بيروت: في ظل حالة من عدم الاستقرار والأزمات وقيود المالية العامة والصراعات الأمنية والاقتصادية التي يشهدها العالم والتي أدت إلى تراجع عدد الوظائف الجديدة، فإن البنك الدولي يدعم تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في سوق العمل.
يقول المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه: «من الضروري أن نركز على ضمان أن تتمتع النساء بالفرص ذاتها التي يتمتع بها الرجال في الحصول على العمل، ويجب أن تحصل النساء الأفضل تعليماً والأصغر سناً وغير المتزوجات على فرص عمل.
مسائل عالقة في مشاركة النساء في سوق العمل
عند دراسة أنماط مشاركة النساء في القوى العاملة في بعض البلدان، تبرز بعض المسائل؛ حيث أن المستوى التعليمي يحظى بأهمية كبيرة، وكذلك الوضع العائلي والعمر. ففي بعض البلدان، ثلثا النساء الحاصلات على تعليم عالٍ يعملن بالفعل أو يبحثن عن عمل. وثمة تحوّل بين الأجيال في الأردن ولبنان حيث ترتفع معدلات المشاركة بين النساء الأصغر سناً. كما أن الوضع العائلي للمرأة ذو تأثير، فعلى سبيل المثال، يظهر لبنان تراجعاً في معدل مشاركة المرأة بعد الزواج والمزيد من التراجع بعد الإنجاب. ولا يختلف الحال كثيراً في الأردن حيث يقل احتمال مشاركة النساء المتزوجات اللواتي لم ينجبن بنسبة 20 نقطة مئوية في سوق العمل مقارنة بغير المتزوجات.
ويظهر تقرير منظمة العمل الدولية حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن النساء يشاركن بنسبة أقل من الرجال في سوق العمل ونسبة البطالة بينهن أعلى في معظم أنحاء العالم. إذ لا يزال معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في العالم، يبلغ 48.5 في المائة، أدنى بمقدار 26.5 نقطة مئوية من معدل مشاركة الرجال. كما يزيد معدل بطالة النساء العالمي 6 في المائة، بنحو 0.8 نقطة مئوية عن معدل بطالة الرجال. ويعني ذلك إجمالاً أنه مقابل كل عشرة رجال يعملون، هنالك ست نساء فقط يعملن.
معدلات البطالة بين النساء
وتُعد الفروق في معدلات البطالة بين المرأة والرجل في البلدان المتقدمة صغيرة نسبياً، بل تسجل بطالة النساء معدلات أقل من بطالة الرجال في أوروبا الشرقية وأميركا الشمالية. وعلى النقيض من ذلك، لا تزال معدلات بطالة النساء في مناطق مثل الدول العربية وشمال أفريقيا تبلغ ضعفي معدلات بطالة الرجال مع استمرارعرقلة الأعراف الاجتماعية السائدة لمشاركة المرأة في العمل المأجور، إذ أن المرأة تواجه فجوات كبيرة في جودة المهن التي تمارسها.
فعلى سبيل المثال، لا تزال نسبة العاملات في أعمال أسرية تفوق ضعف نسبة الرجال. وهذا يعني أنهن يسهمن في الأعمال العائلية الموجهة نحو السوق، ولكن ظروف عملهن غالباً ما تتسم بالهشاشة إذ لا توجد عقود عمل خطية ولا احترام لقوانين العمل والاتفاقيات الجماعية.
كيف تنظر سيدات الأعمال إلى هذا الواقع وما هي الإجراءات المطلوبة لتحقيق المساواة بين الجنسين في وطننا العربي ، وما هو سبب تدني نسبة الجنس اللطيف في سوق العمل وما هي المتطلبات الأساسية لنجاح المرأة في المنافسة العادلة؟
هذه الاسئلة طرحتها «المجلة» على رئيسة المجلس اللبناني للسيدات القياديات مديحة رسلان التي تعتبر رائدة من رواد الأعمال في لبنان والعالم العربي.
