الحراك المعارض للنظام الإيراني... ثقله وتأثيره

لا يمر يوم في طهران دون مظاهرات واحتجاجات ضد النظام

الحراك المعارض للنظام الإيراني... ثقله وتأثيره

[caption id="attachment_55261441" align="aligncenter" width="3000"]مسرحية انتقادية لسجل إيران في مجال حقوق الإنسان خلال احتجاج ضد النظام الإيراني خارج الأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2016 في مدينة نيويورك (غيتي). مسرحية انتقادية لسجل إيران في مجال حقوق الإنسان خلال احتجاج ضد النظام الإيراني خارج الأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2016 في مدينة نيويورك (غيتي).[/caption]

لندن - يوسف عزيزي

* حراك القوميات في معظمه حراك اجتماعي، ثقافي ومدني، وينحصر الحراك السياسي بالعمليات المسلحة...




أولا، شهدت مدينة «بانه» في إقليم كردستان الإيراني يوم 5/ 9/ 2017، إضراباً عاماً للأسواق والمحلات التجارية ومظاهرات واحتجاجات أدت إلى محاصرة الجماهير الغاضبة لمبنى حاكم المدينة اعتراضا على اغتيال قوات حرس الحدود الإيرانية لاثنين من الحمالين الكرد في الحدود العراقية - الإيرانية. وقد أقلعت المروحيات العسكرية في سماء المدينة وانتشرت قوات الأمن والشرطة في الشوارع وتم اعتقال العشرات من المتظاهرين. حيث كانت هذه الهبّة الجماهيرية نتيجة لتراكم الغضب الشعبي، وهي ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الاغتيالات في كردستان، بل ووفقا لمنظمات حقوق إنسان كردية وإيرانية، قتلت القوات الإيرانية خلال السنوات الماضية، المئات من هؤلاء الحمالين الذين ينقلون البضائع من العراق إلى إيران على ظهورهم عبر الجبال الوعرة لتأمين قوتهم اليومي.
ثانياً، تحركت الجماهير في «سنندج» عاصمة إقليم كردستان الإيراني يوم 7/ 9/ 2017 لدعم مطالب الجماهير الكردية في مدينة «بانه»، غير أن قوات الأمن واجهت المتظاهرين السلميين بعنف واعتقلت الكثير منهم. وقد تحول إقليم كردستان الإيراني إلى ثكنة عسكرية خشية أن تحذو المدن الأخرى في الإقليم حذو مدينتي «بانه» و«سنندج».


في طهران




ثالثاً، في يوم 5/ 9/ 2017 نفسه، شهدت العاصمة الإيرانية طهران، وقفة احتجاجية أمام البرلمان للمطالبة بإطلاق سراح أحد قادة نقابة عمال شركة نقل الركاب في العاصمة.
رابعاً، شهدت مدينة الأهواز يوم 13/ 9/ 2017 وقفة احتجاجية لعمال البلدية أمام إدارة البلدية للاعتراض على أوضاعهم المعيشية السيئة وعدم دفع مرتباتهم لأشهر منصرمة.
ولا أُبالغ إذا قلت إنه لم يمر يوم في طهران وسائر المدن الكبرى في إيران دون أن نشهد مظاهرات واحتجاجات للعمال والمعلمين تطرح مطالب مهنية مثل دفع الرواتب المتأخرة لأشهر أو سنوات، أو تحتج على طرد العمال والمعلمين من أعمالهم، أو تطالب بإطلاق سراح زعمائهم الذين يرزحون في السجون بسبب نضالهم المستمر لتحسين ظروفهم المعيشية. وقد قتلت العناصر التابعة للبلديات الكثير من الباعة الجائلين في طهران والأهواز ومدن إيرانية أخرى وتحولت بذلك إلى قوة قمعية إلى جانب قوات الأمن والشرطة.

