القامشلي: لا يكاد يمرّ أسبوع في سوريا إلا ويكشف فيه النقاب عن حالة تعذيبٍ وقتل جديدة في مناطق متنوعة ويكون ضحيتها طفلا أو طفلة، وهو أمر بات يتكرر باستمرار منذ اندلاع الحرب السورية التي تلت احتجاجات شعبية عمّت البلاد في منتصف شهر مارس (آذار) من العام 2011، حيث بات تكرار هذه الجرائم التي غالباً لا يُعاقب مرتكبوها، ظاهرة خطيرة وفي ازدياد سريع لأسباب كثيرة من ضمنها التفكك الأسري وأيضاً على خلفية الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
ففي مطلع الأسبوع الجاري، شهدت محافظة درعا الواقعة جنوبي سوريا، جريمة بشعة راح ضحيتها طفلٌ صغير بعدما قام والده العسكري بتعذيبه حتى الموت، وذلك إثر وجود مشاكلٍ بينه وبين زوجته التي انفصل عنها، ورغم أنه قام بتعذيب اثنين آخرين من أولاده، لكنهما لم يفارقا الحياة بل يتلقيان العلاج نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرّضا إليه والذي أدى إلى ظهور كدمات وكسورٍ في جسديهما.
القاتل رقيب في الجيش
كشفت مصادر محلّية من درعا لـ«المجلة» أن «الوالد الذي قتل نجله يدعى علاء العلي وكان يقيم في مساكن الضباط، وقد توارى عن الأنظار بعدما قتل ابنه تحت التعذيب لوجود خلافات بينه وبين زوجته التي انفصل عنها منذ مدّة».
ودُفِن الولد الصغير الذي قُتل على يد والده العسكري في بلدة الصنمين الواقعة في ريف محافظة درعا، بينما تنحدر والدته من ريف محافظة دمشق. وتفاعل سكان درعا مع هذه الحادثة المكررة بغضب وتأثر، حيث ربطوا جريمة الأب بدوره كعسكري لدى قوات النظام السوري، وهو رقيب أول في الفرقة التاسعة وينحدر من مدينة اللاذقية، واعتبر الأهالي أنه اعتاد على العنف وعلى ارتكاب مثل هذه الجرائم بدمّ بارد.
والدة الضحية تمتنع عن الحديث لوسائل الإعلام
بحسب مصادرٍ محلّية أخرى تحدّثت إلى «المجلة»، فإن المجرم لا يزال طليقاً حتى اللحظة ولم يتمّ إلقاء القبض عليه رغم أن نجله فقد حياته هذا الأسبوع ودُفِن في بلدة الصنمين يوم السادس عشر من أبريل (نيسان) الجاري.
وحاولت «المجلة» الحصول على تصريحات من والدة الضحية، إلا أنها فضلت الصمت وامتنعت عن الحديث لوسائل الإعلام. في حين أكدت مصادر مقرّبة منها أنها «تعيش في صدمة ولا تزال في حالة نفسية وجسدية حرجة، فهي أمام فاجعة صعبة بعد قتل طفلها على يدّ والده من جهة، وقلقها على طفليها الآخرين اللذين لا يزالان يعانيان من نتائج العنف الأسري من جهةٍ ثانية»، مشددين على أنها «تخشى كذلك من الحديث عبر الصحافة عن طليقها خشية الانتقام منها أو من ولديها الاثنين الباقيين».
ووفق المصادر نفسها، فإن الولدين الآخرين اللذين تعرّضا للتعذيب أيضاً في حالةٍ صحية مستقرة، لكنهما لا يزالان يتلقيان العلاج بحذر ويعانيان من كسور وكدمات نتيجة التعذيب العنيف الذي تعرّضا إليه من قبل والدهما الفار حتى الساعة.
