الجزائر: مع استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وسعي دول أوربية عديدة لتعويض حصتها من الغاز الروسي ببدائل أخرى، تتجه الأنظار نحو الجزائر، وبرزت تساؤلات عن مدى قدرة الجزائر تعويض دول الاتحاد الأوروبي، وإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي؟ إلى جانب دول منتجة أخرى مثل قطر ومصر وأذربيجان، حسبما أفادت صحيفة (الموندو) الإسبانية في وقت سابق.
فمع انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا، برزت مخاوف أوروبية من تأثيرات وتداعيات هذه الحرب عليها، وبشكل خاص على إمداداتها السنوية من الغاز القادم من بلاد الدُب الروسي، حيث تعدُ موسكو أكبر مصدر في العالم بثمانية ملايين برميل يوميا من النفط الخام، والمنتجات المكررة الموجهة لبقية العالم، ومع اشتداد الحرب وتهديدات موسكو المتواصلة تزعزعت ثقة الأوروبيين في روسيا، وفي فرص استمرار أنابيب الغاز القادمة منها في ضخ الاحتياجات الأوروبية، لذلك سعت دول عديدة لإيجاد بدائل للغاز الروسي الذي بات وسيلة في يد الروس للرد على العقوبات الغربية.
وضمن هذا السياق، وفي ظل الجهود التي تقودها أميركا دعماً لحلفائها الأوروبيين، زارت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان الجزائر في العاشر من مارس (آذار) ضمن جولة قادتها أيضا إلى إسبانيا والمغرب، حيث بحثت مع الرئيس عبد المجيد تبون التعاون في مجال الطاقة، والأزمة الأوكرانية والقضايا الإقليمية.
5 أنابيب غاز بين أوروبا والجزائر
وتحتل الجزائر المركز الـ11 عالمياً من حيث احتياطات الغاز الطبيعي التقليدي والمقدرة بنحو 159 تريليون قدم مكعب، في حين تمتلك احتياطات مؤكدة من البترول التقليدي بحوالي 12.2 مليار برميل. إلا أن الإنتاج الجزائري من الغاز تراجع مع نهاية العام الماضي إلى نحو 81.5 مليار متر مكعب، في وقت بلغ 87 مليار متر مكعب نهاية 2019، إلا أن ذلك لم يؤثر على فائض الجزائر من هذه الطاقة الحيوية نتيجة التحكم في الاستهلاك المحلي الذي وصل نهاية 2020 إلى 43.2 مليار متر مكعب. في المقابل، تضمن الجزائر لأوروبا 30 في المائة من احتياجاتها الغازية، تحتل فيها إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 في المائة، ثم إسبانيا بـ20 في المائة ثانية، وفرنسا ثالثة بـ12 في المائة، والبرتغال رابعة بـ6 في المائة، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـ1 في المائة. وتبقى أوروبا أكبر سوق للغاز الجزائري، حيث بلغت صادرات الجزائر نهاية العام الماضي نحو 26.1 مليار متر مكعب.
وتربط الجزائر بأوروبا 5 أنابيب غاز أحدثها، (جالسي) الذي يبلغ طوله 534 ميلا، وقد بدأ تشغيله مطلع 2022 باتجاه إيطاليا عبر جزيرة سردينيا، ويضمن سعة تقدر بـ238 مليار قدم مكعب سنوياً. ثاني أهم الأنابيب لعملاق النفط الجزائري (سوناطراك)، يوجد خط (ميدغاز) ويبلغ طوله 760 كيلومترا، ويصل إسبانيا عبر البحر المتوسط، وسعته 280 مليار قدم مكعب سنوياً، ودخل حيز العمل منذ 2011. وعبر الأراضي التونسية، يمر ثالث أنبوب غاز جزائري باتجاه إيطاليا وهو (ترانسماد)، ويصل طوله إلى 2485 كيلومترا، وبلغ قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، يضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي.
