دولة ضعيفة ومجتمع قوي

دولة ضعيفة ومجتمع قوي

[escenic_image id="5510599"]

لقد ارتكزت مناقشة قدرة باكستان على النجاح في التصدي لطالبان على مسألة الاختيار بين الحكومة العسكرية والمدنية، وأيهما أصلح للحكم. إلا أنه من وجهة نظر الإدارة وتطور الدولة ككل، فلا يهم ما إذا كانت باكستان خاضعة لحكم عسكري أو مدني، لأن ثمة حقيقة سياسية جوهرية عن باكستان تتمثل في أن الدولة فيها ضعيفة، أيًّا كانت الجهة التي تدعي القبض على زمام الأمور فيها، بينما يتمتع المجتمع، في أشكاله المختلفة،  بقوة هائلة.

وفي ظل هذا الوضع، أصبح بإمكان أي شخص أو جماعة تتمتع بأقل نفوذ في المجتمع أن تبتز الدولة من أجل الحصول على الدعم والامتيازات أو التهرب من دفع الضرائب، وتكريس آليات الدولة وجهازها الإداري لصالحها. ومن هنا نجد أنفسنا أمام حقيقة مذهلة قوامها؛ أنه لا تتجاوز نسبة دافعي الضرائب 1 بالمائة من عدد السكان، وأن أغنى الأغنياء من مُلاك الأراضي لا يدفعون ضرائب مباشرة على الإطلاق.

وكما أخبرني أحد مراجعي الضرائب العاملين بالدولة في بيشاور، بضحكة  تنم عن إحباط: "  لو أن أحدًا قد  أخذ مسألة الضرائب مأخذ الجد، ستكون وظيفتي هي أصعب وظيفة في العالم، ولكن نظرًا لأن ذلك لم يحدث، فأنا أتمتع بأسهل وظيفة في العالم". إن عدم قدرة الدولة على جمْع ضرائب كافية، بالإضافة إلى إهدار ما يتم جمعه بالفعل بسبب الفساد، كان من شأنه تقويض كل جوانب الحكومة، وإعاقة تطوير البنية التحتية وخدمات الدولة ونظام العدالة. ومن هنا يأتي جزء كبير من التعاطف التلقائي لقطاعات واسعة من المجتمع مع طالبان وغيرهم من المتمردين ضد الدولة.

فشبكات القرابة التي تشكل بنية المجتمع، والتي يدين لها معظم الناس بالولاء، هي من أهم العوامل التي تجعل من المجتمع الباكستاني مجتمعًا قويًّا. كما أن هناك شعورًّا جماعيًّا بالشرف والعزة يتجلى بوضوح في منع أو معاقبة أي سلوك جنسي غير مشروع من قِبل النساء اللائي ينتمين إلى جماعات القرابة، كما يتجلى أيضا في العمل على تعزيز السلطة السياسية والاقتصادية والحالة العامة لتلك الجماعات.

المواطنة و الولاءات

يحظى الدفاع عن الشرف ومصالح جماعة القرابة بالأولوية على الولاء لحزب من الأحزاب أو الانتماء للدولة أو أي قواعد أخلاقية من قواعد السلوك المهني. ولا ينطبق هذا الأمر على الباكستانيين العاديين فحسب، ولكن أيضًا على معظم السياسيين والمسئولين. وكما هي الحال في بقية دول جنوب آسيا، فإن غالبية الأحزاب السياسية في باكستان تعد بمثابة تركة تتوارثها العائلات المختلفة. فحزب الشعب الباكستاني، على سبيل المثال، هو حزب عائلة بوتو، والحزب الباكستاني هو حزب عائلة شريف، وحزب عوامي الوطني (والذي يتركز نفوذه في شمال غرب باكستان) هو حزب عائلة والي خان. فهذه الأحزاب لا تقوم بإجراء انتخابات لتحديد من يتولى مناصبها العليا، بل يقوم رئيس العائلة والحزب بتعيين من يراه مناسبًا فيها.