14 طفلاً ورضيعاً قُتِلوا منذ بداية العام
حرص العدد الأكبر من وسائل الإعلام على عدم نشر مقطع الفيديو الذي يوثّق مقتل الطفل الصغير لقسوة المشاهد، وهو أمر لا يحصل للمرة الأولى، فمنذ الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، قُتِل 14 طفلاً نتيجة التعذيب الأسري، وفق أحدث إحصائيةٍ نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، علماً بأنها لا تتضمن أيضاً الأطفال الذي قتلوا في غضون عمليات السطو المسلّح أو الخطف أو نتيجة العمليات العسكرية للأطراف المتعددة على الأراضي السورية.
ويتوزّع هؤلاء الضحايا على عدد من المحافظات السورية، ففي ريف دمشق قتلت طفلتان وطفلان، وفي حلب قُتِل طفلٌ رضيع، وفي حماه قتل طفلٌ رضيع أيضاً، بينما في السويداء قُتِل طفلٌ رضيع وطفلٌ آخر، إضافة لأربعة أطفال في درعا، وطفلة في حمص. ومع آخر طفلٍ قُتِل على يد والده في درعا، يكون عدد الضحايا منذ بداية العام الحالي 14 طفلاً ورضيعاً.
قتل الأطفال تحوّل إلى ظاهرة
وفي هذا السياق، أوضح رامي عبد الرحمن مدير المرصد الذي يتّخذ من بريطانيا مقرّاً له أن «هناك جملة من الأسباب تقف خلف مقتل الأطفال المتكرر في سوريا».
وأضاف لـ«المجلة» أن «من بين أبرز هذه الأسباب استمرار الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود ثقافة مجتمعية كافية لنبذ العنف وغياب المنظمات الراعية والداعمة للطفولة»، معتبراً أن «معظم هذه المنظمات لا تقوم بواجبها على أكمل وجه، فبعضها يعمل عبر مشاريع وهميّة فقط بهدف الحصول على تمويلٍ من دولٍ غربية».
كما شدد عبد الرحمن على أن «قتل الأطفال تحوّل إلى ظاهرة بالفعل، وهي ظاهرة خطيرة وباتت تنتشر دون أي محاسبة لذلك يجب مواجهتها بجديّة، لكن مئات المنظمات المعنيّة بشؤون الأطفال وحقوقهم لا تلتزم بواجباتها تجاههم في سوريا».
ورغم أن أغلب الجرائم التي استهدفت الأطفال منذ بداية العام الجاري، وقعت في مناطقٍ تخضع لسيطرة النظام، إلا أن القاتل قد ينجو من العقاب إذا ما تمكّن من الفرار أو توارى عن أنظار أهالي المنطقة والقوى الأمنية.
المنظمات المعنية غائبة
وأكد مدير المرصد أن «القوانين السورية تُعاقب على مثل هذه الجرائم، لكن في النهاية هناك فوضى أمنية والبلاد تعيش في حرب، ومع أن السلطات تعتقل مرتكبيها وتحاسبهم، إلا أن مثل هذه الجرائم تستمر ولا تتوقف».
ومن جهتها ربطت منظمات محلّية معنية بشؤون الأطفال، التخلص من ظاهرة قتلهم، بضرورة تقديم الدعم النفسي للفئات المهمّشة وتقديم المعالجة النفسية والطبية لضحايا العنف الأسري خاصة وأنه يؤدي لاضطرابات عاطفية على المدى البعيد لدى أولئك الأطفال الذين وقعوا ضحية العنف الأسري أو تسبب ذلك بإعاقة دائمة أو مؤقتة لديهم.
كذلك تطالب منظمات من المجتمع المدني، السلطات الأمنية السورية بضرورة وضع حدّ لحوادث القتل الناجمة عن العنف الأسري لاسيما وأنها تبدو عاجزة أمام التصدي لهذه الظاهرة التي قد تكون نتائجها كارثية سيما بالنسبة للأطفال الذي أصيبوا بإعاقاتٍ دائمة قد تمنعهم من الالتحاق بالمدارس وتلقي مستوى جيد من التعليم.
