حوار مع البروفيسور فريد هاليداي، الكاتب والأكاديمي، حول مستقبل الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط

حوار مع البروفيسور فريد هاليداي، الكاتب والأكاديمي، حول مستقبل الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط

[escenic_image id="5510632"]

المجلة: هل كانت هناك أي فرصة حقيقية أمام الجمهورية الإسلامية لإنهاء موجة الاحتجاجات الديمقراطية التي اندلعت بعد الانتخابات الإيرانية التي عقدت في شهر يونيو/حزيران، أم أن الأمر ببساطة لم يكن سوى مجرد نوع من التمني من جانب الصحافة الغربية؟

كانت حركة الاحتجاج التي اندلعت في يونيو/حزيران على قدر كبير من الأهمية. فهي إشارة واضحة على الرفض الواسع النطاق لسياسات خامنئي وأحمدي نجاد، بعد مرور ثلاثين عاما من الثورة الإسلامية، حيث إنها تمثل تجمعًا لتيارات عديدة ومختلفة من الاحتجاج، التي يرغب العديد منها في أن تصبح إيران أكثر انفتاحًا على العالم مثل غيرها من البلاد الطبيعية. فالشعب يريد أن يحصل على حريته. وتشبه هذه الحركة الاحتجاجية في بعض جوانبها الحركة الشعبية التي اندلعت في أوروبا الشرقية ضد الأنظمة الشيوعية خلال حقبة الثمانينيات. ومع ذلك، فلو ظلت المؤسسات الرئيسية للدولة على اتحادها، وخاصة القوات المسلحة والحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات، فإن المعارضة لن تكون قادرة على فعل شيء. وأثناء فترة حكم جورباتشوف في الثمانينيات، فقدت القيادات الشيوعية الأوروبية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية الرغبة في البقاء في السلطة، وتخلت تحديدًا عن استخدام القوة للبقاء في السلطة. ولكن هذا لم يحدث بعد في إيران.

المجلة: كيف سيؤثر هذا الاختلال الداخلي على سياسة إيران الخارجية، وخاصة فيما يتعلق بسعي إيران لامتلاك برنامج نووي؟

الخلاف بين الفصائل المختلفة حول السياسة الدولية أقل بكثير من خلافها حول السياسة الداخلية. فالجميع متفق على ضرورة امتلاك إيران لبرنامج نووي. ولكن الملفت للنظر هو أن صعود حركة ديمقراطية واسعة داخل إيران لم يثر مزيدًا من الاهتمام والتعاطف من جانب العالم العربي. وأيا كان ما سيحدث في طهران، ستظل إيران تحتفظ بنفوذ قوي في المنطقة.

المجلة: ما دور إيران فيما يحدث في العراق والبحرين واليمن؟ وكيف يمكن مقارنة هذا الدور بالأدوار الأخرى التي تلعبها القوى الإقليمية المعنية؟

الدور الإيراني في العراق يختلف تمامًا عن الدور الذي تلعبه إيران في البحرين. فلدى إيران نفوذ كبير في العراق. فإلى جانب ما تتمتع به إيران من علاقات قوية مع أحزاب المعارضة المختلفة، إلا أنها في واقع الأمر تعمل على دعم الحكومة في بغداد، حيث تتفق الأهداف الإيرانية في نواح كثيرة مع أهداف الولايات المتحدة في هذا الشأن. فكلتا الدولتين  تهدفان إلى أن يكون العراق بلدًا مستقرًّا وموحدًا ومزدهرًا. ولكن من الواضح طبعًا أن إيران تريد أن تكون أي حكومة عراقية مستقبلية صديقة لها. أما في البحرين، فقد تخلت إيران منذ فترة طويلة عن سياساتها غير المسئولة والمتمردة التي كانت تتبعها في السنوات التي أعقبت الثورة الإسلامية مباشرة. والتوتر الموجود حاليًا في البحرين لا يعود للتدخل الخارجي بقدر ما يعود للسياسة الداخلية البحرينية. وبالنسبة لليمن، فإن دور إيران مبالغ فيه بشكل كبير. فالمشاكل الداخلية الحادثة في اليمن، بما في ذلك الثورات التي اندلعت في الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد، كانت نتيجة الرفض الشعبي للحكومة اليمنية. والمملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي لها تأثير كبير في اليمن. ولكنها وجدت صعوبة في استخدام هذا النفوذ في العقود الماضية.

المجلة: بعد مرور تسعة عشر عاما على توحيد اليمن إلا أنه لا يزال غير مستقر إلى حد كبير. فهل تستوطن المشاكل هذا البلد؟

لقد أصبح اليمن أكثر اضطرابًا، وذلك يعود لسببين رئيسيين هما: أولا، سيطرة الحكومة الاشتراكية السابقة على معظم أجزاء اليمن، باستثناء بعض أجزاء من اليمن الجنوبي السابق. وهو ما يثبته الواقع التاريخي، حيث كانت سلطة الدولة في اليمن دائمًا محدودة للغاية. فالقبائل اليمنية كانت دائمًا تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد زاد استقلالها بشكل كبير في الآونة  الأخيرة. وثانيًا، قيام نظام الحكم الذي أنشأه الرئيس علي عبد اللـه صالح منذ توليه السلطة في عام 1978، والذي امتد في فترة التسعينيات ليشمل الجنوب السابق، على الفساد والاصطفائية والسعي إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل من قِبل النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة. ومن ثَم فهذه المشاكل هي بالفعل مشاكل "متوطنة" وليست نتيجة تدخل خارجي.

