خلايا إرهابية لـ «حزب الله» في الولايات المتحدة

خلايا إرهابية لـ «حزب الله» في الولايات المتحدة

إد رويس: قانون منع تمويل التنظيم اللبناني دولياً بداية جيدة ولكن تحتاج إلى تعديل







واشنطن- حنين غدار

تلقى «حزب الله» ضربتين كبيرتين في الولايات المتحدة قبل نحو أسبوعين فقط؛ حيث شهدت الأحداث تطوراً ملحوظاً بعد أن قامت الميليشيات الشيعية التي يقودها «حزب الله» في سوريا بمواجهة مباشرة مع القوات الأميركية حول منطقة التنف جنوب سوريا. ويبدو أن الحادثتين غير مرتبطتين، ولكن في سياق السياسة الأميركية لاحتواء إيران، يمكن أن تمثلا بعض التقنيات الأميركية الجديدة ضد «حزب الله»، أو على الأقل نهجاً جديداً لن تغض به أميركا النظر عن الإرهاب الإيراني.

أكدت وزارة العدل الأميركية أنه تم القبض على مواطنين أميركيين فى أوائل يونيو (حزيران) بتهمة تخطيطهما لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأميركية فى بنما ونيويورك لصالح «حزب الله». كما اجتمعت لجنة الكونغرس الأميركي في نفس اليوم مع أربعة خبراء أمنيين للنظر فى تعزيز العقوبات التى تستهدف الشبكة المالية لـ«حزب الله». ويدل هذان الحدثان على أن «حزب الله» هو منظمة إرهابية، وكلاهما يدعو إلى اتخاذ تدابير جدية لاستهداف الحزب.

اعتقال عنصري «حزب الله» يثير المخاوف



وفيما يتعلق بالاعتقالات، قامت السلطات الأميركية بتوقيف علي كوراني البالغ من العمر 32 عاماً في حي برونكس بنيويورك، وسامر الدبق البالغ من العمر 37 عاماً في ديربورن بميتشيغان يوم الخميس 1 يونيو بتهم تتعلق بأنشطتهما لصالح «حزب الله». وبحسب البيان الذى أصدرته وزارة العدل فإن الرجلين اللذين تم تجنيدهما كعناصر لـ«حزب الله» قد تلقيا تدريباً على الطريقة العسكرية التي تتضمن استخدام أسلحة مثل قاذفات قنابل يدوية ومدافع رشاشة فى دعم المهمة الإرهابية للحزب. وبتوجيهٍ من الذين يتعاملون معهم في «حزب الله»، أقدم الدبق على تحديد مواقع في بنما وخصوصاً سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل سعياً إلى العثور على عيوب أمنية في منشآت قناة بنما. أما كوراني فقد أقدم على جمع معلومات عن الأمن في مطارات عدة في الولايات المتحدة وعن طريقة العمل فيها وراقب مباني عدة لقوات الأمن في مانهاتن وبروكلين في نيويورك.

وقد أجرى اثنان من عناصر «حزب الله» رقابة سرية على الأهداف المحتملة، والتي تتضمن قواعد عسكرية أميركية وعسكريين إسرائيليين فى مدينة نيويورك. والمراقبة قبل التنفيذ هي واحدة من العلامات المميزة لـ«حزب الله» في التخطيط لهجمات مستقبلية. وكما يُزعم، فقد تلقى كوراني، على الأقل مرتين، تدريباً عسكرياً متقدماً في الخارج، بما في ذلك استخدام قنبلة صاروخية. وبالإضافة إلى ذلك، اتهمت السلطات الدبق في قضية مختلفة بالتدرّب بشكلٍ مكثفٍ لصنع القنابل على يد «حزب الله».

وتعني هذه الاعتقالات أن «حزب الله» لم يتوقف عن تشكيل وتشغيل خلايا إرهابية في الولايات المتحدة، على الرغم من أنها لم تستخدمها بعد. يعمل «حزب الله» دائماً بشكلٍ استباقي، فهو يستعد لأسوأ الأحوال من خلال التخطيط لاستراتيجية طويلة الأجل في طهران. ولذلك حتى لو لم يقم «حزب الله» بهجمات إرهابية خطيرة في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة - إذ يسمح لـ«داعش» بأخذ كل الاهتمام – فإن هذا لا يعني أنهم توقفوا عن التخطيط.

هناك سبب استراتيجي وراء ابتعاد «حزب الله» عن القيام بعمليات إرهابية في الغرب في السنوات القليلة الماضية. فخلال المفاوضات حول الاتفاق النووي مع الغرب وبعد تلك الفترة، أرادت إيران أن تلعب دوراً مختلفاً يجعلها تبدو كما لو أن عملياتها الإقليمية تهدف إلى محاربة «داعش» والإرهاب بشكلٍ عام. والواقع أن الميليشيات الشيعية الإيرانية في المنطقة - وخاصةً في العراق وسوريا - موجودة لتنفيذ جدول أعمال إيراني يهدف للسيطرة والهيمنة. لكن الصورة الظاهرة ضرورية لتشكيل الرأي العام وتظاهر إيران بأنها جزء من الحرب ضد «داعش» جعلتها مع «حزب الله» والأسد وجميع الميليشيات الشيعية تظهر أقل خطورةً من الجماعات الإسلامية الأخرى في المنطقة. وقد صدَّق الكثيرون في الغرب ذلك ودعوا إلى التعاون مع إيران في العراق وسوريا وحتى إشراك إيران في أي مناقشة دولية لإيجاد حلولٍ دبلوماسية. وبالتأكيد ساعدت روسيا على تعزيز هذا البرنامج ودعت إيران إلى أن تكون جزءاً من محادثات آستانة.