ومن ثَم استطاعت امرأة مثل بنظير بوتو أن ترتقي السلم السياسي لتصل إلى أعلى المناصب في مجتمع ذكوري محافظ  إلى أبعد حد. وقد استطاعت بنظير أن تحقق ذلك بفضل الميراث الذي آل إليها من والدها. وقد أصبح الرئيس الباكستاني الحالي، آصف علي زرداري، والذي كان زوجًا لرئيسة الوزراء الراحلة بنظير بوتو، زعيمًا لحزب الشعب الباكستاني، وفيما بعد رئيسًا للدولة بالوراثة بعد مقتل زوجته، دون أن يكون قد خاض أي انتخابات سابقة ولو حتى في سبيل الفوز بمقعد من مقاعد المجلس البلدي المحلي.

وساعد ضعف الدولة مقارنة بقوة المجتمع التقليدي في إحباط المحاولات المتكررة لإجراء إصلاح جذري وتحقيق تنمية اقتصادية. وقد كانت هناك محاولات عديدة في تاريخ باكستان، الذي يمتد على مدى ستين عامًا، لإجراء تغيير جذري لباكستان قام بها  ثلاثة نظم حكم عسكرية ونظام حكم مدني واحد باءت جميعها بالفشل. فقد وجد كل نظام منها نفسه واقعًا تحت سيطرة النخب الحاكمة التي كان يسعى إلى الإطاحة بها، وانخرط في نفس الأطر السياسية للنظم السابقة التي كان قد أسقطها.

أما الحكومات العسكرية، التي استولت على السلطة بهدف القضاء على النخب السياسية والفساد المستشري، فقد وجدت نفسها تحكم من خلال تلك النخب. وذلك يعود جزئيًّا إلى عدم تمتع تلك النظم العسكرية بالقوة التي تكفي لاستمرارها فترة طويلة في الحكم بدون وجود البرلمان المكون من نفس النخب السياسية القديمة، والذي يمثل المجتمع الذي ترغب تلك الأنظمة العسكرية في تغييره بالأساس.

الجيش والساسة والقضاة

 ومع ذلك، يعتبر الجيش المؤسسة الوحيدة التي نجحت إلى حد ما في مقاومة الولاء للقرابة في سبيل الولاء للدولة والجدارة المهنية. وتستطيع أن تقول إن الجيش نجح في ذلك جزئيًّا فقط من خلال تحوله إلى مؤسسة عملاقة، تخدم المصالح النخبوية  لأعضائها على حساب الدولة والمجتمع.

 وحيث إن الجيش هو المؤسسة الفاعلة الوحيدة في باكستان الحديثة، وذلك بسبب الفشل المتكرر لحكومات باكستان المدنية، وبسبب التهديدات الأمنية التي تواجهها باكستان، وطموحات الجنرالات، يؤدي  ذلك كله إلى  تورط  الجيش مرارًا  في إدارة أجزاء أخرى من الدولة. وحتى عندما لا يدير الجيش الدولة ككل فعلا، فإنه غالبًا ما يتدخل في أمور تتجاوز مسئوليته الدستورية المتمثلة في الدفاع عن البلاد.

 في أواخر عقد التسعينيات، حسّنت حكومة نواز شريف من تقديم الخدمات الأساسية للسكان، من خلال استدعاء الجيش للمساعدة في إدارة كل شيء بدءًا من التعليم حتى توزيع الماء والكهرباء. وحتى قبل انقلاب عام 1999، حين أطاح الجنرال برويز مشرف بنواز شريف، كان الجيش قد استولى على أجزاء كبيرة من الدولة بدعوة من الحكومة.

 ومنذ تنحِّي مشرف عن السلطة في شهر أغسطس/آب من عام  2008، أعربت القيادة العليا للجيش تحت رئاسة الجنرال إشفاق كياني (رئيس أركان الجيش) مرارًا عن رغبتها في الابتعاد عن السياسة والحكومة. وكانت هذه الرغبة صادقة تمامًا، في تلك اللحظة على الأقل. بعد فترتين سابقتين من الحكم العسكري (فترة الجنرالين أيوب خان ويحيى خان من 1958 حتى 1971، وفترة الجنرال ضياء الحق من 1977 حتى 1988) أراد الجنرالات البقاء خارج الحكم لفترة طويلة، وذلك لإعادة بناء الصورة العامة للجيش كمدافع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية (الهندية على سبيل المثال).

