مستقبل مجهول يتربص بالعراق مع توسع «الحشد الشعبي»

مستقبل مجهول يتربص بالعراق مع توسع «الحشد الشعبي»

باحث بجامعة ماريلاند: دعم إيران للميليشيات يتخطى الإمدادات العسكرية



[caption id="attachment_55259957" align="aligncenter" width="4000"]عناصر من الميليشيات العراقية الموالية للزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر خلال اشتباكات عنيفة مع مقاتلي «داعش» في محافظة صلاح الدين (غيتي) عناصر من الميليشيات العراقية الموالية للزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر خلال اشتباكات عنيفة مع مقاتلي «داعش» في محافظة صلاح الدين (غيتي)[/caption]

مع أن فصائل «الحشد» تضم مقاتلين مسيحيين وسنيين، إلا أن المقاتلين الشيعة هم العنصر الرئيسي والأكبر خصوصاً في الرتب القيادية.
 
أصبح القضاء على «داعش» بشكل نهائي قريباً. لكن، ما دور «الحشد» بعد ذلك وما تداعيات استمراريته. وما هدفه التالي؟ هل سيحدد خصماً جديداً؟
 
بات مستقبل العراق والمنطقة سوداوياً إن لم يتم تحييد «الحشد» ومراجعة نفوذه، خاصة مع استمرار الدعم الإيراني للميليشيات المسلحة والشروخ الطائفية التي عمقتها الفصائل.



لندن: «المجلة»
 
يصنف «الحشد الشعبي» كمجموعة قوات شبه عسكرية رديفة للجيش العراقي تأسست في يوم ـ15 من شهر يونيو (حزيران) 2014. التسمية الأوسع باتت تضم اليوم نحو 50 فصيلا مسلحاً بهدف محاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق. وتنشط الفصائل في محافظات ومدن عدة في البلاد من بغداد إلى الموصل، معقل «داعش».
ونظرا لأن «الحشد الشعبي» رديف للجيش العراقي، يشغل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منصب القائد الأعلى له، ويترأس هيئته فالح الفياض. وينوب عن الفياض قائد المقاومة الإسلامية أبو مهدي المهندس. وتتضمن قائمة الوجوه البازرة في قيادة الحشد المتحدث العسكري كريم نوري والمتحدث باسم «الحشد» أحمد الأسدي ورئيس أركان الهيئة صادق السعداوي. كما تتألف ترسانته من أسلحة توفرها الحكومة العراقية من أسلحة خفيفة ومدافع ودبابات وشاحنات مسلحة. كما يتلقون دعماً مسلحاً برياً وجوياً من قبل الجيش العراقي والقوات الأمنية الداخلية.

«الحشد» مظلة واسعة تحتضن نحو 140 ألف مقاتل يتقاضون أجوراً شهرية تقدر بنحو 600 دولار أميركي للفرد إضافة إلى نفقات إضافية.

ومع أن فصائل «الحشد» تضم مقاتلين مسيحيين وسنيين، إلا أن المقاتلين الشيعة هم العنصر الرئيسي والأكبر خصوصاً في الرتب القيادية. ومن أشهر الفصائل وأكثرها تأثيراً على الأرض «عصائب أهل الحق» وحركة «النجباء» و«سرايا الخراساني» وكتائب «حزب الله» والجناح العسكري لمنظمة «بدر» و«سرايا السلام» و«سرايا عاشوراء».

ومع تضاؤل سيطرة «داعش» في العراق، باتت حقيقة القضاء عليه نهائياً قريبة. لكن، تصاحب نهاية التنظيم المتطرف علامات استفهام عن دور «الحشد» بعدها وتداعيات استمراريته. فماذا سيكون هدفه التالي؟ وهل سيحدد خصماً جديداً؟

ما بعد تحرير الموصل



يقول فيليب سميث الخبير في الميليشيات الشيعية بجامعة ماريلاند الأميركية إن «الميليشيات خلقت الكثير من المشكلات السياسية الداخلية في العراق». ويضيف: «تلك الجماعات المسلحة باتت تطمع بتعظيم نفوذها في الحكومة على الصعيدين المحلي والوطني». ويكشف سميث، الزميل لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لـ«المجلة» عن الشروخ الآيديولوجية بين فصائل «الحشد»، ويقول، «الفصائل الخمينية المدعومة من قبل إيران تختلف بشدة عن فصائل مقتدى الصدر، والسيستاني وغيرهما». ويردف: «هذه الاختلافات ليست شروخاً بين الميليشيات الشيعية فحسب، بل تمتد إلى خلافات مع جماعات مسلحة كردية في العراق».