ولتحقيق ذلك، اضطُرَّت الميليشيات الإيرانية - وعلى رأسها «حزب الله» - إلى أن تتوقف عن القيام بهجمات إرهابية في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة. فأي هجوم على المصالح الغربية كان سيعيد «حزب الله» إلى قائمة التهديدات المباشرة للولايات المتحدة أو أوروبا. غير أن التخطيط لم يتوقف أبداً، لأن «حزب الله» يعلم أنه سيأتي اليوم - بعد الموصل أو الرقة، أو عندما تصبح المواجهة مع الولايات المتحدة في المنطقة هي القضية - الذي يتم فيه إعادة النظر في الهجمات الإرهابية.

«حزب الله» كمجرمين عالميين



ألقى هذا الحادث ثقلاً كبيراً على الأخبار والبيانات الصادرة عن جلسة الكونغرس لمناقشة الشبكة المالية لـ«حزب الله». وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي وعضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا إد رويس — الذي دعا إلى عقد جلسة استماع عقدت بداية الهر الحالي إن قانون منع تمويل «حزب الله» دولياً كان بداية جيدة إلا أنه يحتاج إلى التعديل، لأن «حزب الله قام بتطوير شبكة إجرامية واسعة النطاق تشارك في مجموعة من الأنشطة غير المشروعة، من الاتجار بالمخدرات إلى تهريب السجائر إلى غسل الأموال والتزوير. وهؤلاء الإرهابيون العالميون يتضاعفون كمجرمين عالميين».
وقال ماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، خلال جلسة الاستماع إنه يتعين على الولايات المتحدة أيضاً استئناف العقوبات ضد إيران بسبب دعم «حزب الله» مالياً وعسكرياً. وأضاف ليفيت أنه «من دون إحباط خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تقتصر على التطور والانتشار النووي، يمكن اتخاذ إجراءات أكثر شدة ضد كيانات إيرانية مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وماهان للطيران ومجموعة أخرى من المشاركين في دعم طهران للإرهاب». وأصر أعضاء الاجتماع على ضرورة إدخال أدوات إضافية لاستهداف موارد «حزب الله» وقدرته على استغلال النظام المالي الدولي لتحقيق مصالحه. واختتم مع الرئيس رويس قائلاً إن «الجزء الثاني من هذا التشريع قادم».

ماذا يعني كل هذا؟



لا يزال من المبكر القول متى وما إذا كانت إدارة ترمب ستنهي استراتيجيتها لاحتواء إيران ووكلائها. ولكن في الوقت نفسه، ليس من الصعب ملاحظة موقف الإدارة الجديدة الأكثر عدوانية تجاه إيران. لا تزال خطة العمل الشاملة المشتركة موجودة، ولكن هذا لا يعني أن أميركا وحلفاءها سيضحون بمصالحهم للحفاظ على هذه الخطة.

ولا تتجاهل القوات الأميركية والمتمردون المدعومون من الولايات المتحدة تحركات الميليشيات الشيعية الإيرانية وعملياتها العسكرية في سوريا. إذ أسقطت طائرة أميركية طائرةً إيرانية دون طيار كانت قد أطلقت النار على قوات التحالف في منطقة التنف، ومن المتوقع حدوث المزيد من المواجهات مع وصول الميليشيات المدعومة من إيران الى الحدود. وفي الوقت نفسه، هناك طرح للمزيد من العقوبات المفروضة على «حزب الله»، وهي على الأرجح مصممة لتكون أكثر استهدافاً واستمراراً في إيذاء وتقييد الحزب وشبكته المالية.

لقد تعمد «حزب الله» أخذ استراحة من الأنشطة الإرهابية في الغرب وركز على الشرق الأوسط، ولكن يبدو أن «حزب الله» لم يتوقف فعلياً. ولهذا السبب لا يجب على قتال «داعش» أن يهمش الحرب ضد «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. فيبدو أن تعزيز العقوبات لاستهداف «حزب الله» والمجموعات الأخرى هو أحد الطرق للقيام بذلك، ولكن هل سيكون كافيا لعرقلة «حزب الله» في سوريا واحتواء إيران في المنطقة؟ لا يبدو كافياً إذا كان الخطر وشيكاً.

تنفذ إيران وميليشياتها خططها بوتيرةٍ سريعةٍ جداً بمساعدة روسيا، في حين تستغرق السياسة وقتاً أطول. والآن بعد أن بات واضحاً أن «حزب الله» كان يخطط لاستهداف الولايات المتحدة، فإن السياسة بحاجة إلى النظر في التهديد الإيراني الذي يلوح في الأفق، وحقيقة أن الميليشيات الإيرانية تشكل أيضاً تهديداً مباشراً للولايات المتحدة مثل «داعش». ربما عندها، ستتحول سياسة محاربة «داعش» في سوريا إلى استراتيجية أكثر شمولاً للحرب ضد الإرهاب، بجميع أشكاله.
وبناءً على ذلك، لا ينبغي السماح لإيران بمحاربة «داعش» في معركة دير الزور المقبلة - مع العلم أن هدفها الحقيقي هو الأراضي التي تسيطر عليها «داعش». ويجب عدم السماح بوجود إيران في أي مكان بالقرب من الحدود العراقية - الأميركية. كما لا ينبغي السماح لإيران بالسيطرة على الموصل بعد هزيمة «داعش» أو السماح لها بالوجود على أي طاولة مفاوضات، سواء وافقت روسيا على ذلك أم لم توافق. والأهم من ذلك، يجب الإطاحة بممثل إيران السوري، بشار الأسد، وذلك لمنع أي إمكانية لتشريع وجود إيران أو سلطتها في سوريا.

* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة «فريدمان» الافتتاحية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
font change