بون: شهدت ألمانيا خلال السنوات الخمس الأخيرة تزايدا في عدد الجماعات اليمينية المتطرفة، والتيارات الشعبوية، ونجحت الجماعات اليمينية بتنظيم أنشطتها وتوزيع الأدوار، ما بين النشاط السياسي المنظم، وتنظيم التجمعات الشعبوية اليمينية وخلايا سرية جدا تنفذ عمليات إرهابية.
وقد اعترفت الاستخبارات الألمانية بأن خطر اليمين المتطرف منذ عام 2020 أصبح أكثر خطورة ربما من تهديد الجماعات الإسلاموية المتطرفة أو يوازيها. وتكمن الخطورة في تغلغل اليمين المتطرف داخل مؤسسات الأمن والجيش والمؤسسات الحكومية، مما أصبح تهديدا مباشرا إلى السياسيين والسامية والأجانب.
واليمين المتطرف، لا يمثل تهديدا للأجانب فقط، بل لكبار السياسيين الألمان والعاملين في مؤسسات الدولة.
وتأكيدا على هذه التهديدات، أكد وزير الداخلية الألماني السابق هورست زيهوفر، يوم 5 مارس (آذار) 2020 أن الخطر الأكبر حاليا في ألمانيا يصدر من التيار اليميني. وأن التطورات الحاصلة من جانب الشبكة الإرهابية اليمينية مثل شبكة «إن إس يو»، حتى اليوم توضح أن «حالة التهديد من قبل التيار اليميني المتطرف في بلدنا تعد كبيرة للغاية ولا يمكن التهوين منها بأي شكل»، وفقا لتقرير «DW» بعنوان «زيهوفر: هطر اليمين المتطرف في ألمانيا بات الأكبر».
مؤشرات تهدد النظام الديمقراطي في ألمانيا
أكدت وزيرة الداخلية الاتحادية فيزر أنه بالإضافة إلى الملاحقة القضائية لحالات التطرف في السلطات، فإن الوقاية مهمة بشكل خاص داخل سلطات الأمن الفيدرالية، تم العثور على 138 موظفًا متطرفا، وهي مؤشرات فعلية تهدد النظام الديمقراطي في ألمانيا و189 حالة في الأجهزة الأمنية للولايات الاتحادية، تشمل سلطات الأمن الفيدرالية الشرطة الفيدرالية والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية وشرطة البوندستاغ والجمارك ودائرة المخابرات الفيدرالية والمكتب الفيدرالي لحماية الدستور والقوات المسلحة الفيدرالية. تقرير وزارة الداخلية الأخير الصادر في يوم 13 مايو (أيار) 2022 من يوليو (تموز) 2018 إلى يونيو (حزيران) 2021، تم تقييم 176 حالة على المستوى الفيدرالي و684 حالة على مستوى الولاية. وفقًا لمكتب حماية الدستور، يوجد حوالي 13300 متطرف يميني عنيف في ألمانيا.
الواقع الجديد للمتطرفين اليمينيين
قدمت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر ورئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV)، توماس هالدينفانغ، يوم 13 مايو 2022 تقرير الواقع الجديد للمتطرفين اليمينيين ومواطني الرايخ، والذين تدور حولهم شبهات الانتماء إلى الجماعات اليمينية المتطرفة في الأجهزة الأمنية وأكدت نانسي فيزر بالقول: «لذلك، يجب أن يكون لكل حالة تطرف عقوبة ردع». وأضافت: «ومن أجل القيام بذلك، يجب علينا استنفاد جميع الخيارات القانونية وسأقدم مشروع قانون لتعديل قانون الانضباط الاتحادي في وقت لاحق من هذا العام 2022 وسنواصل تعزيز الوقاية في اختيار الموظفين والاتصال في السلطات». وفي أعقاب ذلك أنشأت وزارة الداخلية قاعدة بيانات صالحة وقابلة للمقارنة.
وتشمل الجهات الأمنية المذكورة هنا: المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV)، والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية (BKA)، والشرطة الفيدرالية(BPOL)، وشرطة البوندستاغ (PolDBT)، ودائرة المخابرات الفيدرالية (BND)، والمكتب الفيدرالي لخدمة مكافحة التجسس العسكري (BA- MAD) مع البوندسفير، وإدارة الجمارك (الجمارك)، وسلطات الدولة للحماية الدستورية (LfV) وقوات الشرطة في الولايات الاتحادية.
