القاهرة: شهد المجتمع المصري خلال الأيام القليلة الماضية عددا من الحوادث المؤلمة بين انتحار وقتل تم بعضها بطرق مفزعة سببت ألما لمشاعر الملايين، ممن ساءتهم هذه المشاهد خاصة مع سرعة انتشارها عن طريق السوشيال ميديا ووسائل التواصل المختلفة والمواقع الإخبارية على الإنترنت.
وطرحت هذه الحوادث التي مثلت تفاعلا مستمرا لدى الرأي العام في مصر تساؤلات كثيرة حول العنف ودوافعه وانتشاره، وأثارت جدلا كبيرا بين قطاعات واسعة، هل أصبح بالفعل ظاهرة مجتمعية خلال الفترة الأخيرة خاصة مع الانفجار التكنولوجي الذي لا يخلو من التجاوزات الأخلاقية التي ارتبطت بتنامي ظاهرة العنف في الأفلام والمسلسلات، خاصة مع ظهور حالات تقليد لوقائع قتل وعنف مشابهة على أرض الواقع، وزيادة تعاطي المخدرات، خاصة مع ظهور أنواع جديدة مخلقة كيميائيا تتسبب في تدمير خلايا المخ واستخدام العنف بدون وعي أو إدراك والخلافات الأسرية التي استشرت في المجتمعات العربية والتي أدت لحالات طلاق وانفصال، والعلاقات المتوترة داخل الأسر وغياب الحوار بين أفرادها، ومشاكل ضغوط الدراسة وأزماتها المعروفة والمستمرة في مصر والتي دفعت بعض الطلبة للتخلص من حياتهم.
وهل ساهمت الأزمات الاقتصادية الأخيرة والتي يعاني منها العالم كله في زيادة وتيرة العنف بعد أن أثرت هذه الأزمات على الحالة المعيشية لقطاعات كبيرة من الشعب في ظل التضخم وزيادة أسعار السلع الأساسية، وهل تمثل هذه الحوادث ظاهرة بالفعل في مجتمع يزيد عدد سكانه- بحسب إحصاءات حكومية- عن 105 ملايين نسمة، خاصة مع وجود حالات العنف في كل المجتمعات بشكل كبير وعدم إلقاء الضوء عليه بشكل مكثف وتداوله مثلما يتم في وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت مثلما يتم ذلك في مصر.
وتزامنت هذه الحوادث في مصر مع عدد من مثيلاتها في المجتمعات العربية، والتي كان بعضها جرائم قتل موجهة ضد النساء مما طرح المزيد من علامات الاستفهام حول ظهور حوادث مشابهة في كل من الأردن والعراق وفلسطين مؤخرا.
حادث مروع
وشهد المجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة حادثا أليما تمثل في قتل أحد الطلبة الجامعيين لزميلته (نيرة أشرف) بشكل مروع قبل دخولها مقر الجامعة بمدينة المنصورة، مما أدى لوفاتها على الفور بعد أن قام بطعنها بسكين حادة أعدها لهذه الغرض، وقام بعد ذلك بذبحها من الرقبة بسبب رفضها الزواج منه بعد مطاردتها خلال الفترة الماضية لهذا الغرض، وتهديدها وأسرتها أكثر من مرة.
وتداولت المواقع والسوشيال ميديا على مدار أيام فيديو الحادث الأليم الذي قام البعض بتصويره، مما مثل صدمة كبيرة للمجتمع المصري الذي تندر على وقوع مثل هذه الحوادث المفزعة والغريبة على الناس، وشهدت أروقة المحاكم المصرية في هذه القضية واحدة من أسرع الإحالات في تاريخ النيابة العامة المصرية حيث تمت خلال 48 ساعة فقط من وقوع الجريمة، وقضت محكمة جنايات المنصورة بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه بتهمة القتل العمد، وحددت جلسة الأربعاء الموافق 6 يوليو (تموز) المقبل للنطق بالحكم.