الثقافة الذكورية
استهلت رسلان حديثها بالقول: «لا شك أنه في بلداننا العربية الثقافة الذكوريّة هي التي تضع العوائق الاجتماعية أمام المرأة في سوق العمل، ولكن من قال أن المرأة لا تستطيع؟ المرأة وصلت لمراكز قرار وترأست شركات كبيرة وهذا الأمر نراه سواء عن طريق الشركات الموجودة في سوق العمل في لبنان وحتى عن طريق الشركات العائليّة حيث التوريث لا يكون فقط للصبي بل أيضا للفتاة كأولاد، نحن نتكلم ولدينا في الجمعيّة سيدات يترأسن شركات وبعضهن أعضاء في مجالس الإدارة في شركات ولديهن مراكز مهمة في حال لم يكنّ صاحبات عمل لذا هذا الواقع لا يمنع المرأة بأن تصل إلى المكان الذي تريده فهي لديها طموحاتها ومقاربتها للأمور ولديها برامجها الشخصية ولديها أهدافها، وهذا لا يمنع أن تصل إلى حيث تريد الوصول».
أما بالنسبة للقوانين، فتقول: «مثلا وصول المرأة إلى برلمان في لبنان هو لعبة أحزاب، والأحزاب لا ترشّح الكثير من السيدات، لذلك يجب إقرار الكوتة لوصول السيّدات إلى مجلس النواب ويجب أن تطبّق أيضاً في مجلس الوزراء ويكون هناك عدد معيّن من الوزيرات الممثلات في الحكومة».
أما عن القطاع الخاص فتقول: «إذا صار هناك نوع من التحفيز للشركات أي إذا تم توظيف سيدات أكثر في مراكز قرار خاصة في مجالس الإدارات، سيزداد وصول المرأة إلى مركز القرار وباعتقادي أن السبب في عدم وصولها لأن القرار يكون ذكوريا، مع أن لدينا أمثلة كثيرة للسيدات اللواتي تبوّأن مراكز القرار أمثال رئيسة مجلس إدارة بنك البحر المتوسّط السيدة ريا الحسن التي شغلت منصب وزارة الداخلية، وغيرها، وأنا أؤمن بأن العدد سيزداد مع الأيام المقبلة. وإذا أخذنا التجربة البرلمانيّة النيابيّة الأخيرة سنرى أن هناك سيدات وصلن بكفاءتهن نتيجة عملهن الدؤوب وشطارتهن بالشأن العام وليس بواسطة الأحزاب كالدكتورة نجاة صليبا وبولا يعقوبيان وغيرهما».
المرأة في قطاع الخدمات
أما بالنسبة للسؤال عن وجود المرأة بكثافة في قطاع الخدمات فتقول: «هذا يعود إلى أن المرأة مميّزة في هذا القطاع نظرا لدبلوماسيّتها ولطفها وتواصلها اللبق وطبيعتها، لذلك نراها متقدّمة، وهذا لا يمنع وجود نساء في قطاعات معيّنة مثل الزراعة والصناعة، الأمر لا علاقة له بالجندرية بل بالميول الطبيعيّة للإنسان وهذا الأمر طبيعي وليس عقبة. ونظرا للدراسة والاختصاصات نرى سيدات وفتيات كثيرات في قطاع التكنولوجيا وقد تكون النمطية السائدة في المجتمع هي التي تفرض وظائف معيّنة للنساء، ولكن هذا لا يمنع وجود المرأة في قطاعات مثل الصناعة والزراعة والتطوير العقاري وهذا هدفنا في المجلس، وقد نجحنا ولدينا نماذج ناجحة لسيّدات دخلن وانخرطن في قطاعات إنتاجية غير مألوف وجود المرأة فيها، وأثبتن أنفسهن».
وبرأي رسلان فإن المرأة تميّزت بالإدارة في عالم المصارف والأموال والزراعة والصناعة والسياسة.. وتتابع: «يجب أن نراها أكثر في المجال السياسي وهذا ما رأيناه خلال ثورة أكتوبر (تشرين الأول)، التي شكّلت نقلة نوعية لها، إذ فرضت المرأة وجودها سواء في الساحة السياسية أو في العمل أو الدبلوماسية وصارت حاضرة في ذهن المجتمع والاقتصاد والسياسة، وأعتقد أن مستقبل المرأة سيكون مبهرا مع العلم أن هذا الأمر يبدأ في المنزل والتربية والمرأة في جيلنا التي تربي أولادها في البيت وتعطيهم ذات الفرص التعليمية والمالية والمهاراتية ولذلك سنصل إلى التغيير المرجو مع الأجيال القادمة».