كما كان الجنرالات يدركون جيدًا كيف تنقص الفترة الطويلة للحكم من شعبية أي حاكم في باكستان، وذلك للأسباب المذكورة أعلاه. ولا تستطيع أبدًا أية حكومة، سواء كانت مدنية أم عسكرية أن تقدم للسكان معظم ما يريدونه أو يحتاجونه. وأخيرًا، يعتبر تولِّي مسئولية الحكومة المركزية أمرًا لا يحظى بشعبية إطلاقًا لدرجة أن الجنرالات، وحتى أعضاء بارزين في المعارضة قالوا لي إنهم لا يريدون الإطاحة بالرئيس الباكستاني عاصف علي زرداري، لأنهم حينئذ سوف يضطرون لتحمل مسئولية انكماش اقتصادي شديد، وحملة عسكرية مرفوضة شعبيًّا على نطاق واسع ضد طالبان، وتحالف مع أمريكا يمقُته معظم الشعب الباكستاني.

 ومع ذلك، ظل الجيش يتدخل في مجالين رئيسيين على صعيد الشئون الداخلية. وكان أولهما بالطبع الصراع ضد حركة طالبان الباكستانية. ولكن لا يقوم الجيش فقط بالقتال الفعلي ضد طالبان في وادي سوات ومناطق القبائل على طول الحدود الأفغانية، بل هو مسئول أيضًا عن تنسيق (وفعليًّا إدارة) تدفق الإغاثة، وإعادة الإعمار والمساعدات في هذه المناطق. ومنذ بداية القتال مع طالبان في عام 2004، كان الجيش القوة الرئيسية أيضًا في رسم الإستراتيجيات السياسية في النضال.

 والمجال الرئيسي الآخر للجيش هو؛ الوساطة في الخلافات بين السياسيين وحلها حيث  كثيرًا ما يستدعي هؤلاء  الجيش للمساعدة. وإذا كان السياسيون ينتمون للمعارضة، فهم يتآمرون مع الجيش للإطاحة بالحكومة التي في السلطة، واستبدالها بأنفسهم. وإذا كان السياسيون ينتمون للحكومة فهم يستدعون الجيش مرارا لمحاربة أعمال التمرد المحلية والتحكم في الاضطرابات.

لذلك ينبغي أن نتذكر أنه بصرف النظر تماما عن محاربة حركة طالبان، والحذر من الهند في الشرق، فإن  الجيش والقوات شبه العسكرية التي يسيطر عليها يشاركان في مكافحة حركة تمرد عرقي في إقليم بلوشستان، ومراقبة تصاعد التوتر العرقي في كراتشي.

 ووضح التورط الحتمي للجيش في السياسة في شهر مارس/آذار من هذا العام، عندما كان الرئيس زرداري يحاول إجهاض التهديدات المتزايدة لحكمه، وقرر حينئذ ضرب المعارضة السياسية الرئيسية، والتي تنتمي لنواز شريف وحزبه المسمى بالرابطة الإسلامية الباكستانية.

ويشكل هذا الحزب حكومة أكبر إقليم في باكستان وهو البنجاب، تحت رئاسة شقيق شريف، وهو رئيس وزراء الإقليم شهباز شريف. وبالتالي استصدر الرئيس زرداري حكمًا من المحكمة العليا (وكانت تحت سيطرته حينئذ) يقضي بأن انتخاب شريف كان باطلا، واستخدم هذا الحكم على الفور في إقالة حكومة البنجاب، وفرْض حكم مركزي.

 وردًّا على ذلك، شن الأخوان شريف حركة احتجاج موسّعة ضد إدارة زرداري، مطالبين بإعادة كل من حكومة البنجاب والمحكمة العليا الأصلية التي أقالها الرئيس مشرف بشكل غير قانوني في عام 2007. ولم يقم الرئيس زرداري بإعادة هذه المحكمة (رغم وعوده المتكررة).

في مواجهة هذه الاحتجاجات، انهارت شرطة البنجاب، واضطر الرئيس زرداري إلى سؤال الجنرال كياني لاستخدام الجيش لقمع الاحتجاجات (هكذا قالت لي مصادر رفيعة جدًّا في كل من الجيش والسياسة). وعندما رفض الجنرال كياني، لم يبق أمام الرئيس المذل غير إعادة المحكمة العليا وحكومة البنجاب، ولكن مع شروط معينة فاوضها الجيش لحماية موقف الرئيس. وكان استعادة نشاط المحكمة العليا مطلبًا رئيسيًّا لحركة المحامين التي ساعدت في إسقاط الرئيس مشرف، واستمرت بدور أقل في التحريض ضد الرئيس زرداري.

