقفت الولايات المتحدة الدعم، فسترمى أوكرانيا طعاما للذئاب. ولا أعتقد أنها ستفعل ذلك...
نعم، فشلت روسيا في احتلال أكبر مدينتين في أوكرانيا: كييف، وخاركيف. وفي منطقة الدونباس، يظل تقدمها بطيئا، ومكلفا.
لكن، هذه الإخفاقات لا ينبغي أن تحجب حقيقة أن القوات الروسية حققت مكاسب استراتيجية هامة، منها قطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود.
بينما فشلت روسيا في شمال أوكرانيا، احتلت، في سرعة فائقة، مساحات كبيرة في جنوب أوكرانيا. خاصة على طول الساحل المواجهة لبحر آزوف. وأسست جسرا بريا طويلا، طالما حلمت به، لأنه ربط روسيا الأم بشبه جزيرة القرم...
يظل الهدف النهائي لروسيا هو توسيع سيطرتها على طول الساحل الشمالي للبحر الأسود كله. وتحويل أوكرانيا إلى دولة مغلقة.
نعم، أوكرانيا مصممة على منع حدوث ذلك. لكن، حتى إذا فشلت روسيا في إغلاق أوكرانيا بحريا، فلن تتمكن أوكرانيا من كسر قدرة روسيا على السيطرة على البحر الأسود الشمالي، وبالتالي، على خطوط تجارة أوكرانيا البحرية...