عبدالكريم الإرياني - رئيس الوزراء اليمنى الاسبق

عبدالكريم الإرياني - رئيس الوزراء اليمنى الاسبق

[escenic_image id="5510827"]

المجلة: ما أخطر التحديات التي يواجهها اليمن في الوقت الحالي، وتلك التي سوف يواجهها في المستقبل؟


هناك مشاكل على المدى الطويل وأخرى على المدى القصير. فعلى المدى الطويل؛ أعتقد أن الاقتصاد هو في الواقع أهم المشاكل التي يجب التصدي لها بشجاعة. وثانيًا، هناك مسألة النمو السكاني والتي ارتفعت نسبتها بشكل خطير، وبالتالي من الممكن أن تؤدي إلى نسبة بطالة عالية جدًّا. وثالثًا، يعانى اليمن من فقر شديد جدًّا في الموارد المائية. ورابعًا، لا بد من تحسين نوعية التعليم الموجود في اليمن لكي يتمكن اليمن من مواجهة تحديات القرن الـ 21.

وأهم المشاكل الملحة على المدى القصير؛ هي تلك الخاصة بالقضايا المتعلقة بالثورة السياسية والوضع الأمني والصراعات الداخلية، سواء في الشمال أو في الجنوب. فهذه هي المشاكل التي يعانى منها اليمن في الوقت الحالي، والتي تؤثر على حلول مشاكل المدى الطويل التي سبق ذكرها. ومن الأهمية بمكان أن يتم التعامل مع مشاكل المدى القصير بطريقة نزيهة وعادلة وقائمة على المساواة، وذلك لإيجاد أساس للتعامل مع مشاكل المدى الطويل التي يواجهها اليمن في الوقت الراهن وسيواجهها في المستقبل.

المجلة: بصفتك  مستشارًا رئاسيًّا للرئيس علي عبد اللـه صالح، بماذا نصحته أن يفعل من أجل إيجاد حل للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخطيرة التي تواجه بلدكم؟

نحن نعرف ما يتعين علينا القيام به. ولكن الحكومة هي التي يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما نراه من حلول. وإليك بعض الأمثلة على ذلك. فمسألة النمو السكاني لا تتعلق بتحديد النسل، ولكن بتنظيم الأسرة. فليس الهدف منع الأسر من التكاثر، ولكن توعيتهم بأن تربية ثلاثة أطفال أكثر سهولة بكثير من تربية وتنشئة عشرة أطفال. ونفس الشيء مع مشكلة المياه. فنحن نعرف أن هناك إسرافًا في استخدام المياه في اليمن يؤدى إلى إهدارها. فطرق الري التقليدية هي نوع من الإسراف، ولكن لا بد من توافر الموارد اللازمة لكي نتمكن من استبدال هذه الطرق بنظم ري حديثة. واليمن يفتقر إلى هذه الموارد. كما أنه من الضروري أيضا تنظيم استخدام المياه الجوفية. فالمياه الجوفية في الوقت الحاضر متاحة مجانًا للجميع، وأنا أقول بكل صراحة: إن الأوضاع لا يجب أن تستمر بهذا الشكل.

المجلة: وماذا بشأن القضايا الاقتصادية والسياسية الأكثر إلحاحًا؟

فيما يتعلق بالاقتصاد، أعتقد أن الدعم المخصص للمنتجات البترولية، وخاصة الجازولين، يعد استنزافًا حقيقيًّا للاقتصاد. وربما ما زالت شعبيتي محدودة لأنني كنت الرجل الذي اتخذ إجراءات حازمة لرفع هذا الدعم. ولكنني لن أحيد عن سياستي تلك. فالدعم الحالي هو استنزاف حقيقي للاقتصاد. ووفقًا لرئيس الوزراء، فالدعم المخصص للجازولين يتجاوز 2 مليار دولار سنويًّا، وهو مبلغ كبير بالنسبة لبلد مثل اليمن، حيث نصيب الفرد من الدخل أقل من 900 دولار في السنة. فبالنسبة لليمن يعد مبلغ 2 مليار دولار وكأنه 200 مليار دولار بالنسبة الولايات المتحدة. وهذا هو السبب الذي وضع من أجله الرئيس برنامج عمل للـ 18 شهرًا المقبلة. والخطوة الأولى لإزالة عبء الدعم هي؛ تحويل محطات توليد الكهرباء لكي تعمل بالغاز. وهذا سوف يقلل من عبء الدعم بنسبة 50 % على الأقل. وينبغي عدم تأجيل هذا الأمر وتنفيذه على وجه السرعة، حتى وإن كان هذا يعني اتخاذ إجراءات وتدابير قد لا تحظى بالتأييد الشعبي.

المجلة: يخوض اليمن حربًا ضد المتمردين الحوثيين في شمال البلاد وضد المتمردين الانفصاليين في جنوبها. وقد اتُهمت الحكومة بأنها اتخذت إجراءات قاسية في مواجهتها مع هؤلاء المتمردين. فهل توافق على ذلك؟

(تنهيدة عميقة) ليس بالإمكان تخفيف حدة المواجهة من جانب واحد فقط، فلا بد من أن يشترك كلا الطرفين في هذا الأمر. ولكن إذا قاموا بتخفيف حدة المواجهة فنحن على استعداد لأن نفعل نفس الشيء من جانبنا.

المجلة: أليست هذه مجرد محاولة من جانب الرئيس علي عبد اللـه صالح لتأكيد سلطته؟

الرئيس علي عبد اللـه صالح هو رئيس اليمن منذ 30 عامًا أو يزيد. ومن ثم فهو ليس بحاجة لأن يفعل ذلك.