ويضيف: «وقد تتضاعف المشكلات الدخلية في العراق جراء استغلال إيران للميليشيات الشيعية كفصائل مقاتله في سوريا ومناطق خارج العراق».

وكمثال على توغل المشكلات المحلية، كشف تقرير أصدرته منظمة «هيومات رايتش ووتش» الحقوقية في الرابع من شهر يونيو الحالي أنه تم العثور على عشرات الجثث بعد إعدامها في ضواحي الموصل. وفي بيانها كشفت المنظمة أن «26 جثة على الأقل وجدت في مناطق تحت سيطرة الحكومة العراقية في ضواحي الموصل منذ بدء عملية تحريرها في أكتوبر (تشرين الأول) 2016». وأضافت: «وفي 15 من الحالات، تأكد أنهم قتلوا على أيدي قوات حكومية بعد احتجازهم لاشتباههم بالانتماء إلى تنظيم داعش».



وتلقت المنظمة تقارير بأن قوات الحشد الشعبي كانت وراء الإعدامات. وعبرت المنظمة عن قلقها حول اختراقات حقوق الإنسان وحالات قد تصنف كجرائم حرب على أيدي الميليشيات.

كما كشف تقرير صادر عن المنظمة ذاتها في سبتمبر (أيلول) 2015 أن ميليشيات الحشد الشعبي في العراق نفذت أعمال تدمير متعمدة وموسعة لبيوت ومتاجر شتى في أرجاء مدينة تكريت، وخطفت 200 مواطن من السنة خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2015 وما زال 160 مواطناً في عداد المفقودين.

تقرير «دمار بعد المعركة: انتهاكات الميليشيات العراقية بعد استعادة تكريت»، استعان بصور الأقمار الصناعية للتثبت من شهادات لمواطنين أفادوا بالدمار الذي طال أحياء كاملة. وبعد فرار عناصر «داعش»، خطفت كتائب «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» أكثر من 200 من السكان السنة، بينهم أطفال، وذلك على مقربة من بلدة الدور جنوب تكريت، 160 شخصاً على الأقل منهم ما زال مصيرهم مجهولا. وبحسب التقرير: «شملت الميليشيات التي يغلب عليها الشيعة، المسؤولة عن الأعمال الوحشية وسط القتال، فيلق بدر، ولواء علي الأكبر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب لله، وسرايا خراسان، وجند الإمام».

ولم تجد تحقيقات المنظمة أي مبرر عسكري مشروع للتدمير الشامل للمنازل في تكريت والمناطق المحيطة بها.

كما ناشد التقرير الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأخرى أن تدين علناً انتهاكات الميليشيات وتضغط على الحكومة العراقية لتحقق بشكل كامل ونزيه في جرائم الحرب.

وبحسب المنظمة «تمثل إعادة تأكيد سلطة المؤسسات الحكومية على المناطق الواقعة الآن تحت سيطرة الميليشيات أمرا حاسما لإقناع عشرات الآلاف من السنة النازحين للعودة إلى ديارهم. وتبديد خوفهم من الأعمال الانتقامية المحتملة على يد الميليشيات».
 
[caption id="attachment_55259959" align="aligncenter" width="5760"]ميليشيات «الحشد الشعبي» تصل إلى قرية صالح بعد الاستيلاء على قرى خالد وصالح وزنور في بلدة قيارة من إرهابيي «داعش» خلال العملية لاستعادة الموصل (غيتي) ميليشيات «الحشد الشعبي» تصل إلى قرية صالح بعد الاستيلاء على قرى خالد وصالح وزنور في بلدة قيارة من إرهابيي «داعش» خلال العملية لاستعادة الموصل (غيتي)[/caption]

إيران... عصب «الحشد»



استخلص تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية «امنستي» صدر في الخامس من الشهر الحالي أن «تزويد الجماعات المسلحة والميليشيات في مختلف أنحاء العراق بالأسلحة والذخائر قد خلّف آثارا مدمرة على المدنيين». وأضاف: «في سياق الحرب على تنظيم داعش، قامت الميليشيات شبه العسكرية، التي تضم أغلبية شيعية، وتعمل تحت مظلة (الحشد الشعبي)، بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب واختطاف آلاف الرجال والفتيان. وواصلت استعمال طيف واسع من الأسلحة والذخائر في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم حرب، أو في تسهيل ارتكابها، دونما أدنى خشية من العقاب». واستطرد: «تحتوي مخزوناتها على أسلحة وذخائر بما فيها أسلحة صغيرة وأسلحة خفيفة وصواريخ وأنظمة مدفعية ومركبات مصفحة عراقية وإيرانية وروسية وغيرها».