وتابع الملايين في مصر مؤخرا حادثا آخر لا يقل بشاعة عن مثيله الأول بعد تلقي النيابة العامة المصرية من عضو سابق بأحد الجهات القضائية بتغيب زوجته الإعلامية بإحدى القنوات الفضائية بعد اختفائها من أمام مجمع تجاري في مدينة 6 أكتوبر، ولم يتهم أحدا بالتسبب في اختفائها، وشككت النيابة في رواية الزوج، وظهرت بعض الشواهد من بينها شهادة أحد الأشخاص الذي يرتبط بصلة مع الزوج والذي قام بالإدلاء بأقواله التي اتضح منها تورط الزوج في عملية القتل البشعة إثر خلافات مع زوجته، ومشاركته في الجريمة مع الزوج، وضبطت النيابة العامة عددا من الأدلة قادت لمكان دفن جثة الزوجة في أحد المزارع في منطقة البدرشين التابعة لمحافظة الجيزة، وقامت بحبس الشخص الذي قام بالإبلاغ عن الزوج لحين استكمال التحقيق، وتداولت أخبار إعلامية تشوه أعضاء من جسد الضحية بماء النار قبل دفنها في المزرعة وهو ما نفته إحدى صديقاتها المقربات لها لاحقا .
وشهد برج القاهرة الواقع على النيل في منطقة الجزيرة حادث انتحار أحد الأشخاص بعد قفزه من أعلى البرج مما أدى لسقوطه قتيلا من ارتفاع حوالي 187 مترا، وقامت النيابة العامة بفحص جثمان المتوفي وتفريغ كاميرات المراقبة في المنطقة والاستماع لأقوال عدد من العاملين، وكذلك شهود من أصدقاء المتوفى وذويه لمعرفة ملابسات الحادث والتي قادت لمعلومات عن مروره بضائقة مالية بسبب الأعباء المعيشية ووقوع خلافات مع شقيقيه القائمين على مساعدته ماديا، مما أدى لانتحاره بعد أن بعث برسالة لأحد الأشخاص على علاقة به يخبره فيها بأنه في آخر لحظات حياته قبل أن يقوم بالقفز من أعلى البرج ويسقط قتيلا.
وشهدت إحدى القرى بمحافظة الغربية التي تقع في قلب الدلتا شمال القاهرة انتحار طالبة بالمرحلة الثانوية الأزهرية ووفاتها بعد تناولها حبوبا سامة وذلك بسبب صعوبة الامتحانات مما دعاها للتخلص من حياتها، وقامت النيابة المصرية بالتصريح بدفن الجثمان بعد تقرير الطبيب الشرعي بعدم وجود شبهة جنائية في الحادث، وأبلغت المستشفى الشرطة المصرية بحضور الطالبة في حالة إعياء شديد وقيء وإسهال ووفاتها لحظة دخولها إلى المستشفى.
وقود الأمة صار حطبها
ولخصت كلمة المستشار بهاء الدين المري رئيس المحكمة التي تداولت قضية فتاة المنصورة التي نحرها زميلها جانبا كبيرا من حالة المجتمع خلال الفترة الأخيرة مما كان سببا في انتشارها وتداولها على الإنترنت بشكل موسع، وقام من خلال هذه الكلمة التي قدمها للمجتمع بشكل وجده واجبا في هذا المقام قبل النطق بما انتهت إليه المداولة وذلك وفق ما ذكره قائلا: «دنيا مقبلة بزخارفها، وإنسان متكالب على مفاتنها المادية التي سيطرت، فاستلبت العقول وصار الإنسان آلة يقين غاب وباطل بالزيف يحيا وتفاهات بالجهر تتواتر، وبيت غاب لسبب أو لآخر، والمؤنسات الغاليات صرن في نظر الموتورين سلعة، والقوارير فواخير، ونفس تدثرت برداء حب زائف مكذوب تأثرت بثقافة عصر اختلطت فيه المفاهيم، الرغبة صارت حبا، والقتل لأجله انتصارا، والانتقام شجاعة، والجرأة على قيم المجتمع وفحش القول والعلاقات المحرمة تسمى حرية مكفولة، ومن هذا الرحم ولد جنين مشوه».
