واشنطن: في الأسبوع الماضي، اتفق عدد كبير من المحللين الأميركيين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكى على شيء واحد: روسيا تراهن على إرهاق الغرب من الحرب.
كان عنوان الصفحة الأولى في «واشنطن بوست» هو: «بوتين يراهن على تعب الغرب». وعنوان في مجلة «نيوزويك»: «التعب من أوكرانيا يزيد تدريجيا». وفى موقع «ياهو نيوز»: «إرهاق الحرب يقوض دعم الغرب لأوكرانيا». وسألت صحيفة «نيويورك تايمز»: «هل سيبقى الغرب متحداً خلف أوكرانيا؟».
خلال نفس الأسبوع، ادلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي بتصريحات مماثلة. حذر في مقابلة مع صحيفة «أوكرانسكا برافدا» من أن «إطالة فترة بوتين للحرب تتسبب في سأم بعض الدول من القتال».
وأضاف: «كثير من الناس يريدون، حقيقة، دفعنا، خطوة بعد خطوة، نحو نتيجة لن تكون في صالحنا. لم يسألنا شخص حتى الآن، لكننا نعرف أن بعض الناس يهتمون بمصالحهم الخاصة».
فيما يلي مقتطفات من آراء ثلاثة محللين أميركيين، من تغريداتهم، ومواقعهم في الإنترنت، وتصريحاتهم إلى وسائل الإعلام:
أولا، «يتزايد السأم من حرب أوكرانيا»، كما قال مارك ديفيز، مقدم برنامج إذاعي رئيسي باسمه. ومؤلف كتاب: «رأسا على عقب: كيف حول اليسار الصواب إلى خطأ؟».
ثانيًا، «أوروبا في حيرة»، كما قال ليونيل لوران، كاتب عمود عن الشؤون الأوروبية في مؤسسة «بلومبيرغ».
ثالثًا، «بايدن لم يسأم- حتى الآن»، كما كتب أوليفييه نوكس، كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست».
مارك ديفيز: مزيد من السأم
تستطيع التأكد من شعورنا بالسأم من حرب أوكرانيا إذا لاحظت انخفاض شهيتنا لمتابعة خرائط التحركات العسكرية هنا وهناك، وأسهم الخبراء العسكريون على هذه الخرائط. وإذا لاحظت تعليقات الشكوك في حكمة إرسال عشرات المليارات من الدولارات إلى أوكرانيا، ودون قوانين لمراقبة صرفها. وإذا لاحظت أنه لا يوجد شخص يرد على سؤالك: متى ستنتهي هذه الحرب؟
هذه هي المراحل الأولى لما سيحدث مستقبلا. سنقول علنا، ودون خوف: «يكفي ما يكفي». وذلك عندما تتفاقم أمام أعيننا تداعيات هذه الحرب على أوكرانيا، وعلينا، وعلى بقية العالم...
هكذا، خلال أربعة شهور، تحول اهتمامنا الشديد بالحرب إلى اهتمام عابر، ونحن نشاهد التقارير الإخبارية عن جرائم بوتين، وأخطاء بوتين، وتناقضات بوتين، ومعاقبة بوتين.
نعم، نحن نقدر تضحيات الأوكرانيين، بل نفتخر بها لأنها تاريخية: مواجهة غزو أجنبي، ودفاع عن الحرية والديمقراطية...
لكن، مع مرور الشهور، بدأ كثير من الأميركيين يتساءلون عن تكاليف الحرب، ليست فقط الاقتصادية، ولكن، أيضا، النفسية، ونحن نشاهد الخراب والدمار والدماء، ولا نعرف ما هو الهدف النهائي.
صار واضحا أننا نحن، الأميركيين، منقسمون:
في جانب، يشك كثير منا في سياسة الرئيس بايدن نحو «حرب لا نهاية لها».
في الجانب الآخر، يأمل أنصار بايدن، وهو يتأرجح لعدم قدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية، في نصر أوكراني...
ليونيل لوران: أوروبا في حيرة
صار واضحا أن الزخم الذي صاحب العقوبات الغربية ضد روسيا بدأ يتراجع. حتى مع التشدد من جانب الاتحاد الأوروبي في كل كبيرة وصغيرة.
بداية بالحظر النفطي (لكنه كان جزئيا، لأن ألمانيا، وغيرها، يعتمدون عليه)، ونهاية بمعاقبة المقربين من الرئيس بوتين (لكن حذف اسم قسيسه بسبب الحساسية الدينية)...
أيضا، صار واضحا أن فيكتور أوربان، رئيس المجر، وأحد المعجبين ببوتين، يلعب دورًا كبيرًا في تقسيم التحالف الغربي، وذلك الضغط على دول شرق أوروبا المجاورة.
أيضا، صار واضحا أن جنون قطع النفط الروسي كله واجه مشاكل واقعية، مثل: زيادة أسعار النفط، وارتفاع التضخم، وبطء النمو الاقتصادي...
ها هي رئيسة وزراء إستونيا، كاجا كالاس، التي تقود حملة خنق بوتين، تعترف بوجود «صعوبات مستقبلية».
وها هو رئيس وزراء بلجيكا، ألكسندر دي كرو، يقول إن الوقت قد حان للمراجعة، أو ما سماها «وقفة»...
مؤخرا، وجد استطلاع في أوروبا أن شعوبها لا تكاد تستقر على رأي. قالت نسبة 30 في المائة، وهي نسبة ليست قليلة، إنها تفضل التجارة والدبلوماسية مع روسيا، بدلا من العقوبات والحصار.
لهذا، دون ضوء في نهاية النفق الاقتصادي، قد ينقلب مزاج الشعوب الأوروبية، خاصة إذا استمرت هذه الحرب بلا نهاية، وأصبحت اختبارا للروح المعنوية للشعوب الأوروبية...
نعم، يتمتع الاتحاد الأوروبي بثروات اقتصادية عملاقة، وبرأسمال بشري متطور. لكن، ماذا عن واجب الحكومات في حماية مواطنيها الأقل حظا، وتعليما، وثروة؟
لا يحتاج الشخص لكتابة أطروحة أكاديمية ليعرف أن «السلاح المالي» ذو حدين. وأن تطبيقه يمكن أن يواجه عراقيل. وأن هناك عواقب غير مقصودة.
ليس ذلك فحسب، بل لا يوجد ضمان بأن العقوبات والمقاطعات، والتي يتوقع أن تقلل الإنتاج الوطني الروسي بنسبة 10 في المائة خلال هذه السنة، سوف تردع روسيا...
أوليفييه نوكس: بايدن صامد حتى الآن
لا يوجد شك في أن دعوة الرئيس بايدن للسويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الناتو سيعقبها تصويت مجلس الشيوخ على التصديق المطلوب. وأن ذلك سيكون نصرا جديدا للرئيس بايدن وهو يواجه الرئيس بوتين.
في الأسبوع الماضي، تحدث بايدن في حديقة الورود أمام البيت الأبيض، ومعه كل من رئيسة وزراء السويد، ماجدالينا أندرسون، ورئيس فنلندا، سولي نينيستو. وقال: «إنكما تتمتعان بالدعم الكامل من الولايات المتحدة». وأضاف: «تعزز كل من فنلندا والسويد حلف الناتو، ليس فقط لاستعراض قوته، ولكن، أيضا، لنشر أفكار الحرية والديمقراطية»...
هكذا، يظل الرئيس بايدن لا يهادن وهو يواجه الرئيس بوتين. رغم وجود إحساس أميركي عام بأن حرب أوكرانيا تبدو بدون نهاية. وأن الأميركيين سئموا الحروب.
لكن، يبدو، حتى الآن، أن أكثر الأميركيين (بقيادة سياسيين عاطفيين وحماسيين من الحزبين) مرتاحون لتأييد أوكرانيا، وهي تواجه دولة دكتاتورية عملاقة...
في حديقة الورود، واصل بايدن تصميمه، وقال: «اسمحوا لي أن أكون واضحا؛ إن انضمام الأعضاء الجدد إلى الناتو لا يمثل تهديدًا لأي دولة. لم يكن أبدا. هدف الناتو هو الدفاع ضد العدوان».
لكن، يواجه تصميم بايدن مشكلتين:
الأولى، زيادة الشكوك والسأم وسط الأميركيين.
ثانيا، زيادة مخاوف الأوربيين من النوايا الحقيقية للأميركيين (مواجهة روسيا في أوروبا، لا في أميركا)...
لهذا، تعمد بايدن أن يشير إلى السويد وفنلندا كدولتين صديقتين، لا دولتين تحتاجان إلى أميركا للدفاع عنهما. لهذا، تحدث عن «مؤسساتهما الديمقراطية القوية، وجيوشهما القوية، وإحساسهما الأخلاقي القوي بالخطأ والصواب».
لكن، إلى متى سيستمر تصميم بايدن؟
ألم يلتزم فعليًا بإراقة الدماء الأميركية وإنفاق الكنز الأميركي؟
ماذا إذا استندت السويد، أو فنلندا، على «المادة 5» في ميثاق الناتو الخاصة بالدفاع المتبادل؟
هكذا، يتعقد هذا الاصطفاف الجيوسياسي الذي بدأه الرئيس الروسي بوتين بالحرب التي شنها...