في مارس (آذار) الماضي، أعلنت وزارة التسوية والإسكان والمجتمعات ووزارة الداخلية البريطانية أنه يمكن للأفراد أو العائلات أو الجمعيات الخيرية أو الشركات- باختصار أي أحد- استضافة لاجئين أوكرانيين فارين من الحرب ممن جاءوا إلى المملكة المتحدة لفترة مبدئية مدتها 12 شهرا. تلا الإعلان نشر مجموعة كبيرة من الصور الدعائية التي تضفي انطباعا جيدا عن بريطانيين يستقبلون أوكرانيين في محطات القطارات بأحضان دافئة أثناء نزولهم من القطارات لإبراز كيف تؤدي بريطانيا دورها في مساعدة أوكرانيا المستضعفة أمام روسيا المتجبرة، وكيف انضمت بريطانيا إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي التي تقف في صف أوكرانيا.
في الجهة المقابلة، خرج إعلان صادم في 14 إبريل (نيسان) 2022 بتوقيع اتفاق رسمي بين بريطانيا ورواندا لجمع المهاجرين غير الشرعيين- تحديداً الرجال غير المتزوجين- الراغبين في الاستقرار في بريطانيا وترحيلهم إلى منشآت مخصصة للاجئين على بعد ستة آلاف كيلومتر في قارة أخرى بانتظار عملية البت في طلباتهم: في دولة رواندا بأفريقيا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، تشير تفاصيل الاتفاق إلى أنه يجب «تشجيع» هؤلاء اللاجئين المنقولين على استمرار البقاء في رواندا لمدة خمسة أعوام أخرى بعد اعتماد أوراقهم وتنظيم وضعهم كمهاجرين. ولا يبتعد هذا النظام عن الممارسة القديمة بشحن المخلفات السامة من الدول المتقدمة إلى مدافن القمامة في العالم الثالث والتظاهر بأن مقابل هذه الخدمة «رسوم تنمية» ملائمة.
وقع على الاتفاق كل من وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل ووزير الخارجية الرواندي فينسنت بيروتا، في أثناء زيارة إلى كيغالي في أبريل الماضي، ودفعت بريطانيا إلى رواندا مبلغ 156 مليون دولار بشكل مبدئي مقابل خطة تجريبية مدتها خمسة أعوام. كما ستدفع بريطانيا إلى رواندا عن كل مهاجر تقبله الدولة الأفريقية. وفي حين وعدت الحكومة البريطانية بوضع إجراءات سلسة للعملية، لا يزال من غير الواضح كيف سيتم تسكين طالبي اللجوء المنقولين من بريطانيا في رواندا، بعيدا عن الخطط المؤقتة بتحويل فندق سابق إلى مركز احتجاز. كذلك لم يتضح مصير من لن يحصلوا على اللجوء.
سياسة الانحياز
وفي مقارنة بين الاتفاق مع رواندا والملاذ الآمن الذي فتح أبوابه للاجئين الأوكرانيين في الأسابيع الأخيرة، من الواضح أن سياسة بريطانيا في الهجرة منحازة فيما يتعلق بالعرق والدين والمهارات. إن سياسة الاتفاق مع رواندا خاطئة من عدة أوجه إلى درجة أنها أثارت غضب المنظمات الداعمة للاجئين ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم، وحتى زعماء دينيين مثل رئيس أساقفة كانتربيري، الذين أعربوا عن رأيهم في هذا الأمر.
في خطبته بمناسبة عيد الفصح، انتقد الأسقف جاستن ويلبي، وهو أكبر رجل دين في الكنيسة الأنجليكانية، السياسة قائلاً: «يناقض إسناد مسؤولياتنا حتى إلى دولة تسعى إلى فعل الخير مثل رواندا، الطبيعة التي خلقها الرب».