كما منعت قوات الأمن الإيرانية قبل أسابيع اجتماعا كان من المقرر أن يقام حول ضريح الشاعر الإيراني المعارض أحمد شاملو بدعوة من اتحاد الكتاب الإيرانيين واعتقلت عدداً من المشاركين ومعظمهم من المثقفين والكتاب.
ولا ننسى المظاهرات التي قام به الألوف من القوميين الفرس ومناصري الملكية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بالقرب مما يسمى ضريح قوروش، مؤسس السلالة الإخمينية، والتي تُعد نوعاً من عرض عضلات للقوميين الفرس المتشددين في إيران.



أهمية الحراك بين القوميات




القصد مما جاء آنفا هو التأكيد على أن الساحة الإيرانية تشهد حراكاً شبه يومي معارضاً لسياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن النظام الإيراني لا يسمح بأي حراك سياسي جماهيري معارض له مهما كان حجمه لأنه يخشاه ويخشى تبعاته على وجوده وكيانه برمته. فبعد انتفاضة الحركة الخضراء في 2009 والتي كادت أن تطيح بالنظام الديني الاستبدادي في إيران، لم نشهد مثل ذلك الحراك السياسي بسبب منع النظام لأي نشاط حزبي، حتى من النوع الإصلاحي، ولذا ليست الأحزاب القائمة حاليا إلا ديكورات لم يسمح لها بأي نشاط انتقادي أو معارض لنظام ولاية الفقيه، غير أنه من الصعب منع أي حراك اجتماعي وثقافي ومهني معارض لأسباب مختلفة.

فإذا أشرنا إلى حراك الشعبين التركي الأذري والعربي الأهوازي خلال الأعوام الأخيرة يتضح لنا مدى أهمية حراك القوميات في إيران. فأكتفي هنا بالأعوام الثلاثة الأخيرة؛ حيث شهد إقليم أذربيجان في يوليو (تموز) 2015 ونوفمبر 2016 مظاهرات واضطرابات في معظم مدنه، خصوصا في عاصمته تبريز. كما شهدت الأهواز عاصمة إقليم عربستان وبعض المدن الأخرى، عدة مظاهرات خلال هذه الأعوام كانت ذروتها في فبراير (شباط) 2017، وقد استمرت الاحتجاجات ضد تلوث البيئة وتجفيف نهر كارون لمدة أسبوع اعتقل خلالها 40 شخصاً مما أدى إلى تدخل الرئيس الإيراني حسن روحاني شخصياً لإنهائها.
ووفقاً لما ذكرته آنفا، يمكننا الإشارة إلى فئات اجتماعية تعتبر رائدة في النضال ضد النظام الإيراني: القوميات غير الفارسية، العمال، النساء وطلاب الجامعات. لكن في الواقع لم نشهد للحركة الطلابية ومنذ سنوات ذلك النشاط المعارض الذي كنا نشهده قبل عقدين من الزمن. كما أن الحركة النسائية لم تستطع أن تعيد أنفاسها بعد قمع قادتها وهروب البعض الآخر منهم إلى الخارج، غير أن القوميات والعمال هما الأكثر نشاطاً قياساً بالنساء وطلاب الجامعات. ويبدو أن حراك القوميات في معظمه حراك اجتماعي، ثقافي ومدني، وينحصر الحراك السياسي بالعمليات المسلحة التي تقع بين الحين والآخر في كردستان وبلوشستان وذلك بسبب استحالة العمل السياسي المستقل والمعارض للنظام في إيران بشكل عام وفي مناطق القوميات غير الفارسية بشكل خاص. لكن مهما كانت دوافع هذا الحراك الاجتماعي وشعاراته فإنه يعبر في باطنه عن نوع من الاستياء السياسي إزاء النظام الإيراني.


