القاهرة وتل أبيب: وضعت مصر قدمًا في خطتها للتحول إلي مركز إقليمي للطاقة بعد توقيعها مذكرة تفاهم ثلاثية في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط، لتضيف إلى الاكتشافات الكبرى للغاز الطبيعي التي شهدتها على مدار السنوات، فرصًا جديدة بتسييل الغاز الإسرائيلي في محطتي الغاز في إدكو ودمياط المصريتين، وإعادة تصديره إلى أوروبا.
جاء التوقيع مع استضافة القاهرة فعاليات الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى غاز شرق المتوسط والذي افتتحته ناتاشا بيليديس، وزيرة الطاقة القبرصية رئيس الدورة الحالية للمنتدى عبر الفيديو كونفرانس، وأدارها المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري، الرئيس المناوب للمنتدى خلال عام 2022.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله وزراء دول منتدى غاز شرق المتوسط، إن التأثر الحالي لقطاع الطاقة عالمياً، أكد الرؤية الاستراتيجية الثاقبة بتأسيس المنتدى منذ سنوات، مضيفًا أن موارد الغاز الكامنة في شرق المتوسط هي دافع للتعاون والسلام والتنمية لصالح شعوب المنطقة.
بينما أكد وزير البترول المصري أن التوقيع يمثل خطوة هامة جداً في مسيرة بناء منتدى غاز شرق المتوسط الذي بدأ منذ 4 سنوات، كما يمكن البناء عليه في تحقيق المزيد من التعاون بين الدول الأعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط والمشاركة في فعالياته ومنها الاتحاد الأوروبي.
وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، اعتبرت التوقيع رسالة هامة لنجاح التعاون تحت مظلة المنتدى الذي يؤكد دوره المحوري في تأمين جانب من إمدادات الطاقة لأوروبا، وأن التعاون المثمر يُمكن من تحقيق الاستغلال الأمثل لإمكانيات المنطقة، ويدعم دور مصر وإسرائيل كلاعبين مهمين في سوق الغاز.
وقالت الهرار، في كلمتها بالمنتدى، إن الأحداث الجيوسياسية في شرق أوروبا أثرت بشدة على صناعة الطاقة، مضيفة أن الغاز الطبيعي يتميز بانخفاض الانبعاثات، لكن عليهم أيضا القيام بدور هام للتحول لطاقات جديدة ومتجددة، والتوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر باعتباره وقود المستقبل.
بدوره قال وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج متحدثا من مكتبه في تل أبيب: «نحن هنا في إسرائيل ندرك أنه يمكننا لعب دور أساسي وكبير، حيث تبحث أوروبا عن بديل يحل محل اعتمادها على الغاز الروسي. لسببين واضحين: لدينا مورد غاز هائل. وثانيًا موقعنا الجغرافي السياسي في منطقة الشرق الأوسط يمكننا من العمل بسهولة مع مصر، وبالتالي أصبحنا لاعبًا حيويًا».
ويتابع فريج: «من المهم الإشارة إلى أن مشروع خط الغاز في حد ذاته ليس جديدًا وأننا نعمل عليه منذ سنوات. لكن الحرب المؤسفة بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى تسريع عملية نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر خط أنابيب إلى مصر ثم نقله إلى أوروبا».
تشجيع أوروبي
يشجع الاتحاد الأوروبي- بموجب اتفاق التصدير- الشركات الأوروبية على المشاركة في عطاءات التنقيب في إسرائيل ومصر، وكذا تمويل تطوير البنية التحتية للطاقة في البلدين والعمل معهما في الحد من انبعاثات غاز الميثان، إذ أكدت أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن التوقيع يأتي في وقت صعب للاتحاد الذي يبحث عن تأمين مصادر موثوقة لإمدادات الطاقة في ظل المتغيرات الحالية التي يشهدها.
أضافت أورسولا فون أن الاستثمار الكفء يؤكد على تنفيذ مشروعات الطاقة وتوفير موارد جديدة متوازنة للمستهلكين، خاصة موارد الطاقة النظيفة والتوسع في استخدام الهيدروجين باعتباره طاقة المستقبل، موضحة أن الاتحاد الأوروبي يتعاون حالياً في تطوير استراتيجية الهيدروجين في مصر، وسيتم إطلاقها في قمة المناخ (COP 27) في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لاستفادة شعوب دول العالم.
صادرات مصرية
خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي، استطاعت مصر تصدير غاز طبيعي ومسال بقيمة 3.9 مليار دولار بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، لتضيف إلى نجاحات العام الماضي حينما استطاعت مصر تصدير 5 ملايين طن غاز مسال بنسبة زيادة بلغت 770 في المائة بفضل إعادة تشغيل محطة دمياط للإسالة في فبراير (شباط) الماضي بعد اتفاق تسوية بين الأطراف المالكة للمجمع الذي توقف عن التشغيل لنحو 8 سنوات، فملكية المحطة كانت تنقسم بين شركة يونيون فينوسا جاس (يو إف جي) الإسبانية بـ40 في المائة، وشركة إينى الإيطالية بـ40 في المائة. بالإضافة إلى 20 في المائة موزعة بالتساوي بين الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس)، والهيئة المصرية العامة للبترول.
