القاهرة: محمد عبد الرءوف
تواصل مصر تكثيف تحركاتها على الساحة الأفريقية في مختلف المجالات، بهدف حشد رأي عام مؤيد لها في قضية سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل، وترى مصر أنه سينتقص من حقوقها المائية في نهر النيل.
وخلال الفترة الماضية شهدت دول أفريقية، خاصة تلك التي تنتمي لدول حوض النيل، زيارات مكثفة من مسؤولين مصريين سياسيين واقتصاديين وعسكريين، كان آخرها زيارة الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي إلى الكونغو الديمقراطية.
وبحسب بيان للعقيد غريب عبد الحافظ المتحدث العسكري المصري فإن الفريق زكي وقع خلال زيارته للكونغو الديمقراطية بروتوكول تعاون بين البلدين فى مجالات الدفاع والتدريب والتأهيل ونقل الخبرات والارتقاء بالقدرات العسكرية بين الجانبين، كما ناقش مع نظيره الكونغولي كاباندا باكورنجا عددا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك فى المجالات العسكرية المختلفة، وأكدا أهمية مواصلة التنسيق والعمل المشترك وتعزيز أواصر التعاون والدعم فى مجالات التعاون العسكرى بما يحقق المصالح المشتركة لكلا الجانبين.
ولا تعد زيارة الكونغو هي الأولى من نوعها إذ سبقتها زيارات لمسؤولين عسكريين مصريين إلى كل من أوغندا وتنزانيا وتشاد والسودان ودول أخرى.
وسبق لمصر أن وقعت اتفاقية تعاون استخباراتي عسكري مع أوغندا، إحدى دول حوض النيل، في أبريل (نيسان) 2021، كما تبني سد ومحطة «جوليوس نيريري» الكهرومائية في تنزانيا، الذي سيولد طاقة كهربائية تقدر بحوالى 2000 ميغاواط.
واستضافت القاهرة خلال الأشهر الماضية زيارات من عدة رؤساء ووزراء ومسؤولين أفارقة من دول بحوض نهر النيل أو دول أخرى، في وقت تحتدّ فيه التوترات بين مصر وإثيوبيا بشأن سدّ النهضة الإثيوبي.
والأسبوع الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي مع نظير البولندي أندريه دودا بالقاهرة، إن مصر تدفع باتجاه الوصول لاتفاق منصف وملزم قانونيا لكل الأطراف، وتطرَّقت الزيارة إلى بعض القضايا ذات الأهمية والأولوية لمصر وفي مقدمتها ملف سد النهضة حيث تم استعراض الجهود المصرية على مدار عقد كامل من المفاوضات من أجل اتفاق منصف وملزم قانونيًّا.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيس السيسي ونظيره البولندي الذي يزور مصر حاليًا، حيث كانا قد شهدا مراسم توقيع عدة اتفاقيات تعاون.
حصار إثيوبيا
كشف مصدر سياسي مصري مطلع لـ«المجلة» عن أن السياسة المصرية حاليا تقوم على فكرة حصار إثيوبيا من خلال إقامة علاقات تعاون قوية مع دول جوارها بهدف التأثير على موقفها من سد النهضة.
وأعلنت إثيوبيا الأسبوع الماضي أن الملء الثالث لسد النهضة سيكون في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، وأقرت في الوقت ذاته باحتمال تأثر مصر والسودان بعمليات ملء السد.
وبحسب تصريحات لكيفلي هورو مدير سد النهضة فإن إيقاف عملية الملء الثالث لسد النهضة مستحيل، مشيرا إلى أن الطاقة التي تم تدشينها من سد النهضة دخلت ضمن شبكة الكهرباء في إثيوبيا، مشددا على أن عملية بناء السد لن تتوقف لأي سبب كان.
وتؤكد مصر أن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل يرتبط بـ«قضية وجودية» لمصر وشعبها، حيث يثير المشروع قلق القاهرة والخرطوم على حصصهما من المياه.
وبدأت إثيوبيا، في فبراير (شباط) الماضي، إنتاج الكهرباء من سد النهضة، فيما اتهمتها مصر والسودان بانتهاك جديد للاتفاق الأولي الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، ويحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر.
وفي سبتمبر الماضي، دعا مجلس الأمن أطراف سد النهضة الإثيوبي إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، مشددا على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015.
وطالبت كل من مصر والسودان مجلس الأمن الدولي بوضع اتفاق ملزم قانونا لحل النزاع، بينما زعمت إثيوبيا أن المسألة يمكن حلها من قبل الاتحاد الأفريقي.
تعزيز الدور المصري في أفريقيا
وقال اللواء عادل العمدة المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية المصرية (حكومية) والمتحدث باسمها وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إن «الإصرار على الاستمرار في بناء سد النهضة رغم ثبوت عدم جدواه في التنمية يعكس تعنت الجانب الإثيوبي».