وتابع في كلمته: «وقود الأمة صار حطبها، بات النشء ضحية قدوة مشوهة، وثقافات مسموعة ومرئية ومقروءة، هذا هو حالها ومن فرط شيوعه واعتباره من قبل كثيرين كشفا لواقع زين لهم فرأوه حسنا فكان جرم اليوم له نتاجا، أفتذهب نفسنا عليهم حسرات؟ إن هذا الخلل إن لم نأخذ على أيدي الموتورين ومروجيه استفحل ضرره وعز اتقاء شره واتسع الرتق على الراتق».
وأضاف: «لكل ما تقدم تطلق المحكمة صيحة: يا كل فئات المجتمع لا بد من وقفة، يا كل من يقدر على فعل شيء هلمو، اعقدوا محكمة صلح كبرى بين قوى الإنسان المتباينة لننمي فيه أجمل ما فيه، أعيدوا النشء الملتوي إلى حظيرة الإنسانية، علموهم أن الحب قرين السلام، قرين السكينة والأمان، لا يجتمع أبدا بالقتل وسفك الدماء، إن الحب ريح من الجنة، وليس وهجا من الجحيم، لا تشوهوا القدوة في معناها فتنحل الأخلاق، عظموها تنهض الأمة، هكذا يكون التناول بالتربية، بالموعظة الحسنة، بالثقافة، بالفنون، بمنهج تكون الوسطية وسيلته، والتسامح صفته، والشد غايته».
وتوجه القاضي إلى أولياء الأمور في رسالته قائلا: «إلى الآباء والأمهات نقول: لا تضيعوا من تعولون، صاحبوهم، ناقشوهم، غوصوا في تفكيرهم، لا تتركوهم لأوهامهم، اغرسوا فيهم القيم».
وقال للمتهم: «جئت بفعل خسيس هز أرضا طيبة أسرت لويس، أهرقت دماء طاهرة بطعنات غدر جريئة، ذبحت الإنسانية كلها، يوم أن ذبحت ضحية بريئة، إن مثلك كمثل سام في أرض طيبة، كلما عاجله القطع قبل أن يمتد، كان خيرا للناس وللأرض التي نبت فيها».
طلب إحاطة
وتفاعل البرلمان المصري مؤخرا مع حالات العنف المجتمعي الأخيرة، وتقدمت النائبة ولاء التمامي عضو مجلس النواب بطلب إحاطة للمستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب موجه لرئيس الوزراء وكذلك إلى الوزراء المعنيين بشأن زيادة حالات العنف المجتمعي مؤخرا، وقالت في طلبها إنّ جرائم غريبة ظهرت في المجتمع المصري تنال من الكبير والصغير، وأصبحت تسبب قلقا للأسرة المصرية تتمثل- في ما سمته- ظاهرة العنف المجتمعي التي ازدادت في السنوات الأخيرة وأصبحت تهدد السلم الاجتماعي، وأصبح الحديث عن حوادث بشعة تهز المجتمع بشكل يومي.
وطالبت النائبة بالاعتراف بوجود مشكلة كبيرة تواجه المجتمع، ويجب البحث عن أسبابها، ووضع حلول لها حتى لا تتسبب في تدميره مشيرة لوجود عوامل كثيرة أدت لتنامي تلك الظاهرة منها ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي وضعف الوازع الديني.
وقالت إن الدراما باتت تلعب بشكل كبير في عقول الشباب، وأصبح التقليد للمشاهد السيئة ظاهرة، الأمر الذي يستدعي- بحسب النائبة- دراية تلك الظاهرة ووضع خارطة طريق لحلها حيث تعد النتائج التي تعكسها حالة العنف المجتمعي في حال تطورها وانتشارها خطيرة وكارثية على المجتمع والدولة، وتنعكس سلبا على جميع مقومات أي دولة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية بكل أنواعها الصحية والتعليمية وغيرها بالإضافة إلى التمرد على القانون والنتائج الخطيرة ليس أقلها تراجع هيبة الدولة والتفسخ الاجتماعي خاصة بعد انتشار الجريمة داخل الأسرة الواحدة الأمر الذي رأته النائبة يستلزم سرعة دراسة الظاهرة واجتماع كل الجهات المختصة لوضع حلول لها .
