تفاوض الخائفين

تفاوض الخائفين

[escenic_image id="5510839"]

يواصل ممثلون عن إيران وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة التفاوض حول تفاصيل اتفاق محتمل، والذي تمت الموافقة عليه من حيث المبدأ خلال اجتماع عُقد في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول في جنيف. ويقضي هذا الاتفاق بإرسال إيران لما يقرب من ثلاثة أرباع مخزونها الحالي من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا لمزيد من التخصيب، ليصل من مستوى 3.5 % إلى 19.75%، وهي النسبة التي يحتاجها مفاعل الأبحاث الطبية في طهران. وسوف يُنقل اليورانيوم المخصَّب حديثا بعد ذلك إلى فرنسا، حيث يتم تحويله هناك إلى خلايا وقود نووي، وهي عبارة عن صفائح معدنية تتكون من سبائك اليورانيوم والألومنيوم التي يمكن استخدامها في المفاعل.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، سعت الحكومة الإيرانية وراء استيراد الوقود النووي من اليورانيوم عالي التخصيب لمفاعل الأبحاث الطبية في طهران. ويبلغ وزن هذه الشحنة من الوقود 2500 رطل، واشترتها إيران من الأرجنتين في عام 1993، وسوف تستنفد هذه الكمية في غضون عام تقريبًا. والمفاعل الذي أنشأته الولايات المتحدة في أواخر الستينيات، ينتج ما يكفي من النظائر الطبية لاكتشاف وعلاج أمراض مثل السرطان واضطرابات الغدة الدرقية لما يقرب من 10000 شخص إسبوعيًّا.

ووضعت إدارة أوباما تصورًا لصفقة تخصيب اليورانيوم الطبية. وخشي المسئولون الأمريكيون من أنه دون توافر مورد أجنبي لليورانيوم عالي التخصيب، يمكن أن تتخذ الحكومة الإيرانية عدم الوفاء باحتياجاتها الطبية ذريعةً لتبرير تطوير وسائلها الخاصة لتخصيب آلاف الأرطال من اليورانيوم منخفض التخصيب بشكل أكبر، وربما يصل لمرحلة الأسلحة النووية (ولا تقل عادة عن 80 ٪). ووافق المسئولون الروس على هذا الاقتراح، ولكنهم أرادوا أن تقوم دولة أخرى بتحويل اليورانيوم المخصب إلى خلايا وقود نووي. ثم ضمن الأمريكيون بعد ذلك مشاركة فرنسا فضلاً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وخلال الشهر الماضي، تناولت المفاوضات مع إيران أمورًا عدة مثل؛ كمية اليورانيوم، منخفض التخصيب، الذي ستنقله إيران، ومواعيد الشحنات، وتكاليف عملية التحويل، وعما إذا كان يتعين على إيران أن تحد من كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي تنتجها لتحل محل اليورانيوم المنقول والمحول.

ويصف مؤيدو الصفقة الاتفاق بأنه إجراء لبناء الثقة، والذي سيثبت قدرة إيران وشركائها من المفاوضين على التعاون لتحقيق هدف مشترك. فبالرغم من أن روسيا تتعاون بالفعل مع إيران في أمور نووية، لا نجد فرنسا تتعاون معها في هذا الشأن. كما سيقدم هذا الاتفاق للمراقبين الأجانب معرفة إضافية بأنشطة إيران النووية. وأخيرًا، سوف تساعد عملية التحويل على الحد من مخزون إيران المتزايد من اليورانيوم، منخفض التخصيب، والذي ليس له حاليًا أي غرض مدني واضح نظرًا لعدم وجود برنامج للطاقة النووية لدى إيران.

ويساور النقاد الغربيين للصفقة القلق من أن يتمكن العلماء والفنيون الإيرانيون من استخراج اليورانيوم عالي التخصيب من سبيكته المعدنية، ومن ثَم يخصبونه حتى يصلوا لمستوى صناعة الأسلحة. كما ينتابهم القلق من أن يضفي التوصل لمثل هذا الاتفاق شرعية فعلية على أنشطة إيران لتخصيب اليورانيوم، والتي حظرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارًا، وبالتالي يشجع دولاً أخرى على السعي وراء برامج نووية مشابهة.

 ويخشى الإيرانيون من أن تحتجز روسيا أو فرنسا اليورانيوم بدلاً من إعادته. كما أنهم يشعرون بالقلق من أن تهاجم إسرائيل المواقع النووية الإيرانية بعد أن غادر أغلب اليورانيوم الإيراني، منخفض التخصيب، البلاد من أجل إعاقة إيران عن تجديد مخزونها.

 ويتركز هذا الخوف من تخصيب اليورانيوم لدى الدول العربية المجاورة لإيران. فخلال السنوات القليلة الماضية، أعلن عدد من الحكومات العربية أنها تدرس مقترحات لتطوير تقنيات نووية لأغراض تجارية سلمية. وأكدت هذه الحكومات أنها سوف تستخدم الطاقة النووية فقط من أجل تلبية احتياجاتها المتزايدة من إنتاج الكهرباء، والمساعدة على تحلية المياه، وتنمية الزراعة. كما تؤكد هذه الدول رغبتها في الاستعداد لليوم الذي تنفد فيه إمدادات النفط والغاز لديها. ومع ذلك، أشار بعض الممثلين والمعلِّقين العرب إلى أن المخاوف تجاه الطموحات النووية لإيران عززت رغبتهم أيضا في استكشاف خيارات نووية. واعتبر بعض المحللين الغربيين أن هذه التصريحات بمثابة دليل على أن منطقة الشرق الأوسط ربما تشهد في وقت قريب سباق تسلح نووي، وخصوصًا بين إيران الشيعية والدول السُّنِّيَّة المحافِظة.

 وبالرغم من أن الموافقة على شرعية التخصيب النووي الإيراني في الماضي ربما تزيد رغبة بعض الدول في تطوير تقنيات مماثلة، فإن المهم عدم المبالغة في حجم البرامج النووية العربية. فخلافًا لإيران، لم تبد هذه الدول أية نية للسعي وراء أكثر العناصر حساسية في دورة الوقود النووي، مثل تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلاتينيوم، وهى الأمور الذي يمكن أن توفر الأساس اللازم لتصنيع أسلحة نووية. وتعد إدارة مثل هذا البرنامج الوطني للأسلحة النووية أمرًا صعبًا جدًا وباهظ التكلفة. واستغرقت إيران عقودًا من أجل تحقيق قدرة وطنية محدودة لتخصيب اليورانيوم.

ولحسن الحظ، يمكن توسيع الاتفاق الإيراني لإثنائها عن إجراء مزيد من أنشطة تخصيب اليورانيوم. وإذا أثبت الاتفاق الدولي لتخصيب اليورانيوم في مفاعل طهران الطبي فاعلية، فإن هذا سوف يشجع دولاً أخرى على المشاركة في آليات خدمة مماثلة متعددة الجنسيات، ومنها على سبيل المثال مستودع للوقود النووي الذي يمكن أن يُقرض الدول التي لديها مفاعلات نووية وقود اليورانيوم منخفض التخصيب. وبعد استخدام الوقود، سوف تعيد الدول المقترضة الوقود المستهلك إلى المورد الأصلي. وسوف تسمح هذه العملية لتلك الدول بالسعي للحصول على التقنية النووية للأغراض السلمية دون المخاطرة بمزيد من الانتشار النووي من خلال انتشار منشآت إضافية لتخصيب اليورانيوم

font change