رابع أنابيب الغاز الجزائرية يمر عبر الأراضي المغربية منذ 1996، بعقد مدته 25 عاماً، وينقل الغاز الطبيعي إلى إسبانيا والبرتغال، ويبلغ طوله 325 ميلا، فيما تبلغ قدرة تصديره 390 مليار قدم مكعب سنوياً، وهو الخط الذي رفضت الجزائر تجديد تعاقده في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بسبب خلافات سياسية مع المغرب. وأنبوب خامس قد يكون (المشروع الحلم) أو (مشروع القرن) على حد وصف خبراء الطاقة، وهو الأنبوب القادم من نيجيريا مرورا بالنيجر ووصولا إلى الجزائر، مع نقله إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الأخرى التي تمتلكها الجزائر ويصل طول الأنبوب بحسب المشروع إلى نحو 2602 ميل، وقد يضمن قدرة تصدير تقدر بنحو 1059 مليار قدم مكعب سنوياً.
ويجري الحديث عن إحياء مشروع خط أنابيب الغاز ( ميديكات) لنقل الغاز الجزائري من إسبانيا إلى فرنسا، وهو ما يمكن أن يساهم في استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، وألمانيا التي تستورد حوالي 55 في المائة من حاجياتها للغاز الطبيعي من روسيا، تدعم بشدة استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من إسبانيا إلى جنوب فرنسا والذي توقف عام 2019، وقال السفير الألماني في مدريد فولفغانغ دولد، في مقابلة مع صحيفة «لا فانغارديا» الإسبانية نشرت يوم الثلاثاء ( 29 مارس/ آذار 2022 ) إن »ألمانيا تدعم تماما خط أنابيب ميدكات«، وقد توقف هذا المشروع الذي تبلغ طاقته السنوية 7.5 مليار متر مكعب قبل ثلاث سنوات لأنه كان يعتبر غير ذي جدوى اقتصادية آنذاك، بسبب إمدادات الغاز الطبيعي الأرخص من روسيا.
محدودية الإنتاج
ورغم إمكانيات الجزائر في احتياطات الغاز إلا أن خبراء يقللون من قدرتها على تعويض روسيا على المدى القريب لعدة اعتبارات، أبرزها القدرات المحدودة للجزائر في نقل الغاز، ويكشف الخبير الاقتصادي الجزائري، والمختص في أسواق النفط، عبد المالك سراي، لـ«المجلة» أن هناك أسبابا عديدة تجعل من الصعب على الجزائر أن تحل محل روسيا التي تعتبر أول مصدر للغاز في العالم، وفي حديثه قال إن »من بين أهم الأسباب التي تعوق الجزائر على ذلك، هو محدودية إنتاجها مقارنة بروسيا، وافتقارها لتقنيات النقل الحديثة، واتفاقات مع الاتحاد الأوروبي تحد من حريّتها السوقية«.
سراي أكد في سياق حديثه على إشكالية النقل إلى الضفة الأخرى، واشترط أن تتم مساعدة الجزائر، من قبل الدول الأوروبية نفسها لكي تتجاوز هذه الإشكالية وتستطيع تصدير غازها إلى أكبر عدد منها، بالمقابل كشف سراي عن مشكلة قانونية تقف أمام إمكانية الجزائر بيع غازها لكامل الدول الأوروبية، وذلك بسبب بنود اتفاقية أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي تمنعها من أن تبيع مباشرة غازها، مشترطا أن يغير الاتحاد الأوروبي هذا القانون لكي يتيح للجزائر أن تساهم في تعويض الغاز الروسي.
