القاهرة: أعلنت الإمارات ومصر والأردن في التاسع والعشرين من مايو (أيار) عن مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية، من خلال إطلاق مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في مجالات صناعية واعدة تشمل الزراعة، والأعذية، والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات، والتي تم توقيعها في العاصمة الإماراتية أبوظبي، انطلاقا من رؤية سياسية في الدول الثلاث لضرورة تنمية القطاع الصناعي في كل منها، وتعزيز الاستفادة من المزايا والإمكانات، والخدمات، والخبرات، والاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز، والبنى التحتية الهائلة للنقل، والقدرات اللوجستية، من أجل تأسيس صناعات تكاملية تسهم في تنوع الاقتصاد، وتعزيز نموه وتوفير فرص عمل متخصصة، وذلك على ضوء اشتراك الدول الثلاث في تاريخ عريق من العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وقد فتح الإعلان عن انطلاق المبادرة الآفاق نحو تساؤلات عن مدى إمكانية تعزيز فرص مواصلة استكشاف فرص الشراكة والاستثمار وتعميق التنسيق والتعاون والتكامل الاستراتيجي من أجل تحقيق التكامل بين الاقتصاديات العربية، وهل تسهم المبادرة في العمل على زيادة النمو الاقتصادي في كافة القطاعات في الوطن العربي؟ وهل تنجح في فتح آفاق تنموية جديدة؟
تكامل اقتصادي عربي
وفي ظل تحديات العولمة هناك توجه كبير وملحوظ، وهو اتجاه بعض الدول نحو الإقليمية بمعنى التحالف مع جيرانها داخل الإقليم وتشكيل تحالفات من أجل التكاملات، والاستثمارات المشتركة في المجالات المختلفة، والتبادل التجاري المشترك، وهو أحد الملامح والتحديات الجديدة التي أفرزتها العولمة خلال الفترة الأخيرة.
وحسب المستشار الأول الأسبق لوزير الاستثمار، وأستاذ الاقتصاد، الدكتور إبراهيم مصطفى، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: هناك تحديات كثيرة يترتب عليها أن الدول تتجه نحو الإقليمية، أو يكون لديها مخرج، أو حلول أخرى ناحية الأقلمة. كما أن المبادرة قد تعمل على وجود نمو صناعي في كافة القطاعات الصناعية في الوطن العربي، كما أنها قد تنجح في خلق آفاق تنموية جديدة، وخلق فرص عمل كبيرة، فنحن اليوم عندما ننشئ صندوق استثمار بـ10 مليارات دولار لإنشاء شراكات صناعية فنحن نعمل على منحيين، أولا رفع مستويات التشغيل، وثانيا، رفع مستويات الإنتاج على مستوى المنطقة، وبالتالي سيكون هناك ضخ استثمارات ضخمة وبالتالي سيكون هناك توفير للعمالة وهو ما يترتب عليه الحد من البطالة.
وأضاف: بما أن الدعم يأتي من الإمارات وموجه للصناعات المشتركة في مصر والأردن فهو يعد أحد المظاهر التكاملية على مستوى المنطقة العربية، وهذا توجه حميد ينبع من تحرك القيادات السياسية، والتفاهمات المشتركة والتجاذب بين هذه القيادات والانسجام فيما بينها، كما أنها ستدفع القطاعات الاقتصادية لتحقيق نمو اقتصادي، لأن ما يقود النمو ثلاثة أشياء: تجارة، استثمار، إنتاج. فنحن اليوم نستمر من أجل الإنتاج، وتسويق المنتجات داخل المنطقة، ما يعمل على تنشيط حركة السلع والنقود، مما يؤدي لنشاط في حركة التجارة والاستثمار، بالتالي فإن فرص التكامل، وتعميقها ستكون أكثر وضوحا. كما قد تسهم المبادرة في جعل المنتج العربي قادرا على المنافسة عالميا إذا ما كان هناك التزام بذلك، وهذا يترتب عليه أن يكون لدينا منظومة عربية للجودة قادرة على إخراج منتج تنافسي، سواء في السوق المحلية في المنطقة العربية يواجه المنافسة الأجنبية الموجودة، وتساعد على اختراق الأسواق الأخرى سواء الإقليمية، أو الدولية.