المرأة في البرلمان
أما لجهة عدم وجود سيدات في قطاعات معينة، فتقول رسلان: «أنا أعتقد أنه لا يجب أن يكون أي قطاع حكرا على المرأة اوالرجل ويجب أن تكون الكفاءة هي التي تتحكم ورغبة كل شخص ستكون المعيار. ولكن بالنسبة للوجوه النسائية في البرلمان، ففي النهاية هذه لعبة ديمقراطية والمرأة بمفردها لا يمكنها أن تحدث فرقا كبيرا لأن اللعبة البرلمانية كلها قائمة على أساس تكتلات سياسية والأكثرية هي التي تأخذ القرارات ولكن المرأة يمكنها أن تغيّر نهجها وطريقتها وأسلوبها وطريقة إدارتها للأمور ووجهات النظر التي تتمتع بها والأهم بدبلوماسيتها المتميزة وبالنعومة السياسية، يمكن أن تحدث التغيير فهي التي تقرّب وجهات النظر والتي من الممكن أن توفّق بين الكتل وهي الحل الوسطي الذي يمثّل الشعب اللبناني».
وتتساءل: «دائماً يدعون لطاولة حوار لوضع الأسس للمرحلة الجديدة، لكن أين المرأة في مشروع تأسيس لبنان الجديد؟ المرأة يجب أن تكون حاضرة لأن لديها مقاربات خاصّة بها وهي تلمس أكثر وجع الناس وهي قادرة على إيصال تطلعات الجيل الجديد لأنها أم وتأخذ بعين الاعتبار البيئة والاقتصاد وفرص التكافؤ بين الناس والتكافل والتضامن بين المجتمع اللبناني، وهو أمر أساسي وضروري في بناء لبنان الجديد ويجب أن تكون المرأة حاضرة في المرحلة المقبلة لأنها ستحدث الفارق المطلوب وستدخل على لبنان ومؤسساته لمسة عصرية جديدة تأخذ بعين الاعتبار كافة أفرقاء المجتمع».
المرأة وعالم الاستثمار
ولفتت رسلان إلى أن مجلس السيدات القياديات يطالب المرأة بأن تكون شجاعة وأن تدخل عالم الاستثمار في البلد، لأنها تتمتع بالخبرة الكافية والرؤية وحسن إدارة الأموال، وهي تستطيع أن توفر فرص عمل جديدة للشباب اللبناني، وتتابع: «بصراحة هذه هي أحد همومنا في المجلس، المرأة يجب أن تكون مستثمرة لأن هذا العمل يكبر حجم الاقتصاد اللبناني، ونحن بحاجة لذلك بعد أن تراجع الناتج المحلي أكثر من 50 في المائة، واليوم دور المرأة المساهمة وخوض غمار العمل في القطاع الخاص بطريقة فعالة أكثر ومركز قرار أقوى، وباعتقادي أن هذا الأمر سنصل إليه نظراً لكثافة نشاطاتنا في هذا الاتجاه، ونحن الآن نعد لعقد مؤتمر ضخم عنوانه دور المرأة في القطاع الخاص».
أما بالنسبة للقطاعات التي تبرع فيها المرأة، فتقول رسلان إن «القطاعات الخدماتية والفندقية والمصارف والتكنولوجيا والتجارة وحتى في الصناعة والزراعة والإعلام برعت، ولا شيء يمنعها من أن تصل إلى المكان الذي تريده فهي خرقت كافة القطاعات الإنتاجية، واليوم الرغبة والكفاءة هي التي تفتح الأبواب والأهم أن يظل هناك رغبة في التعليم والعمل على تطوير النفس وتقوية المهارات والمعلومات بأي قطاع تعمل فيه، لأن ذلك سر النجاح. اليوم وبعد جائحة كورونا، تعلمنا أنه يجب أن نكون مرنين لمواكبة النجاح وهذا ينطبق على الاثنين سواء كان امرأة أو رجلا وأن تكون الإرادة والرغبة موجودة».