مع صدور النتائج النهائية من قبل وزارة الداخلية والتي نجحت في إجراء الانتخابات النيابية بعد الكثير من الصعوبات والإشاعات بأنها لن تجرى، أسدل الستار عن معركة أخرى تنافسية صاخبة يمكننا القول إنها نتجت عنها بعض التغييرات الصغيرة كانتخاب وجوه جديدة من خارج إطار النادي السياسي التقليدي والتي نجحت في التعبير ولو بشكل محدود عن مزاج الناخب اللبناني الغاضب على الطبقة السياسية، فاستطاعت وجوه جديدة (15 نائبا تقريبا) أن تخرق رتابة المشهد الانتخابي الذي تقاسمته في المجمل الأحزاب السياسية.
التوقف أولا عند أرقام المقاطعة، خاصة في المناطق السنية والتي زادت نسبتها عن الانتخابات السابقة بحوالي 10 في المائة لتصل إلى حدود 60 في المائة. رقم لا يستهان به ويعبر عن يأس الناس من التغيير بعد استمرار الأزمة الاقتصادية لثلاث سنوات من دون أفق حل. هناك أيضا اعتكاف الرئيس الحريري عن خوض هذا الاستحقاق ما ولد نوعا من النقمة لدى جمهوره الواسع ترجمه بالإصرار على مقاطعة هذا الاستحقاق.
يجب الإشارة أيضا إلى تمكّن القوات اللبنانية من تحسين تمثيلها بشكل جدي في المجلس النيابي وزيادة كتلتها البرلمانية إلى حدود التسعة عشر نائبا ما يعطي رئيسها سمير جعجع شرعية كبيرة في الشارع المسيحي. كما استطاع التيار الوطني الحر المحافظة هو الآخر على كتلة نيابية وازنة بالرغم من كل الإحصائيات التي كانت تبين خلاف ذلك، وبالرغم من فشله في إحداث أي إصلاح أو تغيير في فترة الرئاسة التي عرفت أقسى أنواع الأزمات الاقتصادية في العالم، وانفجار المرفأ الذي اعتبر بمثابة انفجار نووي وأودى بحياة أكثر من 200 ضحية لبنانية بالإضافة إلى أضرار بمئات ملايين الدولارات.
من المفارقات أيضا خسارة أكثرية الوجوه التي تعتبر قريبة من الرئيس السوري بشار الأسد رهانها الانتخابي مثل إيلي الفرزلي، نائب رئيس مجلس النواب والمدافع الأول عن المصارف، بما أنه يملك أسهما في أحدها، وطلال أرسلان وأسعد حردان. من اللافت أيضا زيادة عدد الناخبين الشيعة عن الانتخابات الماضية بحوالي عشرين ألفا ليصل إلى 365000 ألف ناخب. كل لوائح ومرشحي الثنائي الشيعي ربحوا جميعا تذكرتهم للمجلس النيابي.
بالمحصلة ما زالت الأحزاب تتمتع بقاعدة كبيرة وأن النقمة الشعبية على الأزمة الاقتصادية لم تصل إلى حد محاسبتها.
السجال بعد الانتخابات يقوم حول أحجام الكتل النيابية وحول من يمتلك الأكثرية في مجلس النواب لأن من شأن هذه الأكثرية انتخاب أولا رئيس لمجلسها واختيار رئيس الحكومة وطبعا انتخاب رئيس الجمهورية.
المعارضون لحزب الله يدعون امتلاك الأكثرية ويضعون وليد جنبلاط وكتلته النيابية في صفوفهم. وهذا قد يكون خطأ من قبلهم. فجنبلاط سيكون في القرارات الكبرى إلى جانب حليفه التقليدي نبيه بري، الذي ساعده من دون أي شك في إعادة انتخاب نوابه الذين شكا سابقا من وجود مؤامرة عليهم لإسقاطهم لا سيما وائل بو فاعور ومروان حمادة. مما يجعل الأكثرية لصالح حزب الله وحلفائه، ناهيك عن عدم معرفة توجهات بعض الوجوه الجديدة وموقفها من قضية حزب الله وسلاحه.
على كل الأحوال، السجال في لبنان بين الفرقاء السياسيين سيزداد تأزما وسيكمل من حيث بدأ مع العملات الانتخابية: سلاح حزب الله وشرعيته طبعا ليستجلب ردا من نوابه حول حماية لبنان وهذا ما برز في تهديد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة المبطن لخصومه «بأن لا يكونوا أدوات إسرائيلية داخل المجلس النيابي». هذا التأزيم من شأنه أن ينعكس على كل الاستحقاقات الآتية ويعقدها نظرا لأن كل فريق يعتبر أنه يملك شرعية الشارع وعلى أساسه يتصرف.
الأيام الآتية على لبنان ستكون صعبة جدا، فالأزمة الاقتصادية ستتفاقم على ضوء السجالات والجمود الذي سيصيب الاستحقاقات الآتية بفراغ دستوري لا يتحمله لبنان واللبنانيون.