القاهرة: شهدت الساحة المصرية مؤخرا إجراءات اقتصادية مهمة لمواكبة التداعيات الدولية المتسارعة والتي كان أهمها تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من أزمات متتالية أثرت على العالم كله ولم تسلم منها الدول المتقدمة اقتصاديا التي عانت جميعها من ارتفاع أسعار المواد البترولية والغذائية، وزيادة مستوى التضخم لأرقام لم تحدث من قبل مما أثر على مستوى المعيشة بشكل عام.
وحرصت مصر- التي لم تكن بمعزل عن الوضع الدولي المتأزم- على اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية خلال الفترة الأخيرة في محاولة للتقليل من تأثيرات الأزمة، وفتحت المجال للاستثمارات الخارجية، بالإضافة لإتاحة المجال للقطاع الخاص للمشاركة في عملية التنمية، وذلك من خلال فتح المجال لرجال الأعمال والمستثمرين من خلال ما يعرف باسم «وثيقة سياسة ملكية الدولة» التي أكدتها رئاسة الوزراء بحرص الحكومة المصرية على وضع صورة متكاملة لتواجد الدولة بالأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة خلال ثلاثة أعوام قادمة بهدف التخارج من 79 نشاطا في القطاعات المختلفة مع الإبقاء على الاستثمارات الحكومية في 45 نشاطا، وذلك بهدف تعزيز عملية التمكين للقطاع الخاص في الاستحواذ على عدد من شركات قطاع الأعمال الرابحة.
«المجلة» حرصت على لقاء الدكتور حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر الأسبق والخبير الاقتصادي المعروف لإلقاء الضوء على خطوات مصر الاقتصادية خلال مرحلة مهمة تتعرض فيها مصر ضمن دول العالم لتأثيرات كبيرة جراء عدد من العوامل الدولية والإقليمية المتسارعة في ظل معاناة متواصلة من زيادة سكانية كبيرة، بالإضافة لما يزيد على خمسة ملايين من اللاجئين الذين تستقبلهم القاهرة وتعاملهم بشكل مساو لأبناء الوطن، وذلك في الحوار التالي:
* كيف تقيمون خطوات الحكومة المصرية في جذب الاستثمارات الخارجية وذلك بعد الإجراءات الأخيرة؟
- مصر تبذل جهدا كبيرا في إطار جذب الاستثمارات الخارجية، وأتوقع بإذن الله أن يكون لها مردود جيد خلال الفترة القادمة، وإن كنت غير متابع بدقة ردود الفعل في العالم الخارجي فيما يتعلق بالتأثيرات حول هذه الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرا.
* تقييمكم للوضع الإقتصادي الحالي وما هي معوقات التنمية وفق رؤيتكم؟
- الدولة المصرية تبذل جهدا حقيقيا وجادا، ولكن الزيادة السكانية لا زالت تمثل عبئا شديدا على الاقتصاد المصري، ولا بد من وضع هذا الأمر في الحسبان، خاصة وأن مكاسب التنمية الاقتصادية يمكن أن تتأثر بالزيادة الكبيرة جدا في عدد السكان، ونرى حاليا أن العالم ليس في أفضل أوضاعه فالجميع يتابع ما يحدث خلال الفترات الأخيرة، والتوترات الموجودة على الساحتين الدولية والإقليمية، وفيما يتعلق بالحكومة المصرية فهي تفعل ما تستطيع القيام به، لكن المسألة سوف تأخذ وقتا خاصة مع الزيادة السكانية الكبيرة التي تعيشها مصر.
* الاقتصاد العالمي يتعرض لضربات متتالية جراء أزمات مستمرة من بينها كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، فهل لديكم تصورات للوضع الاقتصادي الداخلي؟
- الدولة المصرية تقوم بأخذ الأمر بجدية، وفي نفس الوقت الحل ليس سهلا، وكذلك لن يتم بين يوم وليلة، وسيستغرق الأمر وقتا، لكن الواضح أن الحكومة المصرية حريصة على توفير كل شيء وما يلزم لضبط الوضع الاقتصادي في مصر.
* حرصت الحكومة المصرية على التخارج من 79 نشاطا لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص والاستثمارات المختلفة للدخول في هذه القطاعات، فما هو تقييمكم لهذه الخطوة؟
- الدولة المصرية أدرى بقدراتها، وما يلزم لتعزيز الوضع الاقتصادي في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، والأزمات الموجودة على الساحة العالمية، وأدركت أن هذه الخطوة قد تكون مناسبة للأوضاع الحالية.
* فيما يتعلق بتقييم الوضع الاقتصادي العالمي والحرب الروسية الأوكرانية، ما توقعاتكم للمدى الزمني للحرب، وهل ستزيد تأثيراتها إقتصاديا على العالم، وهل سيتسع نطاقها أيضا؟
- لا يستطيع أحد مهما بلغت رؤيته السياسية والاستراتيجية التنبؤ بما يمكن أن يحدث في سير الحرب الروسية الأوكرانية، وإمكانية إتساع نطاقها، أو ما يمكن أن يحدث في المستقبل، لكن الأمر الذي يتفق عليه الجميع أن المشاكل الاقتصادية تزداد صعوبة، وبالتالي فلابد من اتخاذ الإجراءات المناسبة في كل دولة بحسب ظروفها لمواجهة هذه التأثيرات، والعمل على التخفيف من وطأتها قدر الإمكان خاصة أن الأمور غير واضحة، ولا زالت ضبابية فيما يتعلق بالمدى الزمني للحرب، وكذلك ما يمكن أن تقود إليه فيما يتعلق بمزيد من التأثيرات السلبية على الوضع الاقتصادي، وتأثيراته على دول العالم بدون استثناء، فقد رأينا الوضع الاقتصادي المتدهور للعديد من الدول، وكذلك التضخم، وارتفاع الأسعار، وكلها تأثيرات سلبية لما يحدث.
* هل لديكم اقتراحات يمكن من خلالها تحسين الوضع الاقتصادي سواء في مصر أو دول الجوار والمحيط الإقليمي الذي تأثر بتداعيات الحرب اقتصاديا؟
- لا يوجد شيء خاص، فهذا الأمر تأثر به العالم كله، وكل دولة معروف ظروفها جيدا، وأيضا الوضع المناسب لها الذي تستطيع من خلاله الخروج من الأزمة، والتماشي مع التأثيرات السلبية لما يحدث خاصة مع عدم المقدرة على توقع المدى الزمني لاستمرار هذه التأثيرات.
خطط وإجراءات
وقامت الحكومة المصرية مؤخرا بالإعلان عن مجموعة من الخطط والإجراءات لمواجهة التأثيرات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، والضغط على الاقتصاد المصري، وكشفت الحكومة عن مجموعة من الإجراءات تعزز من خلالها مشاركة القطاع الخاص ورفع حصته من المشاركة في الاقتصاد لحوالي 65 في المائة بدلا من حصته الحالية والتي تبلغ حوالي 30 في المائة، بالإضافة لمنح تسهيلات ضريبية للشركات الناشئة في عدد من القطاعات المختلفة لمدة تتراوح من 3-5 سنوات، وتفعيل لجنة بإشراف رئيس الوزراء لحل مشاكل المستثمرين، وتهدف الحكومة لبيع عدد من الأصول المملوكة للدولة بحوالي 40 مليار دولار خلال أربع سنوات بمعدل 10 مليارت دولار كل عام.
ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام الجاري (2022) إلى حوالي 5.6 في المائة فيما خفض تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي، وترتفع هذه النسبة عن توقعات الصندوق السابقة التي بلغت حوالي 5.2 في المائة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي 2021، ويرى الصندوق في تقديراته بالنسبة لمصر أنها الدولة الوحيدة بين الدول المستوردة للنفط التي حققت نموا إيجابيا- وفق تقديرات الصندوق- بفضل ما وصفه بالإدارة الجيدة لتداعيات ما بعد تفشي جائحة كورونا وتوابعها، وصدور بيانات اقتصادية إيجابية فيما توقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي بمقدار نصف في المائة 0.5 في المائة ليصبح عند 4.4 في المائة بدلا من 4.9 في المائة..