القاهرة: وسط تشابك المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية، والبلدان العربية خاصة مصر، أثار قرار الإدارة الأميركية برفع بعض الكيانات من القائمة السوداء للإرهاب والتي جاء ضمنها الجماعة الإسلامية في مصر، وجماعة أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء)، العديد من التساؤلات حول توقيت القرار، وهل يمثل طعنا للعلاقات المصرية الأميركية متشابكة المصالح؟ خاصة، وأن القرار يأتي في توقيت غاية في الصعوبة، حيث اشتداد الأزمات في ظل الصراع الأميركي الأوروبي في مواجهة روسيا وحربها في أوكرانيا..
فهل يأتي القرار في سياقه الطبيعي؟ أم أن له اتجاهات أخرى تخدم المصالح الأميركية وتتعارض مع المصالح المصرية، مما ينذر بسوء الفهم، أو التوترات بين مصر والإدارة الأميركية التي تسعى أو من المفترض أن تسعى إلى ترسيخ علاقاتها مع مصر والمنطقة العربية، خاصة في مثل هذا التوقيت؟
كما أثيرت التساؤلات حول مقاصد القرار وهل يأتي في إطار التمهيد لرفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب لتمرير الاتفاق النووي؟ أم أن القرار يهدف إلى إحياء هذه الكيانات مرة أخرى لاستخدامها في تحقيق مصالح أميركية، وهو ما يتعارض بالضرورة مع المصالح المصرية؟ أم أن القاهرة تتفهم مقاصد الإدارة الأميركية وتتوافق معها مما يعني أن القرار عديم الأثر بالنسبة للقاهرة؟
القرار لن يعيد إحياء الجماعة الإسلامية
القرار الأميركي برفع الجماعة الإسلامية وبعض الكيانات الأخرى من القائمة السوداء الأميركية للإرهاب، لن يضر بأي علاقات أميركية مصرية لأن مصر دولة متفهمة، وتعلم أن هذا القرار يخص الولايات المتحدة الأميركية، وفي النهاية الدولة المصرية تفعل ما تريده، وذلك حسب رؤية المفكر الإسلامي، والزعيم التاريخي للجماعة الإسلامية ومؤسسها الدكتور ناجح إبراهيم، في تصريحات خاصة لـ«المجلة» قال فيها: كثيرا ما اتخذت الإدارة الأميركية قرارات تخص مصر وكان لمصر قرارها الخاص بها، ورأيها الخاص بها أيضا، فحينما قامت الولايات المتحدة في العام 2001، بالقبض على أعداد كبيرة ممن سمتهم الإرهابيين كانت مصر تفرج عن الناس، فمصر دولة كبيرة ولا تتأثر بمثل هذه القرارات التي تخرج من الإدارة الأميركية.
وتابع إبراهيم قائلاً: الأمر الثاني، صحيح أن الدولة المصرية منعت الجماعة الإسلامية من القيام بأي نشاط مثل أي جماعة أخرى، ولكن ليس هناك صدام بين الدولة والجماعة فهما في حالة وئام، ولم تقم الجماعة الإسلامية بتشجيع، أو الحث على العنف، أو دعت للصدام مع الدولة، فهي بلا نشاط وبلا سلبيات وعلاقتها مع الدولة عادية، ليست حميمية، وليست فاترة، ولا هي صدامية، ولا هي سماح، ولا هي إغلاق تام، فهي مثل الحالة العادية التي تمثلها سياسة الدولة مع بقية الجماعات.