ودعا تقرير المنظمة إلى الحاجة الماسة لتطبيق ضوابط على عمليات نقل الأسلحة وتخزينها ونشرها للحيلولة دون تزويدها للجماعات المسلحة، ومنع وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

بالفعل، تعتبر إيران الداعم الأكبر للحشد الشعبي. وعن ذلك يقول الباحث والخبير فيليب سميث: «معظم عناصر الحشد العسكرية القوية يعود أصلها وتاريخها إلى قوات الحرس الثوري الإيراني». ويضيف: «قدمت إيران دعماً مباشراً عسكرياً وتدريبياً ولوجيستياً لفصائل الحشد، كما جرى إرسال مقاتلين من (حزب الله) اللبناني إلى العراق لتدريب وإرشاد مقاتلي الميليشات». لكن، وفقاً لسميث، فإن علاقة إيران بـ«الحشد» أكثر عمقاً من دعم عسكري أو لوجيستي، ويشرح قائلا: «على سبيل المثال، الجناح العسكري لمنظمة بدر - أحد أبرز فصائل «الحشد» - كان معروفاً في السابق تحت اسم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». ويستطرد: «المنظمة لا تزال تعمل تحت آيديولوجيا المجلس، كحال الكثير من الميليشيات الشيعية في البلاد».
 

تهديد للمنطقة



في تصريحات جدلية ومثيرة للقلق في الرابع من الشهر الحالي، لم يستبعد أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أن يوسع مقاتله الحرب على «داعش» خارج الحدود العراقية في حال «كان الأمن القومي العراقي على المحك»، بحسب تعبيره.

تعليقاته أشعلت جدلا حول شرعية خطوة كهذه مع الاخذ بعين الاعتبار سيادة الدول المجاورة التي لن تقبل بأية اختراقات أو محاولة لهيمنة وتوغل «الحشد» تحت غطاء الحرب على التنظيم المتطرف.

في هذا السياق يقول سميث: «الحشد الشعبي مظلة عراقية معترف بها في بغداد، لكن بعض فصائلها بدأت بالتوسع خارج البلاد». ويضيف: «أهم فصائل الحشد لديها فروع وامتدادات خارج البلاد ومقاتلوها سافروا إلى سوريا للقتال جنباً إلى جنب مع «حزب الله» اللبناني كما عرضوا دعمهم للمتمردين الحوثيين في اليمن، ويسعون دوما إلى خلق ميليشيات متطرفة في البحرين».

وينوه سميث إلى أن تلك الظاهرة لا تقتصر على الحشد الشعبي فحسب بل هي قضية واسعة ومرتبطة بالجماعات المدعومة من إيران والتي باتت توسع مداركها السياسية والعسكرية والاجندة الإيرانية في المنطقة، بحسب قوله.

إذن كيف سيؤثر ذلك على الأمن في المنطقة؟ وهل يشكل «الحشد» أي تهديد على دول مجلس التعاون الخليجي؟ (عناصر ضمن الحشد الشعبي تشكل تهديدا بالفعل)، يقول سميث من دون تردد. ويوضح: «كتائب (حزب الله) وجهت تهديدات واضحة للمملكة العربية السعودية في أكثر من مناسبة، وفصائل أخرى تحت مظلة (الحشد) كجيش المختار قامت بإطلاق هجمات صاروخية على الكويت والسعودية». ويستطرد: «المقاتلون المتطرفون الشيعة العراقيون المنتمون إلى (الحشد) متورطون أيضاً بتدريب متطرفين في دول الخليج بغية إنشاء ميليشيات في دول المجلس».

قلق يحوم حول مستقبل العراق والمنطقة جراء توسع نفوذ مظلة «الحشد»، خصوصا بعد تصريحات قيادييه الأخيرة. ومع استمرار الدعم الإيراني للميليشيات المسلحة والشروخ الطائفية التي عمقتها الفصائل بات مستقبل العراق والمنطقة سوداوياً إن لم يتم تحييد «الحشد» ومراجعة نفوذه.
font change