دعم نفسي
وتعمل الدولة المصرية على تقديم الدعم للمرضى النفسيين من خلال الأمانة العامة للصحة النفسية، وتقوم باستقبال الاتصالات عبر خطوط هاتفية ساخنة لمساعدة من لديه مشاكل نفسية أو رغبة في الانتحار، وتلقي الاستفسارات النفسية والدعم النفسي، وخصص المجلس القومي للصحة النفسية أيضا خطا ساخنا لتلقي الاستفسارت النفسية والمساعدة في هذا الشأن، وأكدت دار الإفتاء المصرية أن الانتحار كبيرة من الكبائر، وجريمة في حق النفس والشرع، لكنها في ذات الوقت أكدت أن المنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين.
ليست ظاهرة
الدكتور عبد الحميد زيد أستاذ علم الإجتماع السياسي قال في حديثه الخاص لـ«المجلة»: «لا نستطيع تصنيف حوادث القتل، وأشهرها مؤخرا حادثة الطالبة الجامعية نيرة، على أساس أنها ظاهرة مجتمعية في مصر، على العكس تماما، فمن حيث العدد والانتشار والعمومية، ووفقا لمقاييس ما يسمى «الظاهرة» فهي «ليست ظاهرة»، فعدد سكان مصر تقريبا حوالي 110 ملايين نسمة، فإذا كان لدينا حالة عنف أو «قتل انتقامي» شهريا فعلى مدار العام سنجد الأمر مجرد عدد محدود لا يمثل ظاهرة بأي حال من الأحوال في ظل عدد السكان الكثيف، وفي ظل المتغيرات المتعددة، إذن فالموضوع ليس ظاهرة على الإطلاق».
وتابع: «الجريمة موجودة في كل الحقب التاريخية لكن يمكن أن نتحدث عن تغير نوعية الجريمة بتغير المجرم أو المنحرف لمستجداتها، فثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا الاتصال قامت بتعريف المجرمين والمنحرفين لأساليب جديدة في الانتقام، وقامت الدراما بالترويج لنماذج سلوكية في الانتقام مختلفة عن الماضي».
وأضاف: «نلاحظ أنه وعلى سبيل المثال بعد مسلسل الممثل محمد رمضان الذي انتقم فيه من خلال (تجريس) و(تلبيس) أحد الخصوم (قميص نوم) بهدف الحط من شأنه، تم تقليد هذه النوعية في الانتقام في محافظة الفيوم مرتين متتاليتين على مدار أسبوعين تقريبا، إذن القضية هي تغير في نوعية وشكل الجريمة، ففي الماضي كان يحدث هذا العنف وأقسى منه، وعلى العكس فلا زال في الصعيد موجود قضية القتل أخذا بالثأر، وهذا النوع الدموي من الانتقام لا يزال موجودا، وكان موجودا من سنوات طويلة، ورأينا قتل الآخرين بالفؤوس والكواريك في الحقول نزاعا على المياه أثناء الري، أو على أشياء خاصة بالزراعة والمواشي، وأشياء بسيطة من هذا القبيل».
تراجع الجريمة
وأضاف الدكتورعبد الحميد زيد في حديثه لـ«المجلة»: «كل ذلك جزء في شخصية (الشرق أوسطي) بشكل عام وبالتالي نستطيع تأكيد وجود الجريمة لكن التغيير تم بدخول نماذج سلوكية جديدة، ودراما مختلفة وتكنولوجيا ووسائل اتصال حديثة، وكلها عوامل ساعدت على تغير النمط في الجريمة مع ثباتها، ولا يوجد ما يدلل أو يؤكد من خلال مؤشرات واضحة على زيادة الجريمة، على العكس أرى أن معدل جريمة القتل تراجع مقارنة بالعقود والحقب التاريخية السابقة في هذا الشأن».
وعن مدى تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي والإنترنت والانتشار السريع للأخبار على تضخيم الحوادث قال: «لطالما كان هناك عدد كبير من الجرائم فكان هناك مثلا في القرى حالات قتل بين المزارعين وأحيانا كان لا يتم إخطار أجهزة الأمن بهذه الحوادث وذلك في الماضي، لكن حاليا أساليب التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات أظهرت كل الحقائق والواقع أصبح متاحا ومعلوما للجميع».