وعن القرار الأميركي برفع الجماعة الإسلامية من القائمة السوداء للإرهاب قال: يعتبر وساما على صدر الأشخاص الذين قاموا بمبادرة وقف العنف في العام 1997، والتي حولت الجماعة الإسلامية من جماعة إرهابية، أو متطرفة إلى جماعة سلمية لم تقم بأي عملية تفجير، أو عمليات عنف، منذ إعلان المبادرة، وإن كان هناك بعض الأفراد قاموا بصدامات مع الدولة، إلا أنهم أفراد قلائل، وهم خارج مصر، ولا يحسبون على المبادرة، ولا يحسبون على التيار العام للجماعة الإسلامية، وهذا القرار، إذا ما أخذناه بعيدا عن الضغط الإعلامي، يعتبر وساما على صدر المرحوم أحمد رأفت، ووساما على صدر الأمن المصري الذي قاد أكبر عملية تحول في التاريخ الحديث، وكان له ثناء كبير على المرحوم أحمد رأفت، الجنرال العظيم، وهو تتويج لجهد عظيم بذله وبذلته قيادات الجماعة الإسلامية الذين قادوا المبادرة. فالقرار لا يضر مصر، بل العكس لأننا حولنا جماعة مسلحة متطرفة، أو إرهابية، إلى جماعة سلمية، وأثبتت الأيام ذلك، فهذا شيء يفيد مصر لو نظرنا إليه بمنظور إيجابي.
تداعيات هذا القرار
وعن التكهنات التي يطلقها البعض من أن رفع الجماعة الإسلامية وبعض الكيانات في منطقة الشرق الأوسط من القائمة السوداء الأميركية للإرهاب، يمكن أن يعيد إحياء الجماعة وهذه الكيانات من جديد لأنها أصبحت مشروعة ويمكن إعادة تمويلها، قال ناجح إبراهيم: هذا كلام غير صحيح، لن يعيد القرار الأميركي الجماعة الإسلامية مرة أخرى لأنها لم يعد لها أي نشاط، ومعظم أفرادها موجودون داخل مصر، وليس هناك أحد من أفرادها في إطار تنظيمي محدد حاليا، وليس لهم نشاطات أو اجتماعات دعوية، أو غيرها، وفكرة أن القرار سيعيد إحياءها لا أساس له من الصحة لأنه قرار أميركي لا اهتمامات جوهرية حوله، وليس له مردود على الأرض. فالجماعة ليس لها أموال في الولايات المتحدة ولا يرغب أحد منهم في العيش في أميركا، ومعظمهم من البسطاء.
مقدمة لرفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة
وتابع: الأمر الآخر هو أن قرار رفع هذه الكيانات من القائمة السوداء هو توطئة لرفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني لتمرير الاتفاق النووي مع إيران، لوجود شروط إيرانية برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، والذي يعد القوة العسكرية الأكبر في إيران، وليس من المعقول أن تقوم الإدارة الأميركية برفع الحرس الثوري بشكل مباشر من قوائم الإرهاب، ولكن الخطوة الأولى هي رفع هذه الكيانات، التي تأتي الجماعة الإسلامية ضمنها من القائمة السوداء للإرهاب كخطوة أولى، يتبعها الخطوة التالية، وهي رفع الحرس الثوري من القائمة فتأتي هذه الخطوة منطقية، أو متوائمة، أو سلسة، لكن رفع الحظر لن يجعل الجماعة الإسلامية تعيد نشاطاتها، أو إعادتها لشبابها وحيويتها، ولن يعيدها إلى تطرفها، أو استخدام اميركا لها في حربها ضد روسيا، أو شيئا من ذلك، فكل هذا يعد من باب التحليلات أو التخمينات، من البعض غير العارفين بالتحليل السياسي، أو ممن يريدون تسخين الأجواء، أو الاصطياد في الماء العكر، فالوضع غير الوضع، والقياس غير القياس، والزمن غير الزمن، والقيادة غير القيادة، حتى قيادة الجماعة الإسلامية قيادة واعية وحكيمة، وسلمية ممثلة في الشيخ أسامة حافظ.
