لماذا زادت ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني و حالات الانتحار تحت سيطرة حماس؟

لماذا زادت ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني و حالات الانتحار تحت سيطرة حماس؟


لا ينازع أي أحد في حق حركة حماس – من الناحية الدستورية البحتة – في أن تكون على سدة الحكم في المناطق الفلسطينية، قطاع غزة والضفة الغربية، فقد فازت في انتخابات تشريعية نزيهة في إطار تجربة انتخابية فريدة في المنطقة العربية، حركة حماس انقلبت على نفسها قبل أكثر من عامين، عندما استخدمت السلاح للانفراد بالسلطة في قطاع غزة واضعة اتفاق مكة الذي تم بينها وبين حركة فتح في متحف التاريخ .


المشهد الوطني الفلسطيني خلال هذه الفترة، ما يزيد عن عامين، بات منقسمًا وكارثيًّا، مسئولية حركة حماس لا تقبل الشك فيما وصