كان من المفترض بالمعارضة السورية ممثلة بالائتلاف أن تعمل كخلية نحل وخصوصا مع التبدلات التي حصلت وتحصل عربيا وإقليميا ودوليا. كان المنتظر منها أن تكون حاضرة في عواصم القرار تتابع وتضغط كي لا يكون الملف السوري هدية ترضية في أي اتفاق نووي قد يحصل أو لا يحصل. كان من المأمول أن يكون ممثلو الثورة السورية متأهبين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والموقف الدولي شبه الموحد ضد روسيا. انتظر الكثيرون من الائتلاف أن يستغل الفرصة التي أتته على طبق من فضة فيذكر العالم بما فعلته روسيا في سوريا. كان وكان ولكن ما جرى كان أبعد ما يكون عن المنطق السياسي أو فهم المصلحة الوطنية السورية.
فالمعارضة ممثلة بالائتلاف، والتي من تأمل حتى في أن تتحرك دوليا مع كل هذه المستجدات يعرف أنها مسيرة لا مخيرة، وأنها لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا لا من السوريين فحسب بل أيضا من جمهور الثورة والمعارضة، إن مثلت.
ففي وقت كان العالم متأهبا ضد الانتهاكات الروسية في أوكرانيا والتي ذكرت الجميع بالانتهاكات الروسية في سوريا، ودول المنطقة تناور لتضمن أن لا صفقة بين الإدارة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران على حساب مصالحها وأمنها، كانت المعارضة متأهبة لتبدأ معركة جديدة من معاركها الداخلية بين شخوصها.
يحاول المرء أن يتجاهل تلك المعارك الدونكشوتية والتي لطالما كانت تحصل باسم تمثيل الثورة والإصلاح، والثورة منهم براء، ولكن يستمر المتصارعون بإحداث الضجيج، كي ينتبه من لم ينتبه بعد لشرههم للسلطة وتمسكهم بكرسي هم أكثر العارفين أن لا صلاحية له.
باسم الإصلاح تم فصل عدد من أعضاء الائتلاف، وكانت المبررات غير مقنعة تماما كحال الائتلاف منذ سنوات، وبدل أن يتنفس المفصولون الصعداء لأنهم أبعدوا، ولو رغما عنهم، عن تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في المعارضة، إلا أن قسما منهم أبى إلا أن يزيد الأمور سوءا ويضاعف كمية غضب السوريين على ما يستمرون باقترافه بحق سوريا وثورتها وشعبها.
رسائل وبيانات إلى الجامعة العربية والمسؤولين العرب والدوليين وإلى الرأي العام العالمي، يعترضون على إنهاء عضويتهم، وكأن أحدا يأبه أو يتذكر حتى أسماء من بقي ومن تم فصله. وفي المقلب الأخر، من بقي في هذه المؤسسة التي انتهت سياسيا من لحظة قررت السير بمسار سوتشي والتخلي عن مسار جنيف للحل السياسي في سوريا وحاول من فيها ادعاء العكس، بدل أن يمضوا بما سموه هم «إصلاحا»، لجأوا إلى شراء متابعين وهميين على صفحات التواصل الاجتماعي عل الناس تقتنع أنهم يمثلون وأن السوريين مؤيدون لقراراتهم، ولكن كثرة الـ«لايكات» الوهمية الفجائية وتكرار التعليق نفسه مئات المرات زاد على فشلهم فشلا جديدا، فتحول التياران، تيار الحسابات الوهمية وتيار النداءات الإقليمية والدولية، إلى مادة للسخرية بين السوريين.
ولم يكتف الائتلاف بشقه الذي يدعي الإصلاح بإخراج أعضاء وإدخال آخرين، ولكن وبعد أن عدل نظامه الداخلي تحول إلى ممثل لمكونات عرقية وطائفية بدل أن يكون تحالفا بين تيارات سياسية وثورية، في خطوة لا يمكن أن يرى فيها سوى محاولة إلغاء للثورة السورية على أمل حصولهم على قطعة من جبنة التسويات المتوقعة في المنطقة.
كثيرة هي أخبار هذه المعارضة/ المعارضات ولكنها كلها ضجيج، فقد بات الممثل السياسي للثورة السورية أبعد ما يكون عن العمل السياسي، وباتت القضية السورية بعيدة كل البعد عن اهتمامات المعارضة، حتى باتت هذه المعارضة كالنادي يدخله من يرضى عنه أصحاب القرار ويخرج منه من ينتهي دوره بعد أن يكون قد أدى فروض الطاعة لأولياء الأمر، دون أي عمل جدي لصالح سوريا والسوريين.