وتمنع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الجزائر من بيع الغاز بشكل مباشر من جميع العقود الراهنة والمستقبلية بين شركات من الاتحاد الأوروبي وشركة سوناطراك النفطية الجزائرية الحكومية. وحسب المتحدث فإنه »بموجب هذه الاتفاقية فإن الجزائر ممنوعة من تخزين وتسويق الغاز في أوروبا، وهو ما يعيق الهدف المرجو منها بإشباع حاجيات أوروبا«، واشترط أن يعاد النظر في هذه البنود واصفا المرحلة بـ»الفرصة السانحة للجزائر لإعادة ترتيب مبيعاتها لأوروبا ودعم موقعها بين الدول المصدرة للغاز في العالم«.
الجزائر لن تستنزف حقولها
ويعتقد ناصر مقيدش وهو نائب سابق لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهي مؤسسة حكومية، أن »الحرب الأوكرانية حملت تخوفات جدية بشأن إمدادات البترول والغاز إلى أوروبا، رغم أن القارة العجوز ليس بإمكانها أن توقف التزود بالطاقة الروسية« ، وقال إن »الحل بالنسبة لأوروبا على المدى المتوسط غير متاح، مهما حاولت اللجوء إلى مصادر أخرى في الخليج أو نيجيريا أو غيرها«، واستبعد في حديثه لـ«المجلة» زيادة إمدادات الغاز الجزائري نحو دول أوروبية أخرى على غرار ألمانيا والنمسا«، معتبرا أنه »غير متاح في المدى المتوسط على الأقل«، وتابع: »الجزائر لديها عقود مع شركاء أوروبيين على غرار إيطاليا وإسبانيا وتركيا والبرتغال وفرنسا، وأوفت دوما بالكميات المتفق عليها في العقود المبرمة«، وأوضح أنه »رغم وجود مطالب وضغوط من طرف أوروبا، إلا أنه ليس بالإمكان أن تضخ الجزائر أكثر مما هو متاح ومتوفر«، وبرأيه »الجزائر لن تقوم بقتل واستنزاف حقولها في عملية كهذه وتقوم بالضخ أكثر من طاقة الحقول«.
ويرى مقيدش أن »الأزمة الأوكرانية يمكن أن تدفع بمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- الجزائر- أوروبا إلى الأمام، بالنظر إلى أنه موجه بالدرجة الأولى لتغطية استهلاك القارة العجوز، وأضاف رغم أن المشروع موجه إلى أوروبا لكن لم نر أية دولة أوروبية تعلن دعمها لهذا المشروع، حتى في قمة المناخ الأخيرة باسكتلندا، حيث حاولت عدة دول من خلالها تجميد استثمارات شركات غربية في الطاقات الأحفورية في بلدان أخرى أفريقية وغيرها«.
وقال وزير الطاقة الجزائري الأسبق عبد المجيد عطار لوكالة الصحافة الفرنسية إن »الجزائر تصدر 22 مليار متر مكعب من الغاز كحد أقصى عبر خط أنابيب ترانزميد، وهو ما يترك قدرة استيعاب لعشرة مليارات متر مكعب أخرى« .
وقال عطار الذي عمل في السابق كرئيس تنفيذي لشركة سونطراك النفطية، إن »الجزائر لا يمكنها تعويض التراجع في واردات الغاز الروسية منفردة«، قائلا إنه »يمكنها أن تقدم مليارين أو ثلاثة مليارات متر مكعب كحد أقصى«، وأشار إلى أن »الجزائر يمكنها أن ترسل كميات أكبر من الغاز على المدى المتوسط، أي في غضون أربع أو خمسة أشهر«، لكن أشار إلى أنه »سيتعين على الجزائر أولا أن تطور احتياطات جديدة من الغاز الصخري«.
وجدير بالذكر أن دول الاتحاد الأوروبي استهلكت عام 2020 حوالي 400 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، واستوردت أكثر من 150 مليار متر مكعب أي 40 في المائة من روسيا. ولهذا تريد الدول الأوروبية تسريع عملية التخلص من الوقود الأحفوري، وتنويع مصادر إمداداتها وتسريع مشاريع الطاقة المتجددة.