كل المجتمعين في فيينا أو حتى الدوحة- من أوروبيين أو أميركيين أو حتى إيرانيين- يريدون إنجاز وتوقيع الاتفاق النووي بما أنه بحاجة للجميع.
فالنظام الإيراني بحاجة إليه من أجل رفع العقوبات التي تعرقل الدورة الاقتصادية في البلاد ومن أجل تدفق الاستثمارات من قبل الشركات العالمية التي تتهيأ للدخول إلى هذه السوق المهّمة، كما ينتظر النظام الإيراني استرداد الأموال المحجوزة في المصارف العالمية تنفيذا لعقوبات الخزانة الأميركية والتي من شأنها في حال تحررها تنفيس الاحتقان الداخلي بعض الشيء الذي انفجر غضبا في الشارع اعتراضا على الأوضاع المعيشية السيئة التي تعرفها إيران.
أما الأوروبيون فهم اليوم بحاجة إلى البترول الإيراني والفنزويلي أيضا، وهذا ما عبر عنه الفرنسيون صراحة، فهي، مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما زالت تفتش عن بدائل للطاقة الروسية التي توقفت جزئيا منذ الحرب على أوكرانيا لدرجة أنها مستعدة أن تعيد تشغيل منشأة للطاقة تعمل على الفحم الحجري واضعة جانبا للحظة القضية البيئية وإنقاد العالم من التلوث.
كما تستعد كبرى الشركات الأوروبية لمعاودة نشاطاتها الصناعية في إيران والتي توقفت مع سياسة العقوبات القصوى التي فرضها الرئيس السابق ترامب على من يتعامل مع هذا النظام، مثل «توتال بيجو»، و«رينو»، وكلها لديها مصالح كبيرة مع إيران على سبيل المثال لا الحصر، وهي تريد استعادة هذه السوق أملا في التعويض عما خسرته بفعل انسحابها من السوق الروسية.
أما الأميركيون، فالمقاربة للملف الإيراني لها شقان. الأول فكري أكاد أقول عقائدي أرساه أوباما ويتابعه اليوم مع بايدن وفريق عمله لا سيما روبرت مالي، ويقوم على قاعدة النظر إلى إيران (وكل خصوم الولايات المتحدة) على أنهم ضحايا السياسات والحروب الأميركية السابقة، وبالتالي من أجل تصحيح هذا الخلل يجب التوصل إلى اتفاق ينصفها ويعيد- بحسب الرئيس أوباما طبعا- إلى المنطقة نوعا من التوازن بين إيران وخصومها حلفاء الولايات المتحدة. بشكل أبسط يعتقد أوباما أن تصرف إيران العدائي نابع من عدائية السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية تجاهها، ويضعها في خانة «المظلومية» وأن إقناعها بالتراجع عن هذه المقاربة لن يتم إلا إذا شعرت بأن التغيير من قبل الأميركيين جدي ولهذا يصر النظام الإيراني على شمول رفع عقوبات الحرس الثوري الإيراني.
هذا الجزء الفكري من إصرار إدارة بايدن على التوقيع على الاتفاق مع إيران ونزع العقوبات عنها. يضاف إليه الجزء العملي المتعلق بالمصالح الأميركية، كالسماح بضخ البترول الإيراني في الأسواق من دون عراقيل ما قد يخفف من زيادة أسعاره العالمية التي ارتفعت جراء الأزمة الأوكرانية ويخفف من تضخم الأسعار الذي يشهده العالم اليوم.
حلفاء أميركا تجرعوا الكأس المرّة قبلا عندما وقع الرئيس أوباما الاتفاق النووي قبل أن يعود وينسحب منه الرئيس ترامب الذي اقتنع بأن الاتفاق أولا لن يؤمن عدم حصول النظام الإيراني على القنبلة النووية، وثانيا لا يمنع نشاطات النظام الإيراني المعادية لحلفاء أميركا التقليديين أي نزع العقوبات عن إيران من دون مقابل أو ضمانات. اليوم أيضا الاتفاق الذي بات منجزا لن يمنع إيران من الاستحواذ على القنبلة النووية ولن يمنعها من القيام بنشاطات معادية في المنطقة. هناك محللون يقولون إن أميركا ستردع الإسرائيليين من القيام بأي عمل عدواني ضد إيران من أجل تدمير برنامجها النووي والبعض يتخوف من أن تذهب تلك الإدارة فيما تبقى من عمرها إلى مساعدة إيران في الاستحواذ على القنبلة النووية من أجل حماية الاتفاق إن انتخب رئيس لا يوافق عليه، وحماية إيران من أي هجوم قد تقرر إسرائيل القيام به.