المصريون يقررون مصيرهم .. علي الفيس بوك

المصريون يقررون مصيرهم .. علي الفيس بوك


والحقيقة أن تحرك هذه الأحزاب والقوى إلى الإنترنت لم يكن توجُّهًا أصيلا منها بقدر ما كان توجهًا براجماتيًّا ورد فعل لنجاح المجموعات الشبابية على الإنترنت في جعْل نفسها شريكًا غير معلن في منظومة العمل السياسي، وطرفًا مناوئًا لأى تحرُّك تقوم به الحكومة وحزبها الحاكم، ورغبة من هذه الأحزاب في اجتذاب فئات شبابية جديدة كانت عازفة عن المشاركة في أي نشاط سياسي بفعل التخوف الأمني أو اليأس من حدوث أي تغيير.


وكانت نقطة الانطلاق الحقيقية هي نجاح مجموعة شباب 6 أبريل، التي وصل عدد أعضائها على شبكة الفيس بوك إلى 73 ألف عضو في تنظيم إضرابها الأول يوم  6 أبريل 2008، والتي وجدت الحكومة نفسها أمامه عاجزة عن التصرف. هذا النجاح دفع  مخططي الأحزاب الرئيسية وخاصة الحزب الوطني الحاكم إلى سرعة تكوين مجموعات شبابية خاصة به على شبكة الإنترنت لمواجهة هذا الخطر المتصاعد.


وفي المقابل زاد عدد المجموعات المهاجمة للحزب وحكومته، والتي تتهمه بالتكويش على السلطة، واعتماده على رجال الأعمال كمصدر لشرعيته، والدفْع بالسيد جمال مبارك، أمين السياسات، ليكون مرشح الرئاسة المقبل، إذا ما أعلن الرئيس مبارك عن عدم رغبته في خوضها.


من جانبه أسس السيد جمال مبارك، أمين سياسات الحزب الحاكم، موقعًا إلكترونيًّا باسم "شارك" لجذب أكبر عدد من قطاعات الشباب حوله من خلال اللقاءات والحوارات المباشرة معهم. كان الأول لقاءه مع شباب الفيس بوك في 12 أغسطس 2009، والذي تابع بثه الحي على الشبكة 12 ألف مشارك. والثاني، لقاءه يوم 25 أكتوبر بمجموعة من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعدد من القيادات الطلابية بالجامعات، وهو اللقاء الذي لم يحقق الهدف المرجو منه مقارنة بسابقه، وذلك لتوقيت انعقاده قبل مؤتمر الحزب بفترة بسيطة، ولاختيار موضوعٍ حلوله صعبة وتعتمد على تضافر جهد مجتمعي واسع. وبالطبع، لم يمر هذا النشاط  دون اهتمام من المعارضة أو المحسوبين عليها، حيث أسس محمد عبد القدوس، مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، وبعد انعقاد اللقاء الأول لجمال مبارك بعشرة أيام فقط، موقعًا شبابيًّا باسم "يلا تغيير"  تمثلت رسالته في إحداث تغيير شامل في مستقبل مصر بمشاركة الشباب.


أسهمت هذه الحرب الإلكترونية المستعرة في تحريك المياه الراكدة في العمل السياسي، وأثبتت حاجة المؤسسات السياسية التقليدية إلى إعادة اختراع نفسها، وطرْق أبواب لم تكن متاحة من قبل، وذلك بجانب إثبات قدرة الشباب على إحداث الفرق إذا ما توافرت لهم البيئة المساعدة والقيادة الميدانية في الشارع.


وانقسمت الأحزاب في هذه الحرب إلى ثلاثة أنواع، الأول لديه موارد مالية وبشرية تؤهله للعمل بفاعلية على شبكة الفيس بوك، غير أنه ينقص كوادره الإيمان بأهمية هذا الدور مثل الحزب الوطني الديمقراطي الذي بدأ الالتفات أخيرًا إلى الشبكات الاجتماعية كلها وليس موقع الفيس بوك فحسب.  والثاني، أحزاب لديها موارد بشرية وإيديولوجية واضحة مثل حزب التجمع ولكن قياداته ترى أن هذا الدور هو "لعب عيال" وأن العمل الميداني يجب أن يتم فقط على أرض الشارع ومن خلال النضال الجماهيري. والثالث، ليست لديه الموارد اللازمة والإرادة اللازمة للقيام بهذا الدور؛ وهو حال أغلب الأحزاب السياسية.


ولكن في وسط هذا الحراك الواسع على مجموعات الفيس بوك، تَلاحَظَ غيابُ كوادر الإخوان عن لعب أي دور، باستثناء مساندة نشاط بعض المجموعات الاحتجاجية كمجموعة 6 أبريل وبناء على توجيه مسبق من مكتب الإرشاد. وانصب غالبية اهتمام شباب الإخوان على المدونات التي نشطوا من خلالها سواء في التفاعل مع معطيات الواقع السياسي المصري أو انتقاد بعض الممارسات غير الديمقراطية التي تتم داخل الجماعة. والحقيقة أنه لا يوجد سبب واضح لإهمال مخططي الجماعة التركيز على ساحة الفيس بوك وغيرها من الشبكات الاجتماعية، بالرغم من توافر آلاف الكوادر المؤهلة لتغيير خريطة الفيس بوك وإحداث صداع في رأس الحكومة إذا ما تم اتخاذ قرار المشاركة إلا إذا كان ذلك لسبب أمني  يعلمه قادة الجماعة أو رغبة منها في عدم تصعيد حدة الخلاف مع الحكومة في الوقت الحالي.


كانت هذه هي أهم سمات البيئة التي انتقل فيها العمل السياسي من أرض المعركة الحقيقية إلى واقع افتراضي غير معروف بالتحديد تأثيره الدقيق على  مستقبل العملية السياسية في مصر، وإن كانت التوقعات تشير إلى محدودية هذا التأثير في الانتخابات البرلمانية عام 2010 وانتخابات الرئاسة عام 2011، بفعل عدة عوامل أهمها: استمرار الاعتماد على القبلية والعشائرية والولاءات الضيقة كمصدر للتصويت، وعدم وصول الإنترنت إلى كل قرى ونجوع مصر، ووعي الحزب الوطني الحاكم بأهمية العمل في ساحة الإنترنت، وعدم تركه لأسراب الجماعات المعارِضة تغرد فيها منفردة.


 لكن كل الشواهد تؤكد أن ذلك سيتغير في انتخابات مجلس الشعب عام 2015، وفي أي انتخابات تليها بفعل ازدياد الدور الذي تقوم به وسائل الاتصال الحديثة في مجال السياسة، ونمو الجنين الذي وُلِد من بطن البرامج الحوارية والمجموعات الإلكترونية المعارضة، واحتمال قيام المجموعات الإلكترونية المعارضة بزيادة التنسيق مع المنظمات الحقوقية والجهات الأجنبية المهتمة بدعم مسيرة الديمقراطية في مصر. أضف إلى ذلك أن دخول الحزب الوطني هذا المجال سيدفع القوى المعارضة لمواجهته، والعمل على تحييده وجذب الفئات الشبابية المترددة لمساندتها، خاصة لغياب الحجة التي تعلِّق عليها قصور نشاطها الميداني وهو التضييق الأمني المبالغ فيه.

font change