وتابع: لكن هناك البعض يطلق العنان للتخيلات التي يفترضها ومنها استخدام هذه الكيانات في الحرب الأميركية الأوروبية ضد روسيا، أو إنها سوف تستخدم كمخلب قط ضد مصر وأنها سوف تقوم مرة أخرى بنشاطاتها، وهذا كله غير صحيح، وحتى أن هذا القرار الأميركي مردوداته العملية والواقعية غير صحيحة، لكن الواقع أن الجماعة الإسلامية لم تمارس الإرهاب فعلا منذ فترة طويلة جدا منذ مبادرة وقف العنف في العام 1997، والقرار يعد قرارا منطقيا، وتوقيته مناسب للإدارة الأميركية.
وأكّد إبلااهيم أن الجماعة الإسلامية لم تكن تتنتظر هذا القرار، وأيضًا الدولة المصرية لم تكن في انتظاره.
وأكد أن الدولة المصرية ستمرر القرار بشكل عادي وطبيعي جدا، لأنها تفكر بمنطق وعقلانية، وليس بمنطق التهييج، والإثارة والتخوف.
نتائج منعدمة.. ولا آثار سلبية
القرار الأميركي برفع الجماعة الإسلامية، وبعض الكيانات الإرهابية في المنطقة من القائمة السوداء للإرهاب، لن يكون له أية آثار سلبية على مصر حسب مساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: لأن هذه الجماعات الإرهابية تم تحجيمها، وبالتالي سواء وضعتها واشنطن على قوائم الإرهاب، أو رفعتها من القائمة فلا قيمة لذلك، وليس صحيحا ما يثار حول أن القرار سوف يعيد إحياء هذه الجماعات، لأن الجماهير نفسها عرفت أن تيارات الإسلام السياسي ضد الإسلام والمسلمين، وأن إسرائيل تؤيد هذه الجماعات، كما أن تنظيم داعش هو صناعة إسرائيلية وأميركية، وبالتالي معايير وضع منظمة معينة على قوائم الإرهاب الأميركية أو عدمه هي معايير متغيرة، ولكنها لن تؤثر مطلقا على مجمل العلاقات المصرية الأميركية، ولن يعكر صفو العلاقات بينهما مهما كان أثره في حين أن هذا القرار ليس له أثر نهائيا على المجتمع المصري، ولكن الإدارة الأميركية اصدرت مثل هذا القرار بناء على حسابات استخباراتية، وليس حسابات سياسية، فمثلا جماعة الحوثي كانت مدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية وتم رفعها مما أغضب الرياض فالولايات المتحدة لها معايير مختلفة عن الدول الخارجية، ولكن من المفترض ألا تغضب هذه الدول من الولايات المتحدة، لأن العلاقات معقدة وفيها حسابات المصالح، والعلاقات بين واشنطن والدول العربية على وجه الخصوص فيها مصالح كثيرة تتأثر بمثل هذا القرار، لكن تيارات الإسلام السياسي لم تعد مؤثرة في الرأي العام والعلاقات المصرية الأميركية لن تتأثر بمثل هذا القرار، فالمصالح الأميركية تقتضي إصدار هذا القرار، لكن ربما تكون المصالح المصرية لا تقتضي ذلك، فيحدث تواصل وتفاهمات بين الطرفين حول رفع هذه الكيانات من قوائم الإرهاب، ولكن مصر تنجو من أزمات هذه الكيانات خاصة جماعة أنصار بيت المقدس وفي نفس الوقت تقوم الإدارة الأميركية بالعمل مع الجانب المصري في مواجهة هذه الكيانات الإرهابية وهذا ما قد يجعل هناك تعاونا مصريا أميركيا فيما يتعلق بمواجهة الكيانات التي تم رفعها من قوائم الإرهاب، وهناك مصالح عريضة جدا بين مصر وأميركا فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب والمسائل الأمنية.
ورأى الأشعل أن هذا الموضوع سوف يدخل في دائرة المفاوضات بين الطرفين حتى لا يكون القرار الأميركي ضاراً بالمصلحة المصرية.