حركة «مواطنو الرايخ»
تنتهج حركة «مواطنو الرايخ» الفكر اليميني المتطرف وليس لها هيكل موحد، وتسعى إلى تحقيق أهدافها بالعنف. وبالرغم من أن الحركة مسلحة بصورة جزئية. ولكن درجة تسلح هذه الحركة لا تزال مرتفعة. لا سيما أن التقارير الاستخباراتية تكشف أن أعضاءها على استعداد تام لاستخدام الأسلحة فى تنفيذ مخططات إرهابية. وتعد منصات التواصل الاجتماعي أداة مهمة لحركة «مواطني الرايخ» لنشر آيديولوجيتهم واستقطاب أنصار ومتعاطفين جدد. ما قد يشكل تهديداً بصفة عامة على اللاجئين والأجانب وعلى المجتمع الألماني ككل بصفة خاصة .
استراتيجية «التدمير البناء»
يعتمد اليمين المتطرف فى ألمانيا استراتيجية «التدمير البناء» التي تهدف لترسيخ مفهوم عدم الاعتراف بالمؤسسات. ويطبق اليمين المتطرف تلك الاستراتيجية داخل الجيش الألماني عبر تكوين «جيش ظل». وكشفت اعترافات ضباط من قوات النخبة الألمانية عن تكوين النازيين الجدد لـ«جيش ظل» داخل قوات النخبة. وكانوا يعدون لـ«اليوم X» الذي كان مخصصا لإحداث فوضى داخل المؤسسة العسكرية، من أجل إحكام السيطرة على النظام السياسي فى ألمانيا. التطلعات اليمينية المتطرفة تهدد مستقبلا على نحو خاص المؤسسات العسكرية الحساسة فى ألمانيا. لأن تنامي حالات المشتبه بهم داخل الجيش الألماني أصبح أمرا يؤرق الاستخبارات الألمانية. وأصبح الجنود المتطرفون يشكلون خطرا على زملائهم المنحدرين من أصول أجنبية، إضافة إلى خطورة نشر أفكارهم داخل الجيش الألماني.
رسائل بريد إلكتروني تحتوي على تهديدات بالقنابل
تراقب السلطات الأمنية الألمانية إرسال رسائل إلكترونية يرسلها جماعات اليمين المتطرف، فيها الكثير من التهديدات والابتزاز. يهدد المرسل أو المرسلون، على سبيل المثال، بأنهم سيبيعون سوف يرتكبون هجمات يمينية متطرفة إذا لم يتم تحويل مبلغ كبير من المال بالعملة الرقمية. تلقت المحاكم والمؤسسات البلدية والمؤسسات العامة الأخرى في عام 2019، رسائل بريد إلكتروني تحتوي على تهديدات بالقنابل، وكذلك تهديد السياسيين في عموم ألمانيا.
ويتداول المرسلون تحت اسم «Staatsstreichorchester» (مجموعة الانقلاب)، وحصلت السلطات الألمانية الأمنية في السنوات الأخيرة على معلومات واسعة حول المعارضين السياسيين للمتطرفين اليمينيين، والتي أشارت إليها تقارير وسائل الإعلام باسم «العدو» أو «قوائم الموت» التي تصدرها عادة الجماعات اليمينية المتطرفة. الأشخاص المدرجون في القائمة هم في الغالب مسؤولون ومواطنون. ولغرض التهديد يتم أيضًا نشر بعض هذه القوائم على مواقع الإنترنت تهدف إلى ترهيب الأشخاص المعنيين.
التطرف اليميني في «الجيش الألماني»
زادت التقارير عن التطرف اليميني في الجيش الألماني في ربيع وصيف عام 2020، خاصة في قيادة القوات الخاصة في نهاية شهر يونيو (حزيران) من عام 2020، تحدث كريستوف غرام، رئيس جهاز مكافحة التجسس العسكري آنذاك، في جلسة استماع عامة للجنة المراقبة البرلمانية لأجهزة المخابرات الألمانية حول «بُعد جديد لمشكلة التطرف اليميني في الجيش الألماني» وارتفع عدد الحالات المشتبه فيها للمتطرفين اليمينيين و«مواطني الرايخ» في البوندسفير إلى أكثر من 600 في الأشهر الأخيرة. إننا نلقي نظرة فاحصة على المتطرفين وأيضًا على الأشخاص الذين لا يلتزمون بالدستور.