تستهدف السياسة في الأساس طالبي اللجوء الذين عبروا إلى المياه البريطانية في قوارب صغيرة عبر القناة الإنجليزية. وكان أكثر من 4,500 مهاجر قد عبروا القناة الإنجليزية من فرنسا إلى بريطانيا في قوارب صغيرة في العام الحالي، وهو أربع أضعاف إجمالي عدد العابرين في الفترة ذاتها من العام الماضي. وفي ظل تكدس القوارب وافتقادها إلى معايير السلامة مثل سترات النجاة، وقع عشرات من الضحايا من بينهم 27 مهاجرا غرق قاربهم قبالة الساحل الفرنسي الشمالي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2021.
تعلم الحكومة البريطانية بوضوح أن احتمالات الإرسال إلى رواندا، والتي لا يُعرف عنها بالتأكيد احترام حقوق الإنسان، ستكون بغيضة للمهاجرين، والتفسير الأساسي للسياسة هو منع طالبي اللجوء من اختيار بريطانيا وجهة لهم. ادعى رئيس الوزراء بوريس جونسون أن بريطانيا «منارة الانفتاح والكرم»، وأشاد بالتقاليد البريطانية العظيمة التي توفر الملاذ لمن يطلبه عبر السبل القانونية، مع تأكيده على عزمه الحد مما أطلق عليه هجرة غير شرعية. وأشار بالفعل إلى أن خطة رواندا ستكون نموذجاً يمكن تكراره في مناطق أخرى.
كما صرحت الوزيرة بريتي باتيل قائلة: «تسبب التحايل المستمر على قوانيننا وقواعدنا المتعلقة بالهجرة، وحقيقة النظام المنفتح على تحقيق المكاسب والمعرض للاستغلال الجنائي، في ضعف التأييد الشعبي لنظام اللجوء البريطاني، ولمن يحتاجون إليه حقاً». وأضافت: «إن إخراج الأشرار والمهربين من هذه العملية واجب أخلاقي. ويتطلب منا استخدام كل وسيلة ممكنة والبحث عن حلول جديدة».
ووعدت باتيل بأن طالبي اللجوء المنقولين إلى رواندا «سيتم النظر في مطالبهم للجوء ومن يعاد تسكينهم سيحصلون على الدعم الذي يشمل خمسة أعوام من التدريب على الاندماج والتسكين والرعاية الصحية حتى يمكنهم الاستقرار والازدهار».
علاوة على ذلك، صور وزير الشؤون الخارجية الرواندي فينسنت بيروتا اتفاق نقل المهاجرين بين بريطانيا ورواندا على أنه سيعود بالنفع الاقتصادي على كلا الطرفين، حيث صرح للصحافيين بأن «الخطة لن تساعدهم وحدهم، بل ستفيد رواندا وشعبها وتساعد في تطوير أعمال التنمية برواندا».
تضاعف ألم النزوح
أعلنت جمعيات حقوق اللاجئين أن أول اعتراض على الخطة هو حرمان اللاجئين من حقهم في أن تتم دراسة حالتهم في الدولة التي اختاروا اللجوء إليها وفقاً لما تنص عليه الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين. وتحرمهم من وضع مؤسسي وتضاعف عليهم ألم النزوح. كما أنها تعرضهم إلى تمديد فترة الشك. وأوردت الجمعيات أيضاً المخاطر التي سيتعرض لها اللاجئون في ظل سجل رواندا المقلق في مجال حقوق الإنسان، ففي عام 2018 على وجه التحديد أفادت تقارير بمقتل اثني عشر لاجئاً على يد الشرطة الرواندية بعد احتجاجات أمام مكاتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في مقاطعة كارونغي. بيد أن باتيل صرحت بعد توقيع الاتفاقية بأن رواندا «دولة آمنة فيما يتعلق باحترام سيادة القانون وبها مجموعة من المؤسسات التي أنشئت وتطورت على مدار الزمن». وأعلنت أيضاً أن رواندا بالفعل تستضيف 130 ألف لاجئ من عدة دول.
