قبل أيام عبر الملك الأردني عبد الله الثاني عن إمكانية تصعيد عسكري محتمل على حدود بلاده مع سوريا، عازيا السبب إلى أن «إيران ووكلاءها سيملأون الفراغ الحاصل عن الانسحاب الروسي» في جنوب سوريا.
وجاء كلام الملك عبد الله من واشنطن بعد أعوام طويلة من تحذيره الشهير، يوم أطلق مصطلح «الهلال الشيعي» في العام 2004 في حوار مع «واشنطن بوست»، ورأى حينها في بروز هلال شيعي في المنطقة ما يدعو إلى التفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة، وهو ما يمكن أن يحمل تغيرات واضحة في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة.
وحديث الملك الأخير سبقه تصريح لمدير إدارة أمن الحدود في القوات المسلحة الأردنية العميد أحمد هاشم الخليفات الذي أكد فيه وجود تعاون بين مجموعات من جيش النظام السوري مع عصابات تهريب المخدرات المنتشرة على الحدود السورية- الأردنية.
وقال خليفات إن «ميليشيات تابعة لحزب الله اللبناني وإيران تنتشر على طول حدود سوريا الجنوبية، وتقوم بأعمال تهريب المواد المخدرة عبر أراضينا»، موضحاً أن النقص الحاصل في تمويل تلك الميليشيات أدى إلى تزايد عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية.
وإن كان تهريب المخدرات إلى الأردن هو السبب المعلن الأخير لتعبر عمان عن هواجسها، وليتوعد مسؤولوها بمواجهة مهربي المخدرات المدعومين من ميليشيات إيرانية، وتغيير قواعد الاشتباك عسكرياً من الدفاع إلى الهجوم، إلا أن أطماع إيران في المملكة الأردنية الهاشمية ليست جديدة، وتهديدها للأردن وأمنه أمر تكرر عبر السنين.
فقد سبق لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني عندما صرح بأن بلاده حاضرة في لبنان والعراق، أن أعلن أن طهران «قادرة على تحريك الوضع في الأردن أيضا».
وبعد مقتل سليماني، قال قائد القوات الجوية في الحرس الثوري علي حاجي زاده، إن «على الأردن ودول الخليج وأفغانستان إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعا»، داعيا «دول المنطقة إلى السير على نهج البرلمان العراقي وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة».
إضافة إلى أنه وفي العام 2015 ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
فإيران تحاول أن تجد لها موطئ قدم في الأردن منذ وصول الخميني إلى السلطة واتباع الجمهورية الإسلامية سياسة «تصدير الثورة» التي أطلقها الإيرانيون ليفرضوا سيطرتهم من خلال ميليشياتهم على عدد من الدول العربية، ومن هنا يمكن فهم أن ما يجري مؤخرا يتخطى كونه عمليات تهريب مخدرات، بل يمكن وصفه بـ«الحرب» على الأردن الذي لا يزال عصيا إلى الآن على إيران، لعدة أسباب منها الاهتمام الأميركي بالأردن إضافة إلى اليقظة الأردنية منذ البداية.
وتأتي هذه «الحرب» بعدما كان بدأ فعليا التقارب الأردني مع نظام الأسد، وبعدما أعلن الملك الأردني عن مقاربة جديدة حيال سوريا وعرضها على الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أكثر من عام، هذا التقارب الذي يبدو أنه لم يؤت ثماره، فلا الأسد قابل للتعريب ولا إيران مستعدة للتنازل ولو الشكلي.
كذلك يسود اليوم ترقب حذر بعد تعثر مسار فيينا حول برنامج إيران النووي ولو في المرحلة الراهنة، إضافة إلى الضغوطات التي مورست في واشنطن بعد أنباء عن نية الإدارة الأميركية رفع منظمة الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، كل هذا وإيران ترزح تحت عقوبات قاسية وتعيش مدنها مظاهرات وحالات اعتراض بين وقت وآخر، ومن هنا يمكن القول إن ازدهار «تصدير المخدرات» هو لتعويض عجزها المالي ولتتمكن من تمويل الميليشيات التي تدعمها في أكثر من مكان، إلا أن الاكتفاء بهذا التبرير قد يعطي انطباعا بأن حرب إيران على الأردن بدأت مؤخرا، وهي بطبيعة الحال ليست كذلك.
فإيران اليوم تجد الفرصة سانحة بعد اكتمال سيطرتها على كل من سوريا ولبنان، وبعد الانشغال الروسي بالحرب على أوكرانيا، لتحاول أن تبدأ بمشروع ضم الأردن إلى مناطق نفوذها، ومن يدري إن بقيت مواجهة مشروع إيران التوسعي بالمفرق، قد نكتب بعد عام أو أكثر عن محاولاتها الدخول إلى مصر، خصوصا أنها كانت قد بدأت بوضع موطئ قدم لها في دول المغرب العربي.