كرزاي وحدود الآمال الأمريكية في أفغانستان

كرزاي وحدود الآمال الأمريكية في أفغانستان

[escenic_image id="5510084"]

بينما كان كرزاي يمثل في الماضي أكبر أمل لدى الغرب في قيادة حكومة أفغانية مستقرة وجديرة بالاحترام، يعتبره المسئولون الأمريكيون الآن واحدًا من أكبر العقبات في طريق إعادة بناء أفغانستان.

وأدى افتقاد الولايات المتحدة للثقة في كرزاي إلى تأجيلها لأية قرارات بإرسال المزيد من الجنود والمدنيين إلى البلاد قبل إعلان نتيجة رسمية للمأزق السياسي الحالي. ولا شك أن الحكومة الأفغانية الحالية لا تعمل لصالح أغلبية الأفغان، ولا من أجل المشاركة في الجهود الدولية لإعادة إعمار البلاد. غير أن السؤال الرئيسي هو؛ ما إذا كانت حكومة كرزاي الضعيفة تمثل مشكلة ظرفية، أم ما إذا كان فشلها ذا طبيعة بنيوية حتمية، وأن أية حكومة أفغانية سوف تكون ضعيفة وفاسدة نظرًا لجميع التحديات الموجودة.

وتمر أفغانستان بأكبر أزمة سياسية لها منذ تولي كرزاي منصبه في عام 2004. وراودت المسئولين الأمريكيين آمال كبيرة في أن تقدم الانتخابات الأفغانية في شهر أغسطس بديلا لحكومة كرزاي الواهنة والفاسدة. ولكنها بدلا من ذلك، لم تجلب نصرًا لأكبر معارضي كرزاي، عبد اللـه عبد اللـه، أو تؤدي لإعادة انتخاب كرزاي، ولكنها أفرزت جمودًا يشكل كابوسًا حقيقيًّا للإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان. والخبر السار أن كرزاي أعلن أن العملية الدستورية يجب أن تحظى بالاحترام الكامل، واتفقا على إجراء جولة ثانية من الانتخابات في السابع من شهر نوفمبر.

ويوضح أحدث تقييم داخلي للحرب الأفغانية أجراه الجيش الأمريكي سوء أداء حكومة كرزاي بشكل لافت للنظر. ويصف صاحب هذا التقييم، وهو القائد العسكري الأعلى الجنرال ستانلي ماكريستال، حالة  مزمنة من الفساد وإساءة استغلال السلطة، و"يزيد هذا الوضع من أزمة الثقة الشعبية في الحكومة، ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب". وتعد قائمة الاتهامات الموجهة إلى كرزاي طويلة نوعًا ما. ويأتي على رأسها تدهور الوضع الأمني، الذي يعزوه كثير من المحللين إلى إبعاد الحكومة لعدد من قبائل البشتون والذين يتحالفون الآن مع حركة طالبان.

وبالإضافة إلى ذلك، تعرَّض المقربون من كرزاي لانتقادات حادة لوقت طويل. ومن بين هؤلاء الجنرال فهيم الذي تم تعيينه وزيرًا للدفاع بعد فترة وجيزة من تولي كرزاي منصب رئيس الحكومة الأفغانية الانتقالية، وسرعان ما أحاطت به مزاعم بتورطه في تجارة المخدرات. كما تعرض شقيق كرزاي الأصغر أحمد والي كرزاي، وهو رئيس المجلس المحلي في قندهار، إلى اتهامات من جميع المصادر الأجنبية بتورطه في تجارة المخدرات. ولا يقتصر الأمر على مجرد تورطه فيها، بل يسود الاعتقاد بأن أحمد كرزاي يرأس مجموعة مهمة لتهريب المخدرات تعمل في جنوب البلاد.

كما يسود اعتقاد لدى المسئولين الأمريكيين بأنه يوجد شخص أفضل لهذا المنصب من كرزاي، ويرتبط هذا الاعتقاد أيضا بالإحباط المتراكم من جراء عدم جنْي  تقدم من الجهد  والموارد المستثمرة في إعادة إعمار أفغانستان.

غير أن الثابت خلال أكثر من مائة سنة، أنه لم تتمتع حكومة أفغانية أبدًا بسيطرة فعلية على جميع أراضي البلاد وشعبها المتنوع الذي يمثل سكانها. وتمتد الفترة الوحيدة التي نعمت بالسلام والتحديث في تاريخ أفغانستان المضطرب من بداية عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1973، عندما تمت الإطاحة بالملك زاير شاه في انقلاب عسكري. خلال هذه الفترة، تقلدت حكومة ضعيفة في كابول حكم البلاد من خلال شكل لا مركزي من السياسات، وسيطرت على الريف عشائر أو قبائل وفقًا لتراتبية هرمية، لعبت فيها العقيدة الإسلامية دورًا رئيسيًّا. ومنذ ذلك الحين، يرزح تاريخ البلاد تحت نير الفوضى والعنف.

اليوم، تعد أفغانستان واحدة من أفقر البلدان في العالم. ووفقًا للأمم المتحدة، تمثل أرباح تجارة المخدرات أكثر من 50% من الناتج الإجمالي المحلي. ويبدو تنفيذ الخطط الرامية لإحلال محاصيل بديلة مكان الأفيون شبه مستحيل. وتعتبر كثير من حدود أفغانستان في معظمها حدودًا شكلية، تعج بالمتطرفين والإرهابيين من المنطقة وخارجها، وتتقاسم أراضيها قبائل وعشائر وأعراق مختلفة تنظر إلى  سيادة الدولة على أنها  مجرد وهم.

ومع أخْذ كل هذا في الاعتبار، ليس من المعقول أن نتوقع  حكومة خالية من الفساد في أفغانستان. وبصرف النظر عن نتائج انتخابات الإعادة، سوف يتحتم على المسئولين الأمريكيين قبول حقيقة من اثنتين، أو حتى كلتيهما. أولا، سوف يتعين على كرزاي أن يكون جزءًا من الحل في المستقبل القريب لأفغانستان. وثانيا:  ليس من المرجح أن يكون لدى  أي من خلفائه، الآن أو في المستقبل،  سجل أفضل فيما يتعلق بالفساد وضعف الدولة. وإذا كان الفساد هو القضية الأكبر، فإن عبد اللـه عبد اللـه لا تنعقد عليه آمال كبار، من واقع سجله كوزير للخارجية.

أما بالنسبة لإدارة بوش، فكان نشْر الديمقراطية جزءًا رئيسيًّا من سياسته الخارجية والمثالية الخطرة ووجهات النظر المغلوطة حول دور الولايات المتحدة في السياسة العالمية. وبطبيعة الحال، فإن واحدة من سلبيات نشر الديمقراطية هو أنها أمر مستحب  طالما أن الأشخاص المفضلين هم الذين يفوزون. وسرعان ما اكتشفت إدارة بوش ذلك مع فوز حماس الانتخابي في غزة. وبالنسبة لإدارة أوباما، أصبح كرزاي يمثل ما كانت تمثله حماس لإدارة بوش. وهذه واحدة من معضلات بناء الدولة، وهى العمل مع زعماء لا يحبهم بناة الدولة. وفي حالة تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان، فإن هذا التحالف المرير، مع كرزاى وخلفائه، من المرجح أن يستمر لبضعة عقود على الأقل.

مانويل ألميدا

font change