وفي حين أعلنت الحكومة البريطانية أن البرنامج سوف يُطبق في الأساس على الرجال غير المتزوجين وغير حاملي الوثائق، ويستهدف عمليات تهريب البشر في صميمها، كشفت الدراسات أنه لا يخفض أعداد المهاجرين.
صرحت مادلين غليسون، كبيرة باحثين في مركز كالدور لقانون اللاجئين الدولي بجامعة نيوساوث ويلز في سيدني: «إذا كان الوضع كذلك، ربما نجد القوارب التالية القادمة عبر القناة الإنجليزية محملة بفئات لن تذهب إلى رواندا- ربما نجد زيادة في أعداد النساء والأطفال على متن هذه القوارب». وأضافت: «الخوف من أن هذه القوارب إذا تعرضت للغرق أو وقعت في مشاكل، فستكون لدينا خسائر بشرية أعلى بكثير لو كان على متنها مزيد من النساء والأطفال».
ووصف جيمس ويلسون، نائب مدير جمعية «ديتنشن أكشن»، السياسة بأنها «غير إنسانية ومكلفة وغير فعالة».
وأكمل قائلاً: «وقعت بريطانيا على اتفاقية اللاجئين وعلينا بموجبها التزام قانوني وأخلاقي لتقييم أي طلبات لجوء في بريطانيا داخل بريطانيا».
ولكن ما البديل لحل المشكلة الحقيقية المتمثلة في الهجرة غير الشرعية؟ إن هذا النوع من تفويض مهام «ضغوط الهجرة» ليس جديداً. مارست بريطانيا على مدار التاريخ نوعاً مشابهاً من الحلول لمشكلة اكتظاظ السجون عن طريق شحن المجرمين والسجناء إلى مستعمرات بعيدة مثل أستراليا. وفي العصر الحديث، وحتى عام 2014، أرسلت أستراليا آلافا من المهاجرين إلى مراكز خارجية في بابوا غينيا الجديدة وجزيرتي ناورو ومانوس في المحيط الهادي. ولا يزال عدد كبير من طالبي اللجوء محتجزين في هذه المنشآت. وقد أخفقت هذه السياسة في ردع المهاجرين عن القدوم بحسب مادلين غيلسون.
واستطرت غليسون بأنه «في العام الأول من تطبيق النقل الخارجي، وصلت أعداد كبيرة من الأشخاص إلى أستراليا عبر القوارب مما فاق أي أعداد أخرى في تاريخ طالبي اللجوء القادمين عبر الطريق ذاته». وأضافت: «(في حالة بريطانيا)، سيكون هناك حد لعدد الأشخاص المحولين إلى رواندا، وبالتالي تخاطر بريطانيا بالوقوع في المشكلة التي حدثت في أستراليا، وهو الوصول إلى السعة القصوى للمنشآت الخارجية في غضون 12 أسبوعاً من بدء تطبيق السياسة».
ووفقاً للنماذج السابقة، توجد مخاوف من أن المهاجرين الذين يرسلون إلى رواندا سوف يحاولون ببساطة الوصول مرة أخرى إلى بريطانيا، وبالتالي ستنشط عصابات الاتجار في البشر التي تعمل من أفريقيا إلى أوروبا ومنها صوب القناة الإنجليزية.
ومن جانبه أوصى نيلسون بأنه يجب على الحكومة توفير طرق آمنة للاجئين حتى يصلوا إلى بريطانيا.. «يجب وضع نظام تأشيرات إنساني، حتى يتمكن الأشخاص الذين وصلوا إلى فرنسا ويسعون إلى طلب اللجوء في بريطانيا ولديهم ما يؤهلهم لذلك من تقديم طلبات الحصول على تأشيرة لدخول بريطانيا والنظر في طلب لجوئهم. إذا تم تنفيذ هذا النوع من البرامج، والذي نعتقد أنه عملي تماماً، سنضع حداً لعمليات عبور القناة».
