في زيارة هي الثانية له منذ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، زار رئيس النظام السوري بشار الأسد إيران، زيارة ظهرت وكأنها أمر استدعاء له كما زياراته لموسكو، فعادة زيارات رؤساء الدول يتم الإعلان عنها والتحضير لها، ولكن وحده بشار الأسد يزور الدول من دون إعلان مسبق، أو تحضيرات بروتوكولية أو وفد وزاري مرافق، يتم استدعاؤه فيلبي.
وتأتي زيارة الأسد لطهران في وقت تتعثر فيه المفاوضات في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، وتنشغل فيه موسكو بحربها على أوكرانيا، إضافة إلى تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على روسيا، وما يرافق ذلك من تخوف الأسد من التأثير على الدعم العسكري وغير العسكري الروسي لنظامه.
هرول الأسد إلى طهران كما كان يفعل عندما يتم استدعاؤه لموسكو، لكن حديثه عن أن إيران هي «الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانبنا منذ البداية»، مبديا استعداد نظامه «للمزيد من التنسيق والتعاون الأوسع مع إيران في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية»، كان لافتا وخصوصا أن الجميعيدرك تماماً أن روسيا هي من كان لها الدور الأكبر في إنقاذ نظامه من السقوط، وقد كرر ذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أكثر من مناسبة بالقول، إنه لولا التدخل العسكري الروسي في سوريا لسقط نظام الأسد خلال أسابيع.
ولكن يبدو أن ما سربه الإعلام الروسي من أن موسكو بصدد التقليل من التزاماتها العسكرية في سوريا لصالح حربها على أوكرانيا قد تلقفته طهران لتعيد تأكيد المؤكد بأنها صاحبة الفضل الأول على نظام الأسد، وبأن اليد الطولى في سوريا لها
وإيران التي تشهد مدنها مظاهرات مناوئة للحكم، تولي أهمية كبرى لسوريا كما الدول التي تسيطر عليها من خلال ميليشياتها، ولو على حساب الإيرانيين ومأساتهم ومعاناتهم.وتتبع سياسة «ما لي لي.. وما لكم لي ولكم»، ولهذا لطالما رفضت الانسحاب من أي منطقة تسيطر عليها لصالح الروسي، الذي تعهد بإبعادها عن الحدود السورية الإسرائيلية قبل أعوام وفشل بالوفاء بتعهداته.فهي تدرك بسياستها تلك أنها تضيف إلى أوراقها التفاوضية أوراقا تستخدمها في مفاوضاتها مع الغرب، وتفرض نفسها لاعبا إقليميا لا بد من التفاوض معه بشكل أو بآخر لوقف التدهور الأمني والسياسي في المنطقة.
واليوم مع تزايد مخاوف الأسد من أن تنتقل تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا إلى سوريا، وخصوصا في المناطق الشمالية الخارجة عن سيطرته، كان لا بد له من أن يهرول إلى طهران ويؤكد أنه ما غادر الحضن الإيراني يوما ولن يفعل.
زيارة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل، فرغم كل ما قيل عن مفاوضات سرية إسرائيلية سورية غير مباشرة، إضافة إلى دعوةوزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، لرئيس النظام السوري بشار الأسد، لقطع علاقاته مع إيران«إذا أراد أن يكون جزءًا من المنطقة وأن يعود إلى جامعة الدول العربية»، إلا أن المتغيرات التي نتجت عن الحرب الروسية على أوكرانيا جعلت الأسد يعلن أنه لن يكون إلا إيراني الهوى، بل وأنه أداة إيرانية في أي معركة تختارها، ويعيد استخدام ورقة الصراع مع إسرائيل، فقد نقل التلفزيون الإيراني عنه قوله إن «العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة النظام الصهيوني (إسرائيل)على المنطقة».
أما الرسالة الإيرانية فقد كانت شديدة الوضوح بما نقله الإعلام عن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال استقباله الأسد: «عندما راهن بعض قادة العرب وغير العرب في المنطقة على سقوط الحكومة السورية، وقفت إيران إلى جانبها هي وشعبها».
الأسد في طهران، هو تأكيد على أن الرهان على ابتعاده عن إيران وهم، وأن الرهان على قبول إيران بالانسحاب من سوريا بالحسنى وهم، كما أن التعايش مع جرائمهما بحق السوريين وهم.