ويتابع الدكتور إبراهيم مصطفى أن «إعلان المبادرة يأتي كإحدى الخطوات الجيدة في إطار خطط الدولة الثلاث لتشجيع الاستثمار بالتركيز على الفوائض الدولارية للدول الخليجية واستنادا على العلاقات الجيدة مع الإمارات، وبعد إعلان الدول أن خطتها لجذب استثمارات سنوية بمقدار لا يقل عن 10 مليارات دولار كأحد الحلول المهمة أيضا لتدبير العملة، حيث سيكون هناك جذب لاستثمارات عربية موجهة لقطاعات صناعية، وطاقة جديدة ومتجددة، وزراعية وخدمية وصندوق استثمار إماراتي بـ10 مليارات دولار يستهدف إطلاق الشراكة الصناعية التكاملية في ضوء الاستراتيجية التي تم إطلاقها تماشيا مع رؤية وتوجيهات القيادة العليا في الدول الثلاث، فبين الإمارات ومصر والأردن علاقات أخوية تاريخية على كل المستويات وفي جميع القطاعات مع حرص القيادة في هذه الدول الثلاث على تطوير هذه العلاقات وبشكل مستمر، وتمكينها لتعزيز التنمية المستدامة فيها ولضمان الأمن والأمان والاستقرار والازدهار».
وسوف تسهم المبادرة في تحقيق التكامل بين الاقتصاديات العربية لأن الدول العربية الثلاث في المبادرة بينهم قواسم مشتركة كبيرة وإذا نجحت التجربة سيشجع دولا عربية أخرى للانضمام.
قواسم مشتركة عديدة
سوف تسهم المبادرة في تحقيق التكامل بين الاقتصاديات العربية لأن الدول العربية الثلاث في المبادرة (الإمارات، ومصر، والأردن) بينهم قواسم مشتركة كبيرة، وذلك حسب أستاذ الاقتصاد، والباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الدكتور محمد شادي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة» قال فيها: «الإمارات لديها رأسمال كبير، وتقدم تكنولوجي كبير، وفي نفس الوقت لدى المملكة الأردنية قوى بشرية، وأراض واسعة يمكن استغلالها، إضافة إلى موقعها الجغرافي المهم الذي يمكن استغلاله، كما أن لدى مصر قوة بشرية كبيرة، ومرافق وبنى تحتية يمكن استغلالها عن طريق رأس المال، والتكنولوجيا المتوفرة لدي الإمارات، والثروات الطبيعية الأردنية، وبالتالي فقد يحدث تكامل كبير بين الدول الثلاث، وحال حدوث ذلك ستنضم دول أخرى، وأعتقد أن هذه الشراكة ناجحة من بداياتها، وإذا استمرت الدول الثلاث في هذه المبادرة، وبجدية فسوف تنجح التجربة، مما يشجع دولا عربية أخرى للانضمام لهذه التجربة، خاصة لو انضمت لهم دول كبيرة مثل: المملكة العربية السعودية، وليبيا، وسوريا بعد عودتها، وهو ما سيجعل المبادرة أوسع، ويجعل فرص نجاحها أكبر، لأنه كلما انضمت لها دول أكثر، ومساحات جغرافية أوسع كانت فرص نجاحها أكبر».
وتابع الدكتور محمد شادي قائلاً: «إذا ما انضمت المملكة العربية السعودية، وليبيا بوجه خاص فسوف تكون المبادرة ناجحة، في ظل احتياج ليبيا إلى إعادة الإعمار، وبالتالي هناك توقعات بنجاح أي نشاط في ليبيا، وفي نفس الوقت ستملك هذه الدول سوقا واسعة للغاية وإدخال مقومات أخرى مثل رأس المال الضخم، والدعم اللوجستي، وإدخال قوة بشرية غير محدودة وسوق تتجاوز 200 مليون نسمة. كما أن المبادرة قد تسهم في خلق نمو صناعي في كافة القطاعات الصناعية وغير محصورة في قطاع معين، حيث إن القطاعات الصناعية التقليدية فرص نجاحها قليلة جدا، لأن تغيرات السوق أصبحت اسرع وأكبر، فهناك شركات تقدمت ووصلت إلى مرحلة القدرات التكنولوجية الفائقة، وبالتالي فإن المنافسة معها تكون صعبة للغاية، ولذلك كي تنجح هذه المبادرة لا بد أن تعمل على الصناعات الجديدة وبالذات الصناعات التي لها ميزة تنافسية مع الدول الثلاث مجتمعة، وأهم صناعة قد تجمع هذه الدول هي مشروعات الطاقة، والطاقة المتجددة سواء صناعة الأمونيا (الهيدروجين الأخضر)، وصناعة البطاريات، وصناعة الأسلاك، والألواح الشمسية، وصناعات المياه، مثل معالجة المياه، وتحليتها».