وحول رؤيته للحل، قال الدكتور عبد الحميد زيد: «هناك حل للمدى القريب وآخر للبعيد، لذا يجب أن تحظى قضايا القتل والعنف بإجراءات تقاضٍ وردع سريعة، حتى تكون العدالة ناجزة وسريعة، ويكون العقاب معلنا للجميع حتى يعلم كل إنسان منحرف أو خارج عن الضوابط أن الجزاء سريع ورادع، فالجزاء الحاسم والسريع والعادل هو الحل الأمثل والواقعي، وبالنسبة للحل على المدى البعيد فيتمثل في إعادة الانضباط للأسرة المصرية والتوعية والتنشئة، ويكون هناك تحليل للجرائم في المساجد والكنائس، ويجب أن يكون لدينا إعلام منضبط حقيقي يأخذ هذه القضايا في الاعتبار، ويقوم باستضافة شخصيات محترمة للحديث بشكل منضبط وواقعي ورصين، ويتم إجراء دراسات مستفيضة من الدولة لتحليل الدوافع والأسباب المؤدية للجرائم، وطرق العلاج، وتصبح هناك استراتيجية عامة، ويكون معلوما تماما دور كل مؤسسة من مؤسسات الدولة فيها».
فيروسات فكرية
الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع قالت في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «عادة وعند ظهور أحداث من هذا النوع مثل القتل أو العنف المجتمعي، نقوم بتشخيصه وفقا ما يسمى (الباثولوجيا الاجتماعية) وهي ما نسميها أمراض المجتمع، ولا شك أننا بدأنا من مدة طويلة نسترد ما أسميه (الهارد وير الاجتماعي) منذ 30 يونيو (حزيران)، لكن لا زال (السوفت وير) مليئا بالفيروسات الفكرية».
وقامت الدكتورة هدى زكريا بالتنويه لحدوث عدد من الحوادث المشابهة التي تقترن بالعنف في عدد من الدول العربية، وعلى سبيل المثال حادث الأردن، قائلة: «فكرة ظاهرة العنف التي أصبح الناس يلجأون إليها تعني أن بعض المجتمعات تعاني التطرف في التعامل، فالشحصية المصرية من الشخصيات المتسامحة بطبعها، وتقوم بالتعامل برقة بالغة وهذا شيء واضح ومعروف، وعلينا التساؤل عما حدث؟».
وأضافت: «علينا أن نلفت الانتباه إلى العديد من النقاط المتعلقة بهذا السلوك، ومن خلال ذلك يمكن أن نقرر الدور الذي يلزم القيام به من المجتمع بما يشمل الأسرة والجامعة والمدرسة التي لم تعد تقوم بدورها في التعليم، وشعار (قف للمعلم وفه التبجيلا) انتهى تقريبا، وأصبح المعلم شاغله الدروس الخصوصية، ولا يهتم بالتربية، وأصبحت المدرسة تعليما فقط، بعد أن كانت تربية وتعليما، وحتى التعليم في المدرسة- والحديث لا يزال للدكتورة هدى زكريا- أصبح عبارة عن كيفية تجاوز المشكلات الخاصة بالامتحانات، والمرور بنجاح من الاختبارات، وهناك عصر يسميه الكاتب الكندي آلان دونو (صناعة التفاهة) في العالم، فالعمق القديم والأغاني الرقيقة، والفن الرفيع تم التخلص منها في مقابل العكس من كل ذلك، ولم نعد متفقين على الصواب والخطأ والحرام والحلال، فلا نلاحظ وجود اتفاق مجتمعي على الأشياء الأساسية ونعيش حالة من التفكيك الفكري والثقافي، وهناك كم هائل من التدخل في التكوين الثقافي وإلى أن نجد حلا لا نستطيع التأكيد على أن الحل سيكون غدا أو بعد غد لكن علينا دراسة المسألة بعمق وإقامة مؤتمرات وجلسات مطولة حتى نضع ما أسميه (التشخيص الطبي) لمشكلاتنا المجتمعية، وبعد ذلك نقوم بالدخول إلى غرفة العمليات حتى نستطيع استئصال الأورام السرطانية التي ظهرت في المجتمعات العربية».