وهناك من يعتقدون أن حركة المحامين تمثل نمو مجتمع مدني جديد، ووعيًا من الطبقة المتوسطة باحترام  القانون في باكستان. ولكن هؤلاء يحتاجون إلى إلقاء نظرة فاحصة على كيفية عمل النظام القضائي في باكستان في الواقع، وأيضًا على سلوك بعض المحامين منذ أن ظهروا كقوة سياسية يعتد بها. وثمة وصف بليغ لنظام الدولة القانوني يقول: "فيما دون مستوى المحاكم العليا، لا تجد إلا الفساد. حيث لا تؤثر الحقائق ولا القانون  بشكل حقيقي على النتيجة. يتوقف كل شيء على مَن تعرفهم، والذي يتمتعون بنفوذ، وأين تضع أموالك".

 وفي حقيقة الأمر، فإن  الطابع  البطيء جدًّا والفاسد  لنظام العدالة الباكستاني، هو  الذي دفع الكثير من الباكستانيين إلى تفضيل الشريعة الإسلامية، ولهذا فهم  يتعاطفون مع حركة طالبان عندما يقدمون الشريعة الإسلامية كبديل. وربما تكون عدالة طالبان قاسية، ولكنها سريعة وشفافة ونزيهة نسبيًّا، وتجري مراسمها داخل قرى السكان وبلغتهم، وليس باللغة الإنجليزية في محكمة جزئية تبعد أميالا كثيرة.

 بصرف النظر عن الفساد، يمثل موقف المحامين من القانون بصفة عامة أمرًا مرغوبًا فيه. وعندما كنت في لاهور هذا الصيف، ضرب محامو الدفاع بالمحكمة الجزئية بلاهور شُرطيًّا طعن في قضية موكلهم، وكان ذلك  أمام المحكمة. وعندما ظهر هذا المشهد على شاشات التلفزيون، ضربوا فريق التليفزيون الذي قام بتصويره في اليوم التالي. وكما قال صديق لي يعمل صحافيًّا في لاهور متهكمًا: "يرتدي أفراد  الجيش زيًّا رسميًّا ويضربون الناس، وبالمثل يفعل رجال الشرطة. فلماذا لا يفعل ذلك  المحامون أيضًا ؟ هذا ما تفعله إذا تملّكت السلطة في هذا البلد. ". وبعبارة أخرى، معظم النظام القضائي ليس أكثر حصانة من أي شخص آخر في الثقافة السياسية لباكستان ككل.

محاربة طالبان

هل يعني تردي نظام الدولة أن هناك خطرًا حقيقيًّا من طالبان المنتشرة في باكستان؟ ليس بالضرورة، وذلك لأن شبكات القرابة وهياكل الطبقة الحاكمة التي تساعد على منع التقدم الاقتصادي والاجتماعي تساعد أيضًا في منْع قيام ثورة، حيث سيتعارض قيامها مع مصالح الطبقات الباكستانية الحاكمة.

ويعود الفضل في استقرار الحياة السياسية الباكستانية، حتى وقت قريب، في المقام الأول، إلى السيطرة المحكمة لرؤساء المناطق الحضرية والريفية المحليين وأقربائهم، والتي امتدت على مر السنين، بالرغم من تقلبات السياسة الباكستانية. فما أسرع ما كانت الحكومات المدنية تذهب ويأتي غيرها، سواء تمت الإطاحة بها من خلال انقلابات عسكرية أو نتيجة لولاءات مؤيديهم السياسيين المتغيرة باستمرار. ومع ذلك فإن نفس الأشخاص هم الذين يسيطرون على هذه الأحزاب ويقودون نفس الناس أو نفس الطبقات الشعبية على المستوى المحلي. وينطبق الأمر نفسه على الحكومات العسكرية.

