في 30 سبتمبر (أيلول) 2015 شنت الطائرات الروسية هجومها الأول في سوريا فكانت بداية التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد والميليشيات الإيرانية في حربهم ضد السوريين، ومع ذلك التاريخ بدأت محاولات إيهام المجتمعين العربي والدولي بأن التدخل العسكري الروسي ليس فقط لمحاربة الإرهاب كما ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل أيضا لوضع حد للهيمنة الإيرانية على سوريا دولة وأرضا.
بعد نحو 7 أعوام بدأ البعض يقرأ تقارير عسكرية واستخباراتية عن انسحاب لقوات روسية من سوريا لتحل محلها قوات وميليشيات موالية لإيران.
7 أعوام كانت خلالها روسيا تبيع الوهم لكل من يريد أن يشتري«سمكا في الماء»، ولكن عملانيا لم يكن ثمة أي مؤشر جدي على أن التدخل الروسي وضع أي حد للنفوذ الإيراني في البلاد.بل أكثر من ذلك، لقد أعلنوها صراحة أكثر من مرة أن التدخل الروسي جاء بناء على طلب إيراني، فبعدما فقدت إيران ومعها نظام الأسد السيطرة على نحو 70 في المائةمن سوريا لصالح قوات المعارضة آنذاك، كان لا بد أن يطلبوا النجدة من موسكو والتي وبسبب تدخلها عادت إيران ومعها نظام الأسد لتسيطر على معظم الأراضي السورية.
في العام 2018 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو روسيا، واتفق مع بوتين على أن تقوم موسكو بإبعاد الميليشيات الإيرانية من على الحدود السورية الإسرائيلية لمسافة 80 كيلومترا، بينما كان المطلب الإسرائيلي بداية هو إخراج الإيرانيين من سوريا،استطاع بوتين بيعهم سمكا في الماء، كذلك فعل مع غيرهم، والنتيجة أن إيران تسيطر اليوم على معظم الحدود السورية، ولا تتوقف عن إغراق دول الجوار بالمخدرات.
نجحت موسكو بتشتيت انتباه العالم عن التوغل الإيراني في سوريا، وساهمت عمدا بتقوية الإيرانيين في سوريا من خلال دعمها لرجلهم هناك، بشار الأسد. واليوم يستيقظ من وثق بالقيصر على تقارير انسحابه من سوريا لصالح إيران، كما استيقظت دول المنطقة يوما على خبر المفاوضات الأميركية الإيرانية والتوصل إلى الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وبكلتا الحالتين لم يكن الأمر على حساب دولة بعينها، بل المنطقة بأكملها دفعت الثمن بأمنها الوطني والقومي.وإن كان للاحتلال الإيراني لسوريا وجوه كثيرة، فإن إهمال أحدها لصالح فقط الوجود العسكري لميليشيات مدعومة من طهران، سيخلق «أحزاب الله»في سوريا، ولا يمكن أن ننكر أن مخاطر الاحتلال الإيراني لسوريا تتخطى حدود سوريا التي تحولت إلى خاصرة العرب الرخوة.
إيران تسيطر اليوم على الخط الواصل من طهران إلى المتوسط، ودمشق كما بغداد وبيروت عواصم محتلة بقوة السلاح الإيراني، والرهان أن منقذا ما سيحرر هذه الدول من الهيمنة الإيرانية أو يضع حدا لنفوذها هو رهان أثبت فشله، كما الاعتماد فقط على القوى الداخلية المتناحرة والضعيفة لم يؤت أي نتيجة، اليوم ومع «صدمة»البعض من انسحاب روسي من سوريا، ومن أن إيران هي من استفادت من الحرب الروسية على أوكرانيا، لا بد من ابتكار آليات جديدة للعمل كي لا نحصل على النتائج نفسها كما كل مرة، وقد تكون زيارة بايدن المرتقبة لدول الخليج والمنطقة فرصة للمكاشفة بعدما اكتشفت واشنطن أن نأيها بالنفس عن الشرق الأوسط جاء لمصلحة خصومها، وأن المنطقة لا تزال مهمة استراتيجيا لمن يريد مواجهة التمدد الروسي والصيني، وخصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وضرب بوتين عرض الحائط لكل المفاهيم والمواثيق الدولية في عقر الدار الأوروبي.
ولكن المكاشفة الأميركية وحدها ليست كافية، فإعادة ترتيب الأولويات أمر لا يقل أهمية، وإن كان من المتوقع أن تصعد إيران بالمباشر أو من خلال أذرعها كحزب اللهوالحوثيين وبشار الأسد، إلا أن اليوم هناك فرصة مع إعادة التموضع الأميركي، لإعادة التحالفات والتوازن إلى العلاقات بين دول المنطقة بعضها ببعض، وبين دول المنطقة والعالم، بما يضمن الاستقرار ويضع حدا لسياسة إيران الميليشياوية في المنطقة.