وأضاف العمدة لـ«المجلة» أن «الهدف المعلن لبناء سد النهضة هو توليد الكهرباء لاستخدامها في التنمية بإثيوبيا، وأعلنت أديس أبابا أن المستهدف هو 5250 ميغاواط بينما بعد تركيب 13 توربينا فإن ما ينتجه السد لا يتجاوز 1800 ميغاواط».
واعتبر الخبير العسكري أن مشروعات التنمية التي تنفذها مصر في دول جوار إثيوبيا تؤكد أن مصر تبحث عن السلام ولا تتغول ولا تتدخل في شؤون أي دولة، بل تساعد كل أشقائها الأفارقة انطلاقا من دورها الرائد في أفريقيا منذ عشرات السنين.
وقال: «مصر لا تسعى لحصار أحد، ولكن الاتحاد الأفريقي به 55 دولة، وعند حدوث خلاف في الرأي بين أي دولتين أفريقيتين، يتدخل الاتحاد، لذلك تسعى مصر لكسب أصوات أكبر عدد من الدول عبر المشروعات التنموية التي تنفذها في هذه الدول».
وأضاف أنه «بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، كان هناك غياب ممنهج للدور المصري عن الحاضنة الأفريقية ومع ثورة 2013 تم تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، وهي العضوية التي استعادتها مصر بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014، حيث كانت أول زيارة خارجية له لغينيا الاستوائية للمشاركة في القمة الأفريقية واستعادة عضوية القاهرة في الكيان الأفريقي الموحد».
وأشار إلى أن الوجود المصري في أفريقيا ليس قاصرا على دول جوار إثيوبيا، بل يمتد إلى التدخل لإحلال السلام في مناطق النزاعات، مثل النيجر وأفريقيا الوسطى ومالي وتشاد والمغرب والصحراء الغربية، انطلاقا من كون مصر إحدى الدول التي تقود أفريقيا.
والأسبوع الماضي، التقى الفريق أسامة عسكر رئيس الأركان المصري بالجنرال حسنات بلقاسم رئيس دائرة الاستعمال والتحضير (هيئة العمليات) بالجيش الجزائري الذي قام بزيارة لمصر لبحث التعاون المشترك، ضمن فعاليات لجنة التعاون العسكري المصرية الجزائرية، حيث تطرقت المباحثات إلى دعم جهود الأمن والاستقرار بالقارة الأفريقية.
وبحسب اللواء عادل العمدة، فإن التعاون المصري الأفريقي لا يشمل الجوانب العسكرية فقط، بل يمتد ليشمل كافة المجالات، سواء الاقتصادية أو التنموية أو الإعلامية أو الشبابية.
واستضافت أكاديمية ناصر العسكرية بمصر التابعة للقوات المسلحة مؤخرا وفدا ضم عددا من الإعلاميين الأفارقة وتضمنت الزيارة جلسة لمناقشة جهود التعاون المصرية مع الدول الأفريقية وتاريخ العلاقات المصرية الأفريقية، كما يحظى الشباب من مختلف الدول الأفريقية بنسبة مشاركة عالية في مؤتمرات الشباب العالمية التي تنظمها الرئاسة المصرية سنويا.
اتفاق بقواعد الملء والتشغيل
من جانبها، قالت الدكتورة مي مجيب أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «التحركات المصرية في أفريقيا ترافقها جهود دبلوماسية وسياسية حثيثة، لتحريك ملف سد النهضة، خاصة مع اقتراب موعد الملء الثالث للسد وهو ما سيؤثر سلبا على حصص مصر التاريخية في المياه».
وأضافت أن مصر كثفت تحركاتها أفريقياً خاصة بعد التعنت الإثيوبي في الاستجابة لجهود الجهات الدولية مثل مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة».
وتابعت قائلة: «بالنسبة لمصر والسودان فإنه من المهم وقف الملء الثالث الذي أعلنت عنه إثيوبيا، ولكن الأهم هو الوصول إلى اتفاق بقواعد الملء والتشغيل (ومنها خفض سعة الخزان القصوى) وهو ما يفسر التحركات المصرية الحثيثة في الفترة الحالية».
وأشارت دكتورة مجيب إلى أن الملء الثالث سيعني اقتطاعا مباشرا من حصة المياه التي كانت تصل إلى مصر، وبالتالي هو خرق إثيوبي واضح للاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص، وهو الخرق الرابع من نوعه.
وعن الموقف السوداني من الأزمة، وصفت دكتورة مجيب موقف الخرطوم بأنه متخبط في عملية تخزين المياه عبر سدوده، علما بأن السودان سيكون أول المتضررين قبل مصر من نقص حصة المياه.
وأوضحت أن موسم فيضان النيل يبدأ في يوليو (تموز) بإثيوبيا وفي أغسطس (آب) بمصر، وأديس أبابا تعتزم تخزين من 7-10 مليارات متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان، وهو ما سيؤثر على حصة كل من مصر والسودان.