ثلثا المواقع النشطة تخدم جماعات العنف السياسي كالقاعدة و إخوتها

ثلثا المواقع النشطة تخدم جماعات العنف السياسي كالقاعدة و إخوتها


استنادًا إلى الإحصاءات عن اتجاهات استخدام الإنترنت في العالم العربي، والتي تبذلها بسهولة ودقة فائقة مواقع فحص محتوى وحجم نقل البيانات على الإنترنت مثل “alexa“  يمكن القول إن المجال السياسي هو أضعف المجالات تأثرًا بالتصاعد المتنامي لمستخدمي الشبكة في تلك البلدان؛ هذه النتيجة تبدو صائبة إذا تحدثنا عن السياسة كإطار منهجي يعني بالمحتوى المباشر والذي عادة ما يضم مواقع المعارضة والخطابات المضادة لخطاب الدولة المركزية، وذلك لا يعود فقط إلى سيطرة وفلترة العديد من دول المنطقة على خزانات البيانات الرقمية المتدفقة على الجمهور بقدر ضعف المحتوى الجاد وتمركز الشريحة الأعرض من مستخدمي الإنترنت، وهم من فئة الشباب على المحتوى الترفيهي (Entertainment) والشبكات الاجتماعية ذات الصبغة التواصلية (social community) .


لكن من وجهة نظر أخرى لا تقل صوابية فإن السياسة على الإنترنت تتخذ أشكالاً مستترة  شأنها شأن الفاعليات العامة في الواقع، حيث يمتزج الديني بالسياسي ويتماس الاجتماعي بهما بشكل وثيق بفعل مكانة الحريات السياسية وغياب الأحزاب أو ضعفها الشديد والذي  صيَّر بدوره عددًا من مناشط الحياة العامة ذات صبغة سياسية شديدة .


الإنترنت المسيَّس سمة عربية قابلة للازدياد بفعل تصاعد عدد مستخدمي الشبكة يومًا بعد يوم (يمثل مستخدمو الإنترنت في العالم العربي  15٪ من عدد السكان، كما أن 60% منهم في الخليج، وتتقدم مصر بما يزيد على خمسة ملايين مستخدم) ما يعني تطور الخطاب السياسي في شكله العلني أو المضمر عبر وجود فئات تعمل خارج أطر البيروقراطية والسياسة، وبالتالي لن يخضع الإنترنت السياسي للقواعد الكلاسيكية للعلاقات الطبيعية بين القوى السياسية المبنية على التعددية، ومن هنا يتضخم دور الإنترنت السياسي على حساب السياسة في الواقع ليتحول لأداة سيطرة على نحو غير مسبوق، وبذلك يترشح دخول الشركات المسيطرة على الإنترنت في علاقة تفاوضية مع الدول للحفاظ على سيادتها من جهة بالقدر الذي لا يشكل تهديدًا لأرباحها.


وإذا ما تجاوزنا حالة الارتباك السياسي في هوية خطابات الإنترنت العربية، فإن المؤكد أن ثمة خطابًا ثقافيًّا معولمًا شديد التشابه يتشكل على شبكة الإنترنت إذا أخذنا الثقافة هنا بمعناها الهوياتي والحضاري، وهذا ما عبر عنه بتفاؤل كبير الأب الشرعي لشبكة الإنترنت (Tim Berners-Lee) في ورقته التي قدمها بمؤتمر القمة العالمية للمعلومات بجنيف حيث أكد أنه رغمًا عن الخصوصية الثقافية التي يبديها، فإنه يرينا كيف أننا لا نتخلَّف كثيرًا عن بعضنا البعض.


مستقبل الإنترنت السياسي فيما يخص البلدان العربية لا يدعو إلى التفاؤل في ظل الرقابة الصارمة التي تُبذل في الأساس على الخطابات المعارضة المعتدلة أو التي تخالف السائد، وإذا ما أصغينا إلى لغة الأرقام التي لا تكذب؛ فباستثناء المواقع الحكومية والصحف الرسمية أو ما يشبهها فإن ما يزيد على ثلثي المواقع النشطة سياسيًّا (أستثني المواقع الفردية كالمدونات) على الشبكة هي ذات محتوى متطرف إما بشكل يدعم جماعات العنف السياسي كالقاعدة وأخواتها، أو ينتمي لخطابات فقدت حضورها في الواقع لتكتفي بالظل الرقمي كجماعات الإسلام السياسي والبعث وخطاب اليسار بدرجة أقل، وسبب هذه الكثافة يعود إلى أن تكلفة إنشاء محتوى إنترنت غير فردي باهظة الثمن، إضافة إلى أنه يفتقد إلى تنسيق ومشاركة تفترضان عادة مظلة مؤسسية ينتمي إليها، ومن شأنها أن تجعل من حضورها على الإنترنت الذي يمثل أداة تعبئة ذات نتائج مبهرة، أولوية لا يمكن التفريط بها وهو ما يفسر لنا مقولة أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الذي خاطب أتباعه ذات مرة بقوله:" إن نصف معركتنا الحقيقية يدور هنا على مواقع الإنترنت".

font change