تذكر بريطانيا أن طالبي اللجوء يجب أن يتقدموا بطلب للحصول على وضع اللاجئين في أول دولة آمنة يصلون إليها، بما فيها فرنسا. ولكن لا توافق الأمم المتحدة على هذا الأمر. صرح لاري بوتينيك، كبير المسؤولين القانويين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لوكالة «أسوشييتد برس»: «لا يوجد في القانون الدولي ما يشير إلى وجوب الطلب في أول دولة تقابلك»، مضيفاً: «تدرك المفوضية الإحباط الذي تشعر به الحكومة البريطانية في هذا الأمر، ولا تؤيد عمليات عبور القناة بالفعل. ونعتقد أن هناك طرقاً أكثر فاعلية وإنسانية لمعالجة المشكلة».
نقل اللاجئين إلى الدول الأفقر
في الوقت ذاته، دخل الاتحاد الأوروبي في مباحثات عبر وكالة «فرونتكس» لشؤون الحدود وحرس السواحل مع حكومة النيجر لإقامة مناطق حدودية على أراض أفريقية. وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة، تهدف الخطة إلى إبقاء الأشخاص غير حاملي الوثائق هناك حتى تتم دراسة حالاتهم.
ويأتي السعي إلى نقل إجراءات الهجرة إلى الخارج في جزء من استراتيجية أوسع تتبعها حكومات الدول الغنية من أستراليا إلى الاتحاد الأوروبي لمنع عمليات الوصول غير المرغوب بها عن طريق التسبب في أوضاع عدائية أو غير إنسانية.
في مقال نشر في «ذا كونفرسيشن» كتبت بارفاتي ناير، أستاذة الدراسات الإسبانية والثقافية والهجرة في جامعة كوين ماري بلندن، أن الأبحاث كشفت أن هذه الخطط جزء من استراتيجية تمكين للدول القوية بالفعل. وهي تسمح لهم بالتخفف من عبء اللاجئين غير المرغوب بهم ونقلهم إلى الدول الأفقر، خاصة القادمين من خارج أوروبا. في الوقت ذاته، تقدم هذه الخطط للدول الأغنى موطئ قدم سياسي واقتصادي في مناطق ذات أهمية.
وفي تفسير لمضامين هذا الاتفاق، تشير ناير إلى أن عرض بريطانيا بتقديم 156 مليون دولار في بداية الشراكة يجذب رواندا نظراً لأنه يأتي تحت اسم دعم التنمية. وتحتل رواندا المرتبة 160 ضمن 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية، كما أنها لطالما تلقت مساعدات خارجية بريطانية ودعما دوليا، وهي بالفعل تستضيف حوالي 130 ألف لاجئ، يمكث 90 في المائة منهم في معسكرات اللجوء ومراكز عبور. وسوف تساعد الخطة في رفع تصنيف رواندا الدولي بصفتها شريكا فعالا في حوكمة الهجرة واللجوء على المستوى العالمي.
تكافح أفريقيا من أجل التنمية وسط كم هائل من المشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، على الرغم من كونها ثرية بالموارد. تملك رواندا مشروعات تعدين في القصدير الخام والذهب والتنغستين الخام والميثان، وتضم أيضاً بحيرة كيفو الغنية بقدر هائل من الغازات وهي مصدر محتمل لتوليد الطاقة.
تمثل خطة رواندا انعكاسا مزعجاً لتاريخ بريطانيا الإمبريالي؛ حيث تولى الاستعمار نقل العبيد والعمال بالسخرة عبر القارات والبحار؛ وسعى إلى تمكين الإمبريالية عن طريق العنف المصاحب للخراب التاريخي الذي لا يمكن إصلاحه قط. وفي تكرار لسياسة الاستعمار، تُكَلَّف أفريقيا من جديد بالعمل لأجل مصالح بريطانيا من أجل امتيازات مالية قصيرة الأجل فحسب. وعلى المدى البعيد، تظل احتياجات أفريقيا، واحتياجات طالبي اللجوء، من دون حلول.