بيروت: حين تسلم القاضي بسام مولوي حقيبة وزارة الداخلية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شكلت يوم العاشر من شهر سبتمبر (أيلول) 2021، كان عليه أن يخوض معارك متعددة ومتشعبة لنجاح عمله في هذه الوزارة الحساسة.
وأبرز تلك المعارك كان ضبط الوضع الأمني المتفلت بعدما أظهرت تقارير وإحصاءات القوى الأمنية ارتفاع معدلات الجرائم في مختلف المناطق اللبنانية، وخاصة جرائم القتل والسرقة، التي ارتفعت بشكل غير مسبوق مع تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وارتفاع نسبة البطالة ومعدلات الفقر وحالة اليأس والإحباط التي عمت الشارع بسبب فقدان وقود السيارات والأدوية وحليب الأطفال والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.
كما كان عليه الحد من ارتفاع نسبة جرائم السلب التي سجلت زيادة نحو 147 في المائة. وسرقة السيارات بزيادة نحو 113 في المائة. والسرقات بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات.
كان الوزير مولوي وهو من القضاة المخضرمين يعلم أن الأمن والقضاء هما العنصران الأساسيان لنجاح الانتخابات النيابية التي التزمت الحكومة في بيانها الوزاري بإجرائها في موعدها أي قبل انتهاء ولاية مجلس النواب في 21 مايو (أيار)، وكان عليه إزالة كل العوائق الإدارية واللوجستية لنجاح هذه الانتخابات، كما كان عليه ملاحقة عصابات تهريب المخدرات إلى دول الخليج العربي التي أدت إلى توتير العلاقات بين لبنان وهذه الدول، ومنع الجمعيات والتنظيمات السياسية العربية من استعمال لبنان كمنصة لمهاجمة الدول العربية.
وفي الوقت نفسه كان على الوزير الجديد مواجهة المشككين وبعض وسائل الإعلام المعروفة التي كانت تختلق القصص وتبث الشائعات والتحليلات الهادفة إلى تأجيل الانتخابات من بوابة الأحداث الأمنية، وبعضها الآخر من بوابة تعذر تأمين الأمور اللوجستية لا سيما الكهرباء.
لكن وزارة الداخلية اعتبرت أن «هذا مجرّد ضجيج ولا يؤثر فعلياً على إجراء الانتخابات». كذلك أشارت إلى أن «موضوع الكهرباء حلّه سهل، فكل منطقة يوجد فيها موزّع عبر «الموتورات»، كذلك الأموال موجودة وكلفة الانتخابات أقلّ بكثير من كلفتها عام 2018، وهناك دول مستعدة لدفع الأموال لتأمين الكهرباء وجميع اللوازم لتسيير الانتخابات».
جهوزية الأمن رغم الصعوبات
كما أن القوى الأمنية أكدت جهوزيتها الكاملة وهي اعتبرت أن كل التوترات الأمنية المتوزعة في أكثر من منطقة لا ترتبط بحالة سياسية معينة، بل أن سببها إما مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو حتى جرمية. ولم يُرصَد ما يدلّ على تحضيرات أو مؤشرات أمنية لإطاحة الاستحقاق.
لقد حاول البعض الإشارة إلى إمكانية تأجيل الانتخابات لأسباب لها علاقة باللوازم الانتخابية من حبر وورق وانقطاع كهرباء وارتفاع كلفة المولدات الخاصة وغيرها، إلا أن كل تلك الأسباب لا تستدعي التأجيل برأي مولوي.
وبالفعل نجحت المرحلة الأولى للانتخابات في دول الاغتراب ومن ثم المرحلة الثانية المخصصة لموظفي القطاع العام وهذا ما مهد الطريق لإنجاز المرحلة الثالثة التي جرت في كل المناطق اللبنانية بنجاح كبير.
وقد هنأت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة يوانّا فرونِتسكا لبنان على إجراء الانتخابات النيابية الأمر الذي مكّن اللبنانيين من ممارسة حقهم الديمقراطي في اختيار ممثليهم وإسماع أصواتهم.
وهذه التهنئة اعتبرت بمثابة وسام على صدر الوزير والوزارة لإنجازها الانتخابات النيابية التي قلبت كل المعادلات السابقة إذ خسر فريق 8 آذار الأكثرية المطلقة في المجلس لكن المعارضة لم تضمن الأكثرية التي تؤهلها لفرض التغيير، أن على صعيد رئاسة المجلس أو نائبه أو هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية.
اليوم وبعد هذه التطورات التي حصلت أن على الصعيد الأمني أو على الصعيد النيابي والتي أدت إلى تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال بانتظار تشكيل حكومة جديدة بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيلها، كيف ينظر الوزير بسام مولوي إلى الوضع الأمني والسياسي؟ وهل ينجح الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في ظل الوضع الضبابي الذي يخيم على المجلس النيابي الجديد؟
«المجلة» التقت الوزير مولوي وخرجت بالحوار التالي:
* ما تقييمكم للوضع الأمني؟ وما الأسباب التي أدت إلى تفشي عمليات السرقة والاعتداء على أصحاب الصيدليات والمستشفيات؟
- الوضع الأمني عموما جيد والحديث عن تكاثر الجرائم في غير محله، فعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المالي الصعب الذي يمر به البلد إلا أن الوضع الأمني لا يزال ممسوكاً والقوى الأمنية تقوم بعملها رغم الظروف الصعبة وضعف الإمكانات المادية، والقوى الأمنية تقوم بعملها من منطلق وطني بمعزل عن الوضع المالي وهي تعمل خدمة للوطن والمجتمع، لذلك استمرت في عملها وخدمتها طيلة الفترة السابقة وستستمر في ذلك في المرحلة اللاحقة انطلاقا من هذا الاعتبار المقدس.