كانت الحكومة المصرية قد أوقفت تتدفق الغاز للمصنع في 2012 كما حولت الإنتاج للسوق المحلية بسبب نقص الإمدادات وقتها. فيما دخلت الشركة الإسبانية في دعاوى تحكيم مع الحكومة انتهت بالاتفاق على تغيير الملكية ليصبح المشروع مملوكًا بنسبة 50 في المائة لشركة إيني و40 في المائة للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، و10 في المائة للهيئة العامة للبترول.
تمتلك مصر أيضًا مجمعًا آخر للغاز المسال «إدكو» بطاقة إنتاجية تصل إلى 7.2 مليون طن سنويًا. وهو مشروع بشراكة بين كل من الهيئة العامة للبترول 12 في المائة، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعة (إيجاس) 12 في المائة، وشركة «بريتش غاز» التي استحوذت عليها شركة «شل» 35.5 في المائة، وشركة «بتروناس» الماليزية 35.5 في المائة، وشركة «إنجي» الفرنسية (جاز دي فرنس سابقًا) بنسبة 5 في المائة.
تستقبل مصر الغاز الطبيعي من الحقول الإسرائيلية بشرق المتوسط في مصنعي الإسالة ليتم ضغطها ومن ثم تعبئتها بالسفن، وإعادة تصديرها، وهي الطريقة التي سيتم نقل الغاز المصري والإسرائيلي بها إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل عدم وجود أنابيب لنقل الغاز الطبيعي، ومنذ مارس (آذار) 2022 زادت كميات الغاز الإسرائيلي التي تستوردها القاهرة وتعيد تصديرها من 450 مليون قدم إلى 650 مليون قدم مكعبة يوميًا.
احتلت مصر المركز الأول عربيًا خلال الربع الثالث من 2021، فيما يتعلق بحجم صادرات الغاز الطبيعي المسال. بينما تحتل المركز الرابع في إنتاج الغاز بوجه عام خلال الفترة ذاتها، بنحو 5.6 مليار قدم مكعب يوميًا، و11 في المائة من إنتاج الدول العربية.. وفي الجهة الأخرى، تمتلك إسرائيل حقل «تمار» الذي بدأ الإنتاج فيه عام 2013 ويبلغ حجم احتياطاته نحو 238 مليار متر مكعب، في حين يحتوي حقلها الثاني «لفياثيان» المكتشف عام 2010 على 535 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى 34 مليون برميل من المكثفات.
استثمار ضخم
يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن مصر ستتولى وفق التعاون الثلاثي مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، استلام الغاز من إسرائيل في صورة غازية على أن تقوم بتسييله من خلال محطتي الإسالة المصريتين على أن يتم شحنه لأوروبا موضحا أن الإسرائيليين لا يملكون محطات إسالة كما لا توجد خطوط بين مصر وإسرائيل يمكن عبرها نقل الغاز حاليًا
وتمتاز محطتا إسالة الغاز في دمياط وإدكو بمصر بالعديد من المزايا، فبناؤهما القديم قبل 18 عامًا بمتوسط تكلفة حينها تعادل 250 دولارًا لكل طن من الغاز المسال يجعلها غير قابلة للمنافسة خاصة أن تكلفة إنشاء محطة الغاز المسال الآن 1500دولار للطن تقريبًا، خاصة بعدما ارتفع سعر المليون وحدة عالميا لمستوى الـ 8.5 دولار.
ويضيف عبده لـ«المجلة» أن الاقتصاد المصري سيحقق مكاسب كبيرة جراء ذلك التعاون على مستوى رفع الصادرات وفي الوقت ذاته تعزيز الموارد الدولارية في خضم أسعار الغاز الحالية وتحديات توفير العملة الداخلية التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية من تخفيض إيرادات السياحة وتخارج استثمارات في أذون وسندات الخزانة علاوة على ارتفاع تكلفة الاستيراد من الخارج، لافتا إلى أن الدول الأوروبية في حاجة ماسة حالًيا إلى الغاز مع مشكلات الإمدادات القادمة من روسيا.
وقد استثمرت مصر 1.2 تريليون جنيه في قطاع البترول حتى نهاية أبريل (نيسان) 2022، في إطار خطتها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعي، منها 778 مليار جنيه مشروعات بدأ تشغيلها، والفترة الحالية تبدو سانحة لتحقيق مستهدفاتها في وجود سوق ضخمة مثل الاتحاد الأوروبي الذي يستهلك (دون احتساب بريطانيا) قرابة 560 مليار متر مكعب مع معدل زيادة 20 في المائة سنويا.
ويقول خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن مصر شهدت علي مدار ثماني سنوات 375 اكتشافا جديدا لتحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز عام 2018 وتعود إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال، وتوسعت خريطة الدول المستوردة من مصر إلى 20 دولة حاليا.
ويضيف لـ«المجلة»، أن مصر كانت تستورد بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا وبعد توجيهات القيادة السياسية بضرورة الاهتمام بالاكتشافات أصبحت تصدر بما يناهز 4 مليارات دولار، والاتفاق يعزز خطة مصر للتحول لمصدر إقليمي للطاقة خاصة في ظل حاجة الاتحاد الأوروبي للغاز المصري الإسرائيلي كبديل للغاز الروسي.