وسبق لمنظمات دولية بينها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن ندّدت بمقتل الأطفال جرّاء العمليات العسكرية التي تخوضها أطراف مسلّحة عدّة داخل الأراضي السورية. وقد تزامن إصدار التقرير السنوي لهذه المنظمة هذا العام مع مقتل 3 أطفال بذخائرٍ غير منفجرة في مدينة حلب.
وأعلنت اليونيسيف في بيانٍ مطوّل أصدرته عشية الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة السورية أن «العنف والنزوح ونقص الوصول إلى الخدمات الأساسية لا يزال يعيق حياة الأطفال في سوريا».
13 ألف طفل قُتِلوا منذ مارس 2011
وبحسب المنظمة الأممية، فقد قتل وأصيب 900 طفل في سوريا خلال عام 2021 وحده، وهو ما رفع إجمالي القتلى والجرحى من الأطفال إلى 13 ألفاً منذ مارس (آذار) من العام 2011.
وكانت الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة السبب الرئيسي لوقوع هؤلاء الأطفال ضحايا في عام 2021، وهو ما يمثل حوالي ثلث إجمالي الإصابات والوفيات المسجلة، تاركاً العديد من الأطفال بإعاقات مدى الحياة، بحسب البيان المطوّل الصادر عن اليونيسيف.
وقدم بو فيكتور نيلوند ممثل المنظمة الأممية في سوريا إفادة صحافية قائلا إن «حوالي 5 ملايين طفل وُلِدوا في سوريا منذ عام 2011، ولم يعرفوا شيئًا سوى الحرب والنزاع. في أجزاء كثيرة من البلاد، ما زالوا يعيشون في خوف من العنف والألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب».
ولفت إلى أن ثلث الأطفال في سوريا تظهر عليهم علامات الضيق النفسي بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة، الأمر الذي يعني أن النزاع المسلّح في سوريا ترك آثاراً نفسية لدى الأطفال في وقتٍ اعترفت فيه اليونيسيف بعدم وجود أرقامٍ دقيقة عن عدد الذين أصيبوا منهم بإعاقاتٍ دائمة.
وتابع ممثلها في سوريا في إفادته أنه «من الواضح أن الأطفال ذوي الإعاقة يتحملون عبئاً مزدوجاً عندما يتعلق الأمر بالعنف والتهديدات لصحتهم وسلامتهم والجوع وخطر الإساءة وفقدان التعليم. كما يؤدي الافتقار إلى القدرة على الحركة وصعوبة الهروب من الأذى إلى تفاقم العقبات التي يواجهونها».
وكشف مصدر من المنظمة الدولية لـ«المجلة» أن «ارتفاع معدلات البطالة في سوريا إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم والفقر وانعدام الخدمات في بعض المناطق ونقص السلع الأساسية، يجعل من رعاية الأطفال المصابين مهمة في غاية التعقيد والصعوبة بالنسبة لأسرهم».
وشدد نيلوند على أن «الأطفال ذوي الإعاقة مثلهم مثل جميع الأطفال ويحق لهم الحصول على الاهتمام والرعاية، وستظل اليونيسيف ملتزمة بدعم هؤلاء الأطفال، دون وصمة العار وأينما كانوا في بلادهم».
ويحتاج 5.8 مليون طفل سوري داخل البلاد وخارجها في البلدان المجاورة التي لجأوا إليها مع عائلاتهم، للمساعدات المختلفة كالدعم النفسي والاجتماعي والرعاية الطبية والخدمات العامة والتعليم. علاوة على ضرورة تقديم المعالجة الكافية لتعافيهم من الصدمات التي أثّرت على حياتهم نتيجة الحرب.
وتفيد الأرقام التي تظهرها إحصائيات اليونيسيف أن 17 في المائة من العائلات السورية النازحة داخل البلاد أفادت عن وجود طفلٍ أو أكثر خارج المدرسة، ما يعني أن الإناث منهم يواجهن خطر الزواج المبكر أو القسري. كما أن 1 من بين 3 أطفال لدى هذه الأسر يعاني من مشاكلٍ نفسية جرّاء ظروف الحرب وتداعياتها.