وأوضح رئيس مخابرات الدفاع آنذاك لهيئة الرقابة البرلمانية لأجهزة المخابرات الألمانية أن جنود الجيش الألماني عليهم واجب مهني في أن يكونوا مخلصين للدستور: «أي شخص ينكر حالة قانوننا الأساسي، ويعبر عن لغة عنصرية أو معادية للأجانب أو معادية للسامية لا يمكنه البقاء في الجيش». ذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» في بداية يوليو (تموز) 2020 أن الجيش الألماني استبعد أكثر من 800 جندي احتياطي من واجبات الاحتياط للاشتباه في التطرف بعد عمليات التفتيش الأمنية. مشكلة «التطرف اليميني في القوات الخاصة ليست جديدة، لكنها اتخذت شكلاً جديداً كماً وكيفاً في ربيع 2020. وفقًا لمعلومات تلقتها استخبارات الجيش في بداية عام 2020، فتش محققو الشرطة من مكتب الشرطة الجنائية في ولاية ساكسونيا منزلًا خاصًا وحديقة لجندي كوماندوز وعثروا على عدد كبير من الذخيرة هناك- عشرات الآلاف من طلقات الذخيرة وعدة طلقات وكيلوغرامات من المتفجرات- وكذلك أسلحة. ألقي القبض على الشخص المذكور وهو محتجز منذ ذلك الحين.
اليمين المتطرف داخل أجهزة الأمن الألمانية
كشفت وزارة الداخلية عن وجود 327 موظفًا في أجهزة الأمن الألمانية هم من المتطرفين اليمينيين يعملون في الشرطة والجمارك والقوات المسلحة أو مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية عملوا لمدة 3 سنوات، وتمكنت الاستخبارات الداخلية، مكتب حماية الدستور من فحص أكثر من 800 مؤشر على التطرف اليميني، واستطاع إثباتها في 327 حالة. يُنظر من يطلق على أنفسهم "مواطنو الرايخ" وهم الأشخاص الذين يقولون إن جمهورية ألمانيا الاتحادية ونظامها القانوني غير موجود أبدا، أي لا يعترفون إلا بنظام النازية ويرفضون الولاء للدستور الحالي .
وفي تعليق خاص للصحفي والإعلامي من مدينة بون الألمانية عباس الخشالي حول حجم مخاطر اليمين المتطرف يقول: «اليمين المتطرف في ألمانيا وفي مؤسسات الدولة الألمانية لم يكن يتطرق له بمستوى الحجم الحالي، وخاصة ما بعد عام 2015، السبب أن اليمين أصلا كان موجودا في ألمانيا ولكنه كان محصورا في الجماعات النازية (الحزب النازي الجديد)، والذي تراجع بسبب إجراءات وكالة حماية الدستور، الاستخبارات الداخلية الألمانية والمحكمة الدستورية العليا ولكن جاءت بدائل إلى الحزب النازي، وكثير منهم أي من أعضاء الحزب هم موجودون في مؤسسات الدولة».
وأضاف الخشالي: «إن تقدير حجم اليمين المتطرف في ألمانيا عملية صعبة، لكن يمكن مقارنتها على مستوى ظهور اليمين المتطرف في المجتمع، فحجم التواجد اليمني يمكن القول بأنه 1 = 1 أي 1 في المائة، وهكذا لسبب أن التطرف اليميني موجود مع بعض أفراد المجتمع، وهذه معضلة كبيرة تواجهها الدولة الألمانية ويواجهها أيضا المجتمع والأحزاب الألمانية الأخرى».
ويرى الخشالي أن عملية مكافحة اليمين المتطرف عملية صعبة جدا، لأن هؤلاء داخل مؤسسات الدولة ويفهمون جيدا ميكانيكية حماية الدولة، وهذا ما يمكنهم من التخفي، فالخطير في تواجد اليمين المتطرف أنه متخفٍ ولا يترك إشارات ظاهرة، ويكمن الخطر في الجماعات التي تحمل فكر اليمين المتطرف ولا تظهر «علانية» أو تحمل إشارات مثل حلق الرؤوس وغيرها، فإذا الفكر اليميني هو الأخطر وهو غير واضح المعالم داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وهذه الجماعات لا تثق بأي شخص، لذا هذه الجماعات لا تظهر فكرها اليميني المتطرف مهما كانت العلاقة وهنا تكمن الخطورة.
