يأتي انتخاب الرئيس بري لولاية سابعة رئيسا للديمقراطية اللبنانية من دون انقطاع منذ 31 عاما بأكثرية 65 صوتا، ليهدئ من حماسة بعض الأحزاب والجماعات التي نسبت لنفسها الانتصار على حزب الله وحلفائه في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أسابيع وليشكك في إعلانها استردادها للأكثرية النيابية.
إذا كان صحيحا أن النتائج التي أحرزتها بعض الاحزاب والشخصيات المستقلة مهمة ولافتة، ولكن ليس إلى حد قلب الموازين في البلد كما ادعى البعض قبيل الانتخابات؛ فالصحيح أيضا أن الطائفة الشيعية التفّت حول ثنائيتها، وأن التيار الوطني الحر بالرغم من كل الفشل الذي مني به منذ انتخاب رمزه وملهمه رئيسا للجمهورية استطاع أن يحافظ على كتلة وازنة داخل البرلمان. لذا فإن انتخاب بري رئيسا للمجلس النيابي لا ينبغي أن يشكل مفاجأة لأي كان، لأنه الدليل الساطع على محاذير هذا النظام الفاشل الذي يمنع التغيير أو يرفضه ويعيش على التسويات التي تأتي غالبا على حساب أشياء كثيرة أولها عيش اللبناني بكرامة.
التغيير بحاجة إلى أفكار جديدة تلاقي رغبة شعبية تعطي شرعية لمن سيقدر أن يفرضه على معترضيه. في البال مثلا المملكة العربية السعودية. فالتغيير الحاصل بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان يعكس رغبة موجودة ويلبي بمكان ما تطلعات أغلبية مجتمع يتعدى من هم تحت سن الثلاثين 60 في المائة. الأهم أن هناك فكرة وهدفا وخطة مرسومة لهذا التغيير الذي ينعم به السعوديون.
هذا ليس متوافرا في لبنان: لا أفكار جديدة ولا رغبة شعبية في التغيير ولا خطة جدية والأهم ليس هناك من شخصية تستطيع أن تقود هذا التغيير.
للعودة لانتخاب بري، بعض الأحزاب والشخصيات التي تنسب لنفسها صفة التغيير قد تقول إن انتخابه أتى نتيجة ترجمة لرغبة الناخب الشيعي الذي أعطى صوته للثنائي «أمل- حزب الله»دون غيره، وبالتالي الخروج عن الإجماع الشيعي سيعتبر غير ميثاقي. نفس المنطق استعمل إزاء انتخاب الرئيس عون وقد طلب من غير النواب المسيحيين احترام رغبة ممثلي الموارنة.
هذا المنطق قد يصح في بلد يعتمد على التوافق كأداة للعمل السياسي مثل لبنان ولكن هذا يعني أن «التغييرين الجدد»يجب أن يتوقفوا عن إيهام الناس بإمكانية انقلاب ما تحدثوا عنه بإسهاب على الشاشات التي فتحت هواءها لهم لأنهم يعملون بوحي هذا النظام القائم. فهل التغيير المنشود يقوم على تغيير الوجوه فقط والإبقاء على نفس قوانين اللعبة؟ إذا كان هذا هو المبتغى فهذا لا يعد تغييرا إنما مجرد تبديل في مراكز السلطة. وهذا ما يبدو واضحا في السجلات القائمة في البلد حول الأكثرية والأقلية.
بالنتيجة نظام المحاصصة في لبنان قائم على رعاية حقوق الطوائف داخل الدولة، ومنذ 1920 ينتخب اللبنانيون طائفيا على هذا الأساس؛ أي الرجل الأنسب في المطالبة والمحافظة على مكتسبات الطائفة. في لبنان هذا الرجل يعد بنظر أبناء طائفته بطلا ولو كان الحفاظ على مكتسبات طائفته يمكن أن يأتي على حساب الدولة في الكثير من الأحيان.
عند بحث زعماء الطوائف عن إنشاء معامل للكهرباء أصر ممثل الموارنة الأول جبران باسيل على إنشاء معمل في منطقة سلعتا. هل كان هذا المعمل ضروريا لخطة الكهرباء؟ لا.. هل كانت تكاليفه مبررة؟ أكيد لا.. هل كان يمكن لخطة الكهرباء أن تقوم من هذا المعمل؟ قطعا نعم.. إذن لماذا كان هذا الإصرار من قبل باسيل ممثل الموارنة الأول على موضوع سلعتا؟ السبب بسيط والدوافع بحت طائفية بحيث يحصل المسلمون على معملين للكهرباء مقابل حصول الموارنة على واحد، ولو أدى إلى زيادة الأعباء على مالية الدولة.
على كل الأحوال ما وصل إليه البلد ليس محض صدفة، إنما يعود إلى سنين من الممارسات الخاطئة في إدارة الشأن العام.
هل هناك من تغيير ممكن؟ لا يبدو هذا الأمر في متناول اليد، فما رشح من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب لا يطمئن أبدا.