المجلة: هل هناك أمل في نجاح التدخل الإقليمي في اليمن؟

عادة ما يفشل التأثير الخارجي في إحراز نجاح ملموس، إلا عندما تكون لدى جميع الأطراف المعنية رغبة صادقة  في تحقيق ذلك. أما بالنسبة للتدخل الخارجي الذي يتم من خلال إرسال قوات عسكرية، فإنه غالبًا ما يؤدى إلى رد فعل مضاد. ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما حدث في لبنان والعراق وأفغانستان في العقود الأخيرة. ولا يملك العالم الخارجي سوى أن يقوم برصد الأحداث وتقديم المشورة. ولكن إذا لم يستطع  اليمنيون إيجاد حل لمشكلاتهم، فليس بإمكان بقية دول العالم أن تفعل شيئًا من أجلهم.

المجلة: بالنظر إلى ما يحدث في إيران واليمن، وما تفعله حماس في غزة، من وجهة نظركم، في أي اتجاه تسير الحركات السياسية الإسلامية؟

إن التعميم الوحيد الذي يمكننا استخدامه، ونحن على ثقة كبيرة من صحته، هو أن الحركات الإسلامية، بوصفها حركات سياسية وأيديولوجيات سياسية، ستظل تحظى بالأهمية في جميع أنحاء المنطقة لسنوات عديدة مقبلة. فظهور جماعات سياسية معينة، أو جماعات مسلحة معينة هو جزء من عملية أوسع نطاقًا بكثير من التغير الاجتماعي والثقافي الذي يواصل انتشاره في المنطقة، والذي سيشكل فيما بعد إطارًا للعمل السياسي لسنوات عديدة مقبلة. ويمكن رؤية هذا بوضوح من خلال النظر، على سبيل المثال، إلى المجتمعات العربية في كل من سوريا والعراق ومصر والمغرب.

وبخلاف هذا التعميم، يوجد الكثير من الاختلافات. فمن الخطأ دائمًا إعطاء تعميمات بشأن الحركات الإسلامية، أو بشان أي نوع من التغيير السياسي في البلدان المختلفة. وبطبيعة الحال، فإن ما يحدث في أحد البلدان سيكون له بلا شك تأثير على البلاد الأخرى.  ولكن بطبيعة الحال أيضا فإن كل حركة لها جذور وطنية، ويجب أن يتم تقييم مستقبلها من خلال ما يحدث في البلد الذي نشأت فيه، فلا طائل من وراء مقارنة ما يحدث في أفغانستان بما يحدث في لبنان أو الصومال. والشيء الذي يؤكد هذه الحقيقة هو أنه على الرغم من أن هذه الحركات على اتصال ببعضها البعض وكل منها تشكل مصدر إلهام وقدوة للأخرى، فإن التعاون فيما بينها لا يتم بطريقة منسقة، كما كانت الحركات الشيوعية السابقة تفعل فيما بينها.

وبشكل عام، فهناك ما لا يقل عن أربع فئات من الحركات الإسلامية. فأولاً، هناك الدول التي حاولت فيها الحركات الإسلامية المسلحة في حقبة الثمانينيات والتسعينيات وبدايات الألفية الجديدة الاستيلاء على السلطة، ولكنها محاولات مُنيت بالفشل، وشعبيتها الآن في تراجع مستمر. وهذه الدول هي الجزائر وليبيا ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية. وربما كان العراق أيضًا مثالا على ذلك، حيث إن القوى المعارضة الرئيسية النشطة عسكريًّا الآن هي قوى معارضة وطنية أو إقليمية وليست قائمة على عقيدة دينية سنية أو شيعية. ولكن من المؤكد أن الأمور ستختلف لو قرر جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر تحويل المعارضة إلى معارضة مسلحة من جديد، أو إذا ما سقطت البلاد، في أعقاب الانسحاب الأمريكي، في براثن حرب أهلية سنية - شيعية خطيرة. وثانيًا، هناك دول طال فيها بقاء الحكم الإسلامي الراديكالي، بحيث أصبحت هناك الآن معارضة متزايدة لسيطرة هذا النوع من الحكم. ومن أمثلة هذه الدول إيران والسودان، حيث يرغب نظام الحكم الإسلامي في كلتا الدولتين في  البقاء في الحكم للأبد. وثالثا، هناك البلدان التي اكتفت فيها الحركات الإسلامية، بعدما حاولت قلب نظام الحكم في تلك البلاد، بأن يكون لها دور في العملية السياسية، على الأقل في الوقت الراهن. وتعد تركيا من أهم الأمثلة على ذلك، فالإسلاميون موجودون في السلطة منذ عام 2002. ومن الأمثلة الأخرى في هذا الصدد المغرب والأردن وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب اللـه في لبنان بطبيعة الحال. ولكن سيظل السؤال قائمًا حول إذا ما كانت هذه الجماعات سوف تنجح في زيادة نفوذها وتأثيرها من خلال العمل السياسي، أم أنها ستنفصل عن النظام الحاكم في المستقبل وتعود إلى الثورة والتمرد من جديد. وأخيرًا، هناك تلك البلدان التي يدور فيها صراع مسلح علني بين الجماعات الإسلامية والدولة. وتتضمن قائمة هذه الدول الصومال واليمن وفلسطين وأفغانستان وباكستان. ففي الصومال وجزء من فلسطين (غزة) استولت الجماعات الإسلامية المسلحة على السلطة. وتواصل جماعات إسلامية أخرى في غيرها من الدول شن العمليات العسكرية ضد حكومات دولهم. ولكنني لا أرى أن هناك أي احتمال في انتصار سريع لهذه الجماعات المسلحة في المستقبل القريب، أو أي احتمال لحدوث تسوية سياسية لتلك الصراعات. فلا تزال هناك الكثير من الفصول التي لم تكتب بعد في تاريخ الحركات الإسلامية.

font change