ويكمل قائلاً: «لا بد من التحرك في هذه القطاعات على الرغم من امتلاك دول الخليج لأكبر كم من مصادر الطاقة، إلا أنها طاقة قديمة، والعالم الأن لديه الرغبة في التواصل مع منتجي الطاقة للحصول على طاقة جديدة لا تضر بالمناخ، وهذا هو الجزء الأول، وهناك طلب كبير من بقية الدول على الطاقة النظيفة، كما أن غالبية بلدان الشرق الأوسط لديها مشكلات ضخمة في المياة خاصة الإمارت، والسعودية، والأردن، وبالتالي هناك فرص كبيرة في التعاون في المجالات الجديدة التي تخص البنية التحتية على وجه الخصوص، إضافة إلى مشروعات الطاقة، ومعالجة وتحلية المياة».
وعن المبادرة يقول الدكتور محمد شادي إنها «قد تساعد في خلق تنافسية للمنتج العربي على المستوى العالمي، فعندما يكون لدينا طلب كبير، فهذا معناه أن لدينا فرصا أكبر للنجاح، بمعنى أن الطلب الكبير يساعد في زيادة نسب المبيعات وبالتالي تحقيق مكاسب أكبر، وهذه المكاسب إذا ما تم توجيها للتطوير والبحث أكثر، فستكون المكاسب أكثر وأكثر، وإذا كانت لدينا فرصة للنجاح فهذا معناه أن تصبح أكثر نموا، ومعنى أن أكون أكثر نموا فهذا يعني أن لدينا فرصة أكبر للتطور، وفتح آفاق تنموية جديدة في الوطن العربي، وخلق فرص عمل أكبر».
قيمة مضافة وفتح قنوات اتصال مباشرة
وأكد الخبير الاقتصادي الدولي محمد سلامة أن «اتفاقية الشراكة ستحمل قيمة مضافة للدول الثلاث، خاصة مصر، والأردن، من خلال توفير مزيد من فرص العمل، وتحسين جودة الوظائف، وخفض نسب البطالة. كما أن ضخ الإمارات استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار، سوف ينعكس بشكل إيجابي على تعزيز قطاع الصادرات، وتوفير مصادر للنقد الأجنبي في كل من القاهرة، وعمان. كما ان التحسينات في قطاعات الوظائف وتوفير النقد الأجنبي وتعزيز الصادرات، ستصب في صالح النمو الاقتصادي، للبلدان الثلاثة، لأن مصر والأردن لديهما البنى التحتية اللازمة لتحقيق نجاحات في القطاع الصناعي».
بدوره أكد رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات باتحاد الصناعات، محمد عبد السلام، أن «المبادرة سوف تسهم في فتح قنوات اتصال مباشرة مع الدول الأعضاء ما يعود بالنفع على اقتصاديات الدول الثلاث، وستعمل على تنمية القطاع الصناعي من خلال الاستفادة من الموارد والقدرات والخبرات المتاحة، والموقع الجغرافي في كل دولة، مما يسهم في تأسيس صناعات تكاملية بين الدول الأعضاء، كما أن المبادرة تأتي استكمالا للوحدة السياسية بين الدول الثلاث، مما يسهم في إحداث تكامل استراتيجي بين الدول الأعضاء»، مشيرا، إلى أن تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية، دفعت وبشكل كبير إلى توجيه معظم دول العالم إلى تكوين تكتلات اقتصادية مع الدول المجاورة لتخطي تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أن المبادرة حددت المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك التي سيتم التركيز عليها خلال المرحلة الأولى لتعميق الشراكة الصناعية الشاملة بين الدول الثلاث، والتي يأتي ضمنها المنسوجات، خاصة أن الدول الثلاث تتمتع بنقاط قوة بارزة في سلسلة القيمة والتي تخلق فرص استثمار كبيرة مما يسهم في خلق سوق كبيرة الحجم، في إطار تمتع مصر بقطاع نسيج متكامل، إضافة للمهارات المتوافرة، والتكاليف التنافسية للأيدي العاملة ومنشآت قطاع النسيج والملابس المتاحة بكثرة، والموقع الاستراتيجي، والصادرات التي تزيد على 300 ألف طن سنويا من الأقمشة والملابس.