ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا بخبر تملك الريادي إيلون ماسك أغنى رجل في العالم لأكبر حصة في موقع «تويتر»بنسبة تقارب الـ9 في المائة، والحديث كان عن إمكانية انضمامه إلى مجلس الإدارة. لاحقا عرض ماسك شراء«تويتر»مقابل حوالي 54 دولارا للسهم الواحد. لم يبق إنسان على الكرة الأرضية إلا وكان له رأي في هذا الموضوع.
المعارضون لإمكانية شراء الملياردير الأميركي للموقع أعربوا عن خشيتهم على حرية التعبير إن تمت الصفقة وهم كانوا أغلبهم رحبوا في وقت سابق بخطوة الملياردير الآخر جيف بيزوس شراء أعرق الصحف الأميركية «واشنطن بوست». أما المتحمسون لفكرة ماسك فهم الذين يتهمون مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما «تويتر»بإسكات أصواتهم وتفعيل الرقابة على المواضيع التي يثيرونها والتعتيم على معلومات مهمة لا تناسب توجهات الحزب الديمقراطي كما التضييق أو حذف حساب قادتهم لا سيما منهم الرئيس ترامب.
هذا السجال يعيد إلى الواجهة موضوع دور وسائل الإعلام لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حياة الناس وخياراتهم.
إن استحواذ الملياردير الأميركي على موقع «تويتر»أم لا، لن يحل اليوم تلك المعضلة. تحكم مواقع التواصل الاجتماعي على كل ما ينشر لم يعد يتعلق بالناحية التجارية أبدا، بل أصبح في مكان ما مسألة آيديولوجية. فالخوارزميات التي تتحكم في عمل هذه المواقع تخضع لإرادة مجلس الإدارة، التي تستطيع نشر ما تريد على نطاق واسع كما إخفاء المعلومة التي تريد أيضا.
فضيحة هانتر بايدن ابن الرئيس جو بايدن هو خير مثال
تعود هذه القضية إلى العام 2020، وتحديدا قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تواجه فيها الرئيس جو بايدن مع الرئيس ترامب. حينها نشرت صحيفة «نيويورك بوست»، قبل أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية الأميركية تقريرا عن بيانات عثر عليها في حاسوب كان نساه هانتر بايدن في أبريل (نيسان) 2019 في ورشة إصلاح في مدينة ديلاوير. عندما علم صاحب الورشة بفتح تحقيق ضد نجل جو بايدن بشبهة التهرب الضريبي عمد إلى تسليم الحاسوب إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي. وعثر في هذه البيانات على كميات كبيرة من رسائل إلكترونية وصور ووثائق مالية تبادلها هانتر مع عائلته وشركائه، وهي تسلط الضوء على كيفية استخدامه نفوذ والده السياسي من أجل القيام بأعمال في دول أخرى، وخصوصا أوكرانيا والصين.
طبعا اتهمت صحيفة «نيويورك بوست»بالكذب والتضليل وفرضت يومها مواقع تواصل الاجتماعي خاصة «تويتر»،و«فيسبوك»قيودا لمنع تداول الأنباء عن تلك القضية خدمة لجو بايدن والحزب الديمقراطي كي لا تؤثر تلك الفضيحة على مجريات الانتخابات الرئاسية. بعد عام ونصف العام اتضحت صحة تقرير الصحيفة ولكن بعد فوز جو بايدن بولاية رئاسية أولى على حساب ترامب.
من الصعب جدا معرفة ما إذا كان انتشار خبر فساد هانتر بايدن على مواقع التواصل الاجتماعي ووصوله إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين قد أثر على نتائج الانتخابات الأميركية وعلى حظوظ بايدن ولكن هنا ليست المشكلة. المشكلة هي في تعمد مجالس إدارة تلك المواقع على التعتيم على هذا الخبر وفرض قيود صارمة على انتشاره.
من هنا السؤال الأساسي اليوم عن دور تلك الوسائل؟ هل هي منصات مفتوحة للجميع أم هي مواقع نشر تماما كما الصحافة؟ هل هي أداة لحرية التعبير أم هي أداة قمع لأفكار معينة على حساب الترويج لأفكار أخرى؟ كيف التعامل مع تلك الوسائل التي يفترض أن تكون مساحة للتعبير للجميع على مختلف انتماءاتهم السياسية وأهوائهم حين تعتمد على فرض الرقابة من منطلق حزبي؟ من يحاسب هذه المواقع على أخطائها المتعمدة أو غير المتعمدة مثل مشاركتها مع فريق ثالث معلومات وبيانات مشتركيها من دون علمهم؟ أو نشرها معلومات مضللة؟
الحرية، خاصة حرية التعبير لا يمكن لشخص ما أن يحميها مهما صدقت نياته، ما يحمي حرية التعبير هي القوانين التي يمكن أن تفرض على تلك المواقع مبدأ معاملة الجميع بالمثل فتصبح قضية نشر المعلومات أو الحصول عليها متاحة للجميع.
التقدم الغربي منذ القرن الثامن عشر لم يكن ليحصل في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية لولا تطور المبدأ الضريبي الذي كان يسعى أولا لتوزيع أكثر إنصافا للثروات على أكبر عدد ممكن من الناس بدل حصرها بيد قلة قليلة جدا محظية، وثانيا تنمية النواحي الاجتماعية من تعليم وطبابة من خلال تلك الضرائب.
ما تعاني منه الولايات المتحدة الأميركية تحديدا اليوم هو تحكم قلة في أدوات لها تأثيرها على حياة الناس بشكل مباشر ولكن من دون أية ضوابط.
ماسك ليس حلا للمشاكل التي تخلقها اليوم مواقع التواصل الاجتماعي في موضوع حرية التعبير. وحده التشريع يحمي حقوق الجميع من خلال تحقيق مبدأ العدالة.