إجراءات وقائية
دعا الخبراء مكاتب الدولة لحماية الدستور إلى «فحص» عما إذا كان المتقدمون للتطوع في الجيش كان لهم من قبل سلوك يميني متطرف وكانت النتيجة: في ست ولايات اتحادية فقط، تجري الشرطة مثل هذه الاستفسارات (الفحص) للمتقدمين وهي: (بافاريا، بريمن، هامبورغ، شمال الراين- وستفاليا، راينلاند بالاتينات، سارلاند) أما في الولايات الفيدرالية الأخرى، فتطلب الشرطة البيانات فقط إذا كان هناك شك مثل ولايات: (براندنبورغ، هيس، ساكسونيا أنهالت، شليسفيغ هولشتاين) أو لا تطلبها على الإطلاق مثل ولايات (بادن فورتمبيرغ، برلين، مكلنبورغ- فوربومرن، ساكسونيا السفلى، ساكسونيا، تورينجيا. وتقوم الشرطة الاتحادية الآن والمكتب الاتحادي لحماية الدستور والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية والقوات المسلحة الاتحادية بتنفيذ هذه الاستفسارات بشكل منظم.
وضمن جهود وزارة الداخلية استحدثت وظيفة «ضابط محاربة التطرف» في السلطات الأمنية والدفاع ودعا الخبراء إلى تعيين ضباط التطرف في المؤسسات الألمانية الأخرى. و«ضباط محاربة التطرف» هم جهات اتصال داخلية للسلطة في حالة الاشتباه في المواقف اليمينية المتطرفة. إنهم يدعمون الإجراءات الوقائية وينظمون دورات تدريبية. وفي أعقاب ذلك عينت خمس ولايات فيدرالية ضباطا متطرفين في شرطة الولاية (برلين وبراندنبورغ ونورد راين فيستفالن وساكسونيا وساكسونيا أنهالت) ولا تمتلك غالبية الولايات الفيدرالية مثل هذه الهيئات مثل ولايات: (بادن فورتمبيرغ، بافاريا، بريمن، هامبورغ، هيس، مكلنبورغ- فوربومرن، ساكسونيا السفلى، راينلاند بالاتينات، سارلاند، شليسفيغ هولشتاين، تورينجيا).
لكن لا يوجد ضابط محاربة التطرف في الشرطة الفيدرالية. ويوجد في مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية ضابط مسؤول لهذه المهمة، في البوندسفير، الجيش وفي «مكتب تنسيق قضايا التطرف المشتبه بها» ويقيم ضابط محاربة التطرف، دورات تدريبية حول العنصرية والتطرف اليميني ويوصي الخبراء بأن تلعب موضوعات محاربة التطرف اليميني والعنصرية دورًا كبيرا في تدريب الشرطة والتعليم الإضافي.
كانت ولاية شمال نهر الراين، الولاية الفيدرالية الوحيدة التي ذكرت أنها نفذت دورات تدريبية إلزامية حول العنصرية والتطرف اليميني لجميع خدمات الطوارئ. ويدعو المكتب الاتحادي لحماية الدستور والقوات المسلحة الاتحادية إلى التدريب الإلزامي لجميع خدمات الطوارئ، لكن مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية والشرطة الفيدرالية لا يفعلون ذلك.
المعالجات المقترحة:
ـ سحب تراخيص السلاح من الجماعات والعناصر اليمينية المتطرفة.
ـ وقف المدفوعات من وإلى شبكات اليمين المتطرف.
ـ «إبعاد» اليمينيين المتطرفين من الخدمة العامة.
ـ رفع المحتوى المتطرف بسرعة من الإنترنت.
ـ تعزيز التربية السياسية والكفاءة الإعلامية.
ـ توفير حماية أفضل للسياسيين المحليين.
ـ أخذ احتياجات ضحايا الأعمال اليمينية المتطرفة في الاعتبار بشكل أكبر.
ـ تعزيز برامج الاندماج والتكامل الأجتماعي.
ـ تعزيز الأمن المجتمعي.
ـ التعاون الأمني بين وكالات الأمن في الولايات والمكتب الاتحادي.
ـ اتباع عمليات «فحص» إلى العناصر التي تتقدم بالعمل إلى مؤسسات الأمن والدفاع وربما المؤسسات الحكومية العامة.
ـ إخضاع أفراد الشرطة وأجهزة الأمن تحديدا إلى دورات «تثقيفية» ضد العنصرية والتطرف.
ـ فرض رقابة مشددة على العناصر الخطرة داخل التيارات اليمينية، والذين يمكن أن ينفذوا عمليات إرهابية.
ـ فرض رقابة مشددة على «الشبكة المظلمة»، وتتبع الصفقات التي تتم في هذه الشبكة المظلمة.