وحتى الآن، فقد اقتصر تمرد حركة طالبان على بعض المناطق التي يسكنها البشتونيون، الذين تربطهم صلات عرقية قوية بأفغانستان، والذين لديهم تاريخ حافل من الثورات الدينية يمتد على مدى قرن ونصف القرن من الجهاد المتواصل ضد البريطانيين في المنطقة. وحتى الآن، فليس هناك أي دليل على احتمال انتقال هذا النوع من التمرد من مناطق البشتون إلى أجزاء أخرى من البلاد. فنسبة البشتونيين لا تزيد على 12 في المائة من سكان باكستان، ونسبة السكان في المناطق التي تأثرت بالتمرد أقل بكثير من ذلك. ومن ثَم، فلكي تتمكن حركة طالبان من القيام بثورة ناجحة في باكستان ككل، ينبغي عليها أن تقود تمردًا في البنجاب التي تعد بمثابة القلب من باكستان.

وليس هناك من شك في صحة ما أظهرته الأحداث المأساوية في الأسابيع الأخيرة من أن طالبان لديها ما يكفي من الدعم لتنفيذ هجمات إرهابية في معظم أنحاء باكستان. ولكن هناك فرقًا كبيرًا بين الهجمات الإرهابية وحركات التمرد. فلا يمكن الإطاحة بالحكومة سوى من خلال التمرد والاستيلاء الفعلي على السلطة في مناطق واسعة ومهمة ( مثل التمرد الذي قادته طالبان لفترة من الوقت في وادي سوات ومناطق القبائل، ولكنها لم تفلح في القيام به في أي مكان آخر).

فالإرهاب يمكنه أن يقتل الناس ويدمر الاقتصاد، ولكنه لا يستطيع تدمير الدولة، بل، على العكس من ذلك، ربما ساعد على تعزيز موقفها. وعلى أية حال، فإن هجمات طالبان قد أصبحت أكثر وحشية وعشوائية، وبالتالي فإن عددًا متزايدًا من الأشخاص العاديين من المحتمل أن يتوقفوا عن تأييدهم لطالبان وتعاطفهم معها، وأن يقوموا بدلا من ذلك بدعم و تأييد اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدها.

وكان هذا التحول في الرأي العام واضحًا بالفعل منذ شهر أبريل/نيسان من هذا العام، عندما استغلت حركة طالبان وقف إطلاق النار الذي أعقب اتفاق السلام الذي وقّعته مع الحكومة، والذي سمح بتطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات، وتمكنت بموجبه من الانتقال إلى منطقة "بانر" المجاورة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أدت الفظائع التي ارتكبتها حركة طالبان ضد الناس العاديين (وهم بقية الشعب بخلاف الساسة والجنود ورجال الشرطة، الذين لا يتعاطف معهم بالضرورة الكثير من عامة  الباكستانيين) إلى قدر من الدعم الحقيقي الشامل، لأول مرة، لهجوم ضد حركة طالبان.

ونفذ الجيش هذا الهجوم بنجاح في وادي سوات، حيث قتل الكثير من عناصر طالبان وقادتهم أو ألقي القبض عليهم، وهم يحاولون الآن فعل نفس الشيء في وزيرستان. وتمتع الجيش لأول مرة بالتأييد الكامل من معظم الساسة عند القيام بذلك. وكان العسكريون والسياسيون في السابق ينفقون الكثير من وقتهم في محاولة لإلقاء مسئولية الأعمال القاسية على بعضهم البعض.

ونتيجة لاستيلاء طالبان على بلدة بانر، وتزايد الإرهاب في عمق باكستان، أدرك غالبية الساسة والجنرالات أخيرًا أنهم إذا سمحوا  باستمرار هذا، فإن الضربة الموجهة  لهيبة الدولة ستكون كبيرة وربما تؤدى لانهيار الدولة. ولدى الطبقات الباكستانية الحاكمة – سواء من العسكريين أو المدنيين — أكبر مصلحة جماعية ممكنة لمنع ذلك من الحدوث، وأعتقد أنهم سيمنعون ذلك. أما عن قدرتهم على إصلاح الدولة الباكستانية، والحد من الأسباب الكامنة وراء دعم حركة طالبان، فهو أمر مشكوك فيه بشكل أكبر.

 

 ، الكلية الملكية -- أستاذ في قسم دراسات الحرب في الكلية الملكية في لندن ومؤلف كتاب "أمريكا على صواب أم خطأ: تشريح للقومية الأمريكية" ويؤلف حاليًا كتابًا عن باكستان سوف ينشر في عام 2010.

font change