قرار غير مفهوم يدعو للاستغراب
بدوره قال الخبير في الإسلام السياسي والحركات الإرهابية ماهر فرغلي: واشنطن تراجع هذه القائمة كل عام فتضيف لها جماعات، وترفع أخرى طالما ثبت أنها توقفت عن الإرهاب أو تم حل الجماعة، وهذا ما حصل مع الجماعة الإسلامية في مصر. وهناك عدة تحولات فارقة شهدتها الجماعة منها تفعيل مبادرة وقف العنف، وتوقف عمل الجماعة تماما في العام 2015، وتولي أسامة حافظ قيادتها وحل البناء والتنمية وانهيار الجماعة، حتى إنها أصبحت غير موجودة عمليا على الأرض، وأعتقد أن رفع الجماعة من قائمة الإرهاب كان لسببين، الأول يتعلق بعدم وجودها عمليا، والثاني أنها لم يثبت عليها القيام بممارسة العمل المسلح منذ العام 1997، وسواء تم إضافة الجماعة، أو حذفها من القائمة فلا تأثير لهذا القرار على تلك الجماعات لأن هذه الجماعات ليس لها حسابات بنكية باسمها، أو أسماء قياداتها، كما أنها لا تعلن مطلقا اسمها على أي مؤسسة لها خارجيا، أو داخليا.
وفي رؤية مغايرة لهذه التصورات، أكد الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أحمد بان، أن قرار الخارجية الأميركية برفع الجماعة الإسلامية من قوائمها للإرهاب حول العالم قرار يدعو للاستغراب، وأن موقف وقرار الإدارة الأميركية غير مفهوم، فالولايات المتحدة قد خاضت حروبا وتحالفات دولية في إطار الحرب على الإرهاب، وربما جاء هذا القرار في إطار المكايدة السياسية لمصر والدول العربية التي تضررت بشكل كبير من ممارسات الجماعات المتطرفة، والتي ترفع عنها الولايات المتحدة الأميركية الحظر، وكأنها كيانات سياسية مصنوعة، أو أحزاب سياسية تعيش في ظروف طبيعية، وان الولايات المتحدة عودتنا على اتخاذ موقف ملتبس دائما تجاه الإرهاب، والإرهابيين، وهذا ليس الموقف الأول في هذا الاتجاه، كما أنها أول من استخدمت هذه الجماعات لتحقيق أهدافها على حساب أمن الشعوب ومصالح الدول.
شاركه في هذه الرؤية الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق، قائلا: هذا القرار يمثل محاولة لإعادة إحياء نشاط تلك الكيانات المتهاوية، ومنحها الشرعية، وهو بمنزلة فرصة لتمويلها. الدولة المصرية حققت نجاحات كبيرة في القضاء على تنظيم ولاية سيناء، لكن في الفترة الأخيرة تم تمويل التنظيم ودعمه بعناصر أجنبية جديدة ومدربة، وهذا الأمر لا يعد مصادفة، خاصة أن الإدارة الأميركية بزعامة الديمقراطيين لديها ميول قوية لتوظيف تيار الإسلام السياسي والجماعات الأصولية ضد خصومها وتحقيق أجندتها. كما أن الجماعة الإسلامية- حسب عمرو فاروق- لم تتنازل عن أفكارها، وأن المراجعات الفكرية تمثل تكتيكا سياسيا للهروب من قبضة الأمن وترقب فرصة تموضع التنظيم مرة أخرى في بيئة أكثر ملاءمة تمكنه من تحقيق أهدافه والإعلان عن رؤيته، وكان هذا جليا في مرحلة ما بعد سقوط حكم الإخوان من الميل تجاه العنف واشتراك بعضهم في أعمال عنف ضد مؤسسات الدولة. كما شاركت الجماعة الإسلامية في الحياة السياسية «تكتيكيا» رغبة منها في إثبات الوجود، وإعادة التموضع والظهور للرأي العام حتى تتمكن من السيطرة على مفاصل الدولة، وأجهزتها سعيا إلى إقامة دولة الخلافة.