الجزر المنفصلة هل تتصل؟




إذا أخذنا بعين الاعتبار استغلال الجماهير الكردية والأذرية والأهوازية للمناسبات الرياضية والقومية والدينية الخاصة بها وكذلك العمليات المسلحة التي تقوم بها المجموعات الكردية والبلوشية وعدد السجناء غير الفرس في المعتقلات الإيرانية يمكننا القول إن الشعوب غير الفارسية هي الأكثر نضالا واستعدادا لدفع ثمن الحرية والديمقراطية ونيل حقوقها القومية في إيران، يليها العمال والمعلمون الذين تتسم مطالبهم بالمهنية والاقتصادية. لكن هذا الحراك القومي - العمالي في إيران مهما اتسمت معالمه بالمهنية والاجتماعية فإنه: أولا أخذ يزيل حاجز الخوف من قلوب الجماهير التي ترزح تحت حكم ولي الفقيه، ثانيا يُعتبر مدرسة لتدريب هذه الجماهير على الاحتجاج والتظاهر، ثالثا يشكل المقدمات لتطوير النضال الاجتماعي والمهني إلى نضال سياسي له أهداف ومطالب وشعارات سياسية صريحة، ورابعا سيؤدي إلى تعميق الشرخ القائم بين أجنحة السلطة. الحراك القومي الذي يحدث بين الحين والآخر في عربستان وكردستان وأذربيجان أو ذلك العمالي الذي يحدث في طهران والمراكز الصناعية في إيران، هو في الواقع منفصل عن بعضه البعض، ويبدو كجزر مشتتة. فالخيط الذي يربطها كلها هو العصيان على التمييز القومي والاجتماعي الذي يفرضه النظام الديني الاستبدادي على هذه الفئات الاجتماعية. فهذا الخيط غير مرئي ويجب أن يتحول إلى خيط مرئي وذلك بإيجاد نوع من التنسيق بين هذه المكونات المستاءة من النظام الإيراني. هذا هو الوهن الأساسي الذي تعانيه المعارضة حاليا في إيران وأعني غياب نوع من الهيكلية التنسيقية بين هذه المكونات، لأنه في ظل هذا الغياب، يتمكن النظام الاستبدادي في إيران من قمع كل منها على حدة. لكن قبل طرح موضوع هيكلية للتنسيق بين حراك معظم المكونات المضطهدة في إيران يجب أن يتم ذلك أولا على مستوى الأقاليم. فعلى سبيل المثال، إذا لم تعم الحركة الاحتجاجية الأخيرة كل مدن إقليم كردستان وبواسطة لجنة تنسيقية بين الأكراد أنفسهم، لا يمكن الحديث عن هيكلية تنسيقية بين معظم - إن لم نقل كل - الحركات القومية والعمالية في إيران. فإذا دقّقنا النظر في الحراك الأخير في مدن إقليم كردستان الإيراني نرى أن المبادرة الخاصة بدعوة الناس للإضراب والتظاهر لم تأتي من الأحزاب السياسية الكردية المستقرة أساسا في الخارج بل من قبل نشطاء المجتمع المدني وعبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، و«تلغرام»، و«تويتر».

نحن نعلم أن لكل شعب في إيران ظروفه وخصائصه. فعندما كانت الجماهير الأهوازية تحتج ضد التلوث أو تجفيف مياه نهر كارون أو ضد التمييز العنصري، كانت تستقطب أنظار سائر الشعوب وهذا ما ينطبق أيضاً على ما كان يقوم به الأتراك الأذريون في الملاعب والشوارع. فإننا لا يمكن أن نشهد أي تنسيق بين كل هذه التحركات التي تقوم بها الشعوب غير الفارسية والعمال والمعلمون وسائر الطبقات الكادحة في طهران وسائر المدن الإيرانية إلا بعد أن تتسع رقعتها. لا شك أن هناك حاجة ماسة لتنسيق أقلوي بين كل هذه الحركات أو بينها وبين نفسها لتكون مؤثرة على مستوى كل إيران ولتتمكن من هز عرش الحكام في إيران. ويبدو أن النظام الإيراني أكثر قسوة في مواجهته لحراك القوميات غير الفارسية قياسا بحراك العمال والمعلمين، فلذلك تم إخماد الاحتجاجات في إقليم كردستان، غير أن الاضطهاد القومي ضد الشعوب غير الفارسية كالنار تحت الرماد وسيلتهب كلما سنحت له الظروف في أحد الأقاليم التي تقطنها هذه الشعوب.
font change