* ما الصعوبات التي تواجه القوى الأمنية؟
- بالنسبة للصعوبات التي تواجهها أو تعانيها القوى الأمنية، فإن وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تقومان بواجباتهما لمساعدة عناصر القوى الأمنية لا سيما ما يتعلق بالطبابة والاستشفاء وتقوم بجهد مضاعف لتأمين الاحتياجات سواء من موازنة الطبابة أو من صندوق الاحتياط. وتمكنا في آخر جلسة لمجلس الوزراء من الحصول على 20 مليار ليرة شهريا مخصصة لطبابة قوى الأمن الداخلي، ولا نزال نقوم بكل جهد لتأمين احتياجات العناصر واستمرارية المؤسسة.
ونقوم مع قيادة قوى الأمن الداخلي بكل الترتيبات اللازمة استعدادا لموسم الصيف الذي نأمل أن يكون واعدا كما لاستقبال اللبنانيين المقيمين في الخارج والعرب والأجانب الذين يرغبون في زيارة لبنان ومواكبتهم والاهتمام بأمنهم وأمن البلد من لحظة وصولهم إلى المطار.
كما نتابع كافة التقارير الأمنية يوميا لمعالجة الأوضاع واتخاذ كل الخطوات اللازمة كما تتابع الوزارة عملها في إطار حماية السلم الأهلي واستقرار البلد ومحاربة تجارة المخدرات وتهريبها إلى الخارج والانتباه إلى كل ما يتعلق بما يتداول به من خلايا نائمة أو إرهاب إلا أن الوزارة تؤكد على عدم وجود أي خطر أمني جدي وهي تتابع كل الأمور التي من شأنها تأمين الاستقرار في البلد وأمن المجتمع وتؤكد على التزامها منع كل تعرض أو أذى للمجتمعات العربية.
* كثير من القوى السياسية كانت تشكك في إجراء الانتخابات النيابية رغم تأكيدك أنها ستجرى في موعدها هل كان عندك معطيات مختلفة حتى أصررت على الموعد؟
- إن اجراء الاستحقاق الانتخابي واجب على وزارة الداخلية أن تقوم به وحق دستوري للمواطنين، وكنا دائما ننظر إلى الانتخابات انطلاقا من هاتين الثابتتين وليس من منطلق آخر. واجهنا تحديات ومحاولات للعرقلة وإشاعات كانت تهدف إلى إدخال المواطنين في اليأس وعدم الاطمئنان وكنا في المقابل نقوم بالإجراءات تباعا ونعلنها للمواطنين بهدف طمأنتهم والتأكيد على إجراء الانتخابات. لقد تحملنا المسؤولية بشجاعة. لم يكن الأمر سهلا وكذلك لم يكن مستحيلا، فبالإصرار والجهد تم تخطي الصعاب. كانت وزارة الداخلية شفافة وحيادية بإجراء الانتخابات فأتى المجلس النيابي بتنوعه على صورة المجتمع اللبناني.
* إلى أي حد تأثر عمل قوى الأمن في ظل التخبط الحاصل في الجسم القضائي؟
- القضاء هو حجر الأساس لبناء الدولة وهو المؤتمن على حريات المواطنين وحقوقهم وإن القضاء المستقر والمستقل ضروري لجذب الاستثمارات وإنعاش الوضع الاقتصادي.
* كونك رجل قانون، كيف تنظر إلى واقع الجسم القضائي وهل هو سليم؟
- لا يختلف اثنان على أن الوضع القضائي الحالي في لبنان ليس على قدر طموحات اللبنانيين وأنه ليس سليما .يجب على القضاء أن يعود إلى ما كان عليه أيام عز لبنان وازدهاره وإجراء الخطوات اللازمة ليعود إلى العمل على نحو سليم فنحن من دعاة تطبيق القانون وعلى الجميع القيام بذلك بدءا من القضاة.
* إذا أعيدت تسميتك كوزير في الحكومة الجديدة هل توافق؟
- لم أقم خلال عملي لثلاثين سنة في القضاء وخلال تولي هذه الوزارة إلا بواجبي الوطني وبما يمليه علي ضميري المهني ضمن أطر الثوابت الوطنية التي تبقى سبب كل نجاح ووراء كل عمل وإنني سأبقى كما كنت دائما أقوم بواجبي.
* هناك تقارير تشير إلى أن واقع السجون اللبنانية غير إنساني هل حاولتم معالجة هذا الواقع؟
- هناك مبالغة في وصف وضع السجون بغير الإنساني. قمت منذ فترة بزيارة السجن المركزي واطلعت على وضعه عن قرب، إلا أن الثغرة الأساسية لا تعود إلى تقصير من إدارة السجن ولكن أيضا يقع على عاتق السجناء أنفسهم الاهتمام بنظافتهم الشخصية.
الغذاء متوفر في السجون وكذلك الطبابة والاستشفاء، وإننا في الوزارة نتابع أوضاع السجناء من خلال المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وضابط مختص بأوضاع السجون والسجناء في الداخلية، وهنا أشير إلى أن مستوى طبابة واستشفاء السجناء هو نفسه لعناصر قوى الأمن الداخلي، ونحن نعمل دائما على تحسين وضع السجون والسجناء ونقوم بالخطوات اللازمة للوصول إلى نتيجة أفضل.