المجلة: لقد ثبت فعليًّا أن الاحتواء لا يقل فاعلية عن العمل العسكري، كما رأينا بوضوح في حالة العراق مع القوات الأمريكية. فهل فعل اليمن ما فيه الكفاية على هذا الصعيد؟

فيما يتعلق بالتمرد، أعتقد أن أهمية المكون الأجنبي في التمرد الحوثي تزداد يومًا بعد يوم. فليس هناك شك في أنه كان هناك ظلم في التعامل مع من يسمون أنفسهم بـ"الزيديين"، وخاصة فيما يتعلق بموقف بعض الحركات الإسلامية المتطرفة التي لا تعترف بهم أو تنظر إليهم على أنهم زنادقة. وكان ينبغي أن يتم التعامل مع هذا الأمر بشكل أفضل، ووضع حد له في وقت مبكر، قبل تفاقم المشكلة. وربما كان ذلك خطأ وقعنا فيه، ولكن المشكلة الآن هي أنه يتم التلاعب بهم من قِبل العناصر الأجنبية التي تسعى من أجل تحقيق مصالحها السياسية والإستراتيجية الخاصة. مما يجعل من الصعب للغاية على الحكومة أن تتخلص منهم.

المجلة: ما شروطكم للتفاوض مع الحوثيين؟ وما الذي ستعطونه لهم في المقابل؟

سنسمح لهم بحرية ممارسة دينهم، وسنساعدهم  في تدريس مختلف جوانب عقيدتهم (شريطة عدم تشجيع العودة إلى النظام الملكي). وسنقدم لهم أيضًا حوافز سياسية مثل أن يكون لهم حزب سياسي خاص بهم أو مدارس خاصة بهم. ومن ثَم فنحن لا نعدهم بمزيد من الحكم الذاتي، ولكن بمزيد من الحرية والتعليم، وبمزيد من الحرية في التعبير عن عقيدتهم.

وغالبًا ما تنتهي الحروب بالمفاوضات. فلم يحدث قط أن حربًا قد انتهت بدون أن يجلس الطرفان حول طاولة المفاوضات. وقد تم إعطاء الحوثيين الفرصة لكي يصبحوا حزبًا سياسيًّا، وأن تكون لهم صحيفتهم الخاصة بهم، وأن يشاركوا في حرية التعبير، وعملية التحول الديمقراطي التي تحدث حاليًا في اليمن. ولكنهم للأسف لم يستجيبوا لهذه العروض. أما بالنسبة للجنوب، فإن المشكلة تتعلق بشكل أكبر بالاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة عن كونها نتاجًا لحركة انفصالية. وإيجاد حل لهذا الأمر سيستغرق وقتًا ليس بالقليل. وفي الوقت الحالي فإنني أعتقد أن البطالة هي عامل كبير في الاضطرابات الحادثة في الجنوب. وبطبيعة الحال فقد كانت هناك أخطاء من قِبل العديد من الحكومات السابقة، وربما كانت حكومتي من ضمنها. فأنا لا أنكر ذلك.

المجلة: نحن نعلم أن العنصر الأجنبي الذي تشير إليه هو إيران. ولكن لا يمكنك، بشكل جدي، إلقاء اللوم على النفوذ الإيراني بشأن كل ما يحدث. فمن المؤكد أن يكون هناك عنصر محلي ضالع في الأمر.

أعتقد أنه ينبغي على  الدولة  بأكملها والنظام السياسي الذي يتولى اتخاذ القرار أن يفكر بشكل جدي في كيفية إنهاء هذا الصراع، أو بمعنى آخر؛ كيف يمكننا إيقاف نزيف الدم. وبالرغم  من أنني أتفق معك على أنه لا يمكننا إلقاء اللوم على  العناصر الأجنبية وحدها، وأنه يتعين علينا أن نكون أكثر استعدادًا للتفاوض، فينبغي أن يتحرر الطرف الآخر أيضًا من التأثير الخارجي. وينبغي أن تحدث هاتان المسألتان معا في نفس الوقت.

المجلة: وماذا عن النفوذ الأجنبي بخلاف إيران، أو بمعنى أدق النفوذ العربي الصديق القادم لمد يد المساعدة لليمن؟

ليس ثمة شك في أن الأزمة السياسية تستنزف الاقتصاد. فمن المؤكد أنها تزيد من حدة المشاكل التي يواجهها اقتصاد اليمن. ويجب أن يعتمد الاقتصاد على الاستثمار الأجنبي المباشر، واليمن لديه إمكانات كبيرة للاستثمار في مجال السياحة. وفي الوقت نفسه ينبغي أن يفتح جيراننا أبوابهم لتوظيف المزيد من اليمنيين. وهذا أمر في غاية الأهمية لمستقبل اليمن واستقراره.

المجلة: ما نوع الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية؟

بمجرد أن نتوصل لحل بشأن مشكلة الحدود سيصبح الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية دورًا إيجابيًّا.

المجلة: تخشى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من أن يكون تنظيم القاعدة بصدد إعادة  تنظيم صفوفه في اليمن. فهل هذا صحيح؟

لا شك في ذلك، ولا سيما في الجنوب. كلما وجد تنظيم القاعدة بقعة يقل فيها الوجود الأمني، فإنه يذهب إلى هناك.


أجرى معه المقابلة أندريس كالا - صحافي ومحلل السياسي يقيم بمدريد ومتخصص في السياسة الشرق أوسطية والسياسة الأوروبية، فضلا عن اهتمامه بقضايا الطاقة العالمية.

font change