يستعد السيد جو بايدن للقيام بأول جولة له كرئيس للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 16 يوليو (تموز) 2022 تشمل كلا من إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وحسب معلومات من مصادر أميركية جدية، فإن جدول أعمال الجولة الذي جرى الإعداد له منذ مدة طويلة، وبعد نقاشات مستفيضة يتضمن مواضيع متعددة سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وتجارية، ذات أهمية قصوى ومصيرية لكافة الأطراف المعنية بها، ولكن الغاية الأولى منها تتمثل في نقطتين رئيسيتين هما:
* تأكيد التزام واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة وطمأنتهم سعيا إلى تبديد أي شكوك حول ما يتردد عن تلاشي الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في السياسة الخارجية الأميركية لفائدة التركيز على احتواء التنين الصيني في الشرق الأقصى، إضافة إلى تطويع الدب الروسي وإنهاكه في المستنقع الأوكراني.
* نفي وجود أي إرادة أميركية للانسحاب من التعامل مع مشاكل المنطقة، وتركها تواجه مصيرها وحدها في ضوء ما تشهده من تناحر فوضوي تغذيه أساسا تدخلات بعض القوى الدولية الكبرى، وأطماع قوى إقليمية لا تخفي تطلعاتها لتوسيع نفوذها الديني والمذهبي أو استعادة أمجاد إمبراطورية غابرة.
وللتدليل على ما تسميه جدية ومصداقية المسعى الأميركي تشير تلك المصادر إلى نشاطين موازيين للرئيس الأميركي على هامش لقاءاته بقادة إسرائيل والمملكة العربية السعودية هما:
* إصراره على القيام بزيارة ولو لبضع ساعات إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأيضا لتفقد أحد مستشفيات القدس الشرقية المدارة فلسطينيا في خطوة إنسانية لا تخفى على المتتبعين خلفياتها وأبعادها السياسية.
* عقد اجتماع موسع على الأراضي السعودية يضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الرئيس المصري والعاهل الأردني، ورئيس الوزراء العراقي. وهو اجتماع حرصت الإدارة الأميركية على تفادي ربطه بالاتفاقات الإبراهيمية كما روج الجانب الإسرائيلي، الذي كان يمني النفس بأن يكون اللقاء تطورا كميا ونوعيا لاجتماع النقب.
ومن متابعة معظم المصادر الدبلوماسية والإعلامية التي أسندت إليها عملية تسويق الجولة الرئاسية يتضح تركيزها على الإشارة فقط إلى الظروف الدولية والإقليمية التي تأتي هذه الجولة في سياقها، وخاصة التداعيات السلبية على مجمل الاقتصاد العالمي من جراء الحرب على أوكرانيا، وما رافقها من تصاعد مثير للقلق لأسعار المواد الغذائية الأساسية، وأسعار منتجات الطاقة دون أن تنبس ولو بكلمة واحدة أو بإيماءة حتى عن طبيعة الخطوات العملية التي قد يقترحها الرئيس الأميركي على قادة المنطقة إزاء الملفات الملتهبة فيها.
ومن غير المستغرب أن لا تكون لهذه المصادر أي معلومات عن المقترحات العملية التي قد يحملها الرئيس بايدن في جعبته. فهو شخصيا وإن كانت لديه مقترحات ناجعة فلن يفصح عنها مسبقا لإدراكه بأن سلم ترتيب الأولويات في المنطقة يختلف من بلد لآخر.
ولا شك أن هذا الإدراك يمنعه من أن يجازف بإثارة غضب هذا الطرف أو ذاك خشية أن تكون لذلك انعكاسات سلبية على ما يتوخاه من أهداف لهذه الجولة تتجاوز بلا شك هموم المنطقة إلى ما هو أشمل كونيا في صراع بلاده المفتوح مع كل من روسيا والصين على أكثر من صعيد. فالسيد بايدن يعلم جيدا ماذا سيسمع من قادة المنطقة المدعوين للقائه، الذين هم على وعي تام بأنه قادم مرغما وعلى مضض.
إن هذا الوعي لم يمنع ترحيب كافة قادة المنطقة بالجولة منذ الإعلان عنها، كل من منطلق ما يأمل في تحقيقه منها. وقد تم التعبير عن هذا الترحيب من خلال بيانات رسمية كما حصل في لقاء شرم الشيخ الثلاثي بين العاهلين الأردني والبحريني والرئيس المصري، وكما صدر عن الحكومة الإسرائيلية، وكذا باتخاذ إجراءات عملية ذات قيمة رمزية واضحة كإقدام المملكة العربية السعودية على رفع إنتاجها من النفط، وموافقة التحالف العربي في اليمن على تمديد فترة الهدنة ووقف إطلاق النار.
وإذا كان هم إسرائيل الأول هو توظيف الجولة لمزيد من الانفتاح العربي عليها بغية تكثيف خطوات تهميش أهمية موضوع احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة، والدفع في اتجاه قبر أي محاولة لإحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين الذي ما تزال الإدارة الأميركية تتبناه على الورق؛ فإن الجانب العربي أعرب عن تطلعه إلى إعادة رسم خريطة مستقبلية للعلاقات مع واشنطن قوامها الالتزام بالمواقف المعلنة بشفافية ووضوح وبعيدا عن الابتزاز بقضايا حقوق الإنسان وغيرها.
ورغم أن الملف النووي الإيراني والدور التخريبي الذي تلعبه ميليشيات طهران المذهبية في كل من سوريا والعراق واليمن يثير قلق الجميع إلا أن هنالك تباينا في المواقف بشأن طريقة التعامل مع التحديات والتهديدات التي يحملها تتراوح بين:
* من يسعى إلى تأسيس تحالف رسمي لدول المنطقة ضد إيران، ويدفع في اتجاه الإقدام على مغامرة عسكرية شاملة تدمر البرنامج النووي برمته، كما تطالب إسرائيل.
* ومن يطالب بتشديد الضغوط الاقتصادية والمالية، وبالإعلان عن وضع دول مجلس التعاون ضمن المظلة النووية الأميركية لإبداء المزيد من الردع لطموحات طهران في المنطقة، ومنع تسابق نووي فيها.
* ومن يدفع في اتجاه تكثيف التواصل والتفاوض في فيينا، وفي غيرها من المنصات إن أمكن، مع تخفيف العقوبات الاقتصادية تدريجيا تشجيعا لطهران لإبداء مرونة أكبر.
إزاء هذا التباين في المواقف الذي يشمل ملفات أخرى أيضا ويصل فيها حد التضارب، غير واضح كيف سيتعامل الرئيس الأميركي ولا بأي وعود سيعود إلى منطقة هو أكثر الساسة الأميركيين خبرة ودراية بحقيقة مشاكلها وتعقيداتها وتشابك الكثير منها،