بين جولة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة في المنطقة وإعلان حركة حماس عن عودة علاقاتها مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، يبدو أن المنطقة متجهة إلى وضوح أكبر في الانقسامات، وإعادة تشكيل محاور كان الربيع العربي قد غير في خرائطها، وقبل أن تصبح المعادلات والتحالفات كما العداوات شديدة الوضوح كما هي اليوم.
زيارة بايدن المرتقبة، واجتماع القمة المزمع عقده بين دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق مع الرئيس الأميركي في المملكة في الشهر القادم، سبقته جولة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لكل من مصر والأردن وتركيا، فيما بدا إضافة إلى المحادثات والاتفاقات الاقتصادية التي احتلت حيزا مهما من الجولة، أنها محاولة للتنسيق، خصوصا في ظل تزايد التهديدات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة عبر ميليشياتها وأذرعها في المنطقة، وفي ظل ترقب الجميع إلى ما ستؤول إليه المفاوضات حول برنامج إيران النووي، وإلى أي مدى سيصل التصعيد بين كل من إيران وإسرائيل.
وفي الوقت الذي يتم فيه التنسيق بين الدول المتضررة من أعمال إيران التخريبية، يبدو أن طهران أيضا تعيد لملمة صفوف حلفائها وأتباعها في المنطقة، فبعد زيارة بشار الأسد إلى طهران وما حكي يومها عن طلب إيراني من الأسد بإعادة العلاقة والتنسيق مع حركة حماس الإسلامية، والتي ساءت بعد انطلاق الثورة السورية بسبب موقف الحركة المؤيد حينها للمعارضة السورية، أعلن قبل أيام مسؤول في الحركة أن العلاقات بينهم وبين النظام السوري في «طريق عودتها بالكامل كما كانت» بعد قطيعة استمرت عشرة أعوام. وكشف أن «زيارات عديدة قام بها قادة حماس إلى سوريا».
وإن كانت العلاقات بين حماس والنظام السوري قد ساءت في السنوات العشر الماضية، ووصلت إلى درجة القطيعة بحجة ما ارتكبه ويرتكبه الأسد بحق السوريين، إلا أن العلاقة بين حماس وإيران، شريكة الأسد بكل ما ارتكب من جرائم في سوريا، لم تشبها أي شائبة، بل على العكس فقد أطلقت حماس لقب «الشهيد» على قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وهو الذي تفاخر بما ارتكبه وميليشياته من جرائم بحق السوريين.
ومن هنا يمكن القول إن ما قيل وكتب عن تعليمات إيرانية وواسطة قام بها حزب الله لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها بين حماس ونظام الأسد يأتي من ضمن إعادة ترتيب البيت الداخلي لأذرع إيران.
أما تركيا التي تربطها علاقة جيدة جدا بحركة حماس، وعلاقتها مع إيران أيضا جيدة حتى وإن اختلفا في سوريا، إلا أن ما كشف عن تهديدات أمنية إيرانية لإسرائيليين في تركيا، وما قد تتكلفه أنقرة من خسائر كبيرة إن تعرضت لخضات أمنية وخصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وحاجتها إلى حشد التأييد وخصوصا الغربي لأي عمل عسكري تقوم به في شمال سوريا، والوضع الدولي الجديد بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والرغبة في توسيع حلف الناتو، كل ذلك قد يجعل أنقرة تعيد حساباتها بأي محور ترغب في أن تكون.
أما في المقلب الإيراني، فمع تعثر المفاوضات النووية ورفض الإدارة الأميركية بعد ضغوطات داخلية وخارجية رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب، ومع التصعيد الإسرائيلي الاستخباراتي ضد إيران وإصرار طهران على تحقيق أي «انتصار» يكون ثمنا لما يعانيه الإيرانيون من جوع وفقر، وخصوصا في ظل التعاون الأمني في المنطقة ضد الإرهاب الإيراني، وهو ما أشرنا إليه في المقال السابق، يبدو أن طهران تتحضر للرد على هذا كله بنشر المزيد من الفوضى والخراب، وبطبيعة الحال مع إيران، صار العبث بأمن المنطقة واستقرارها وسيلة طهران المفضلة لكي تبتز الجميع فيعودون إلى الطاولة. فهل سيتكرر نفس السيناريو قريبا، أم إننا اليوم أمام مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق بين دول المنطقة قادر على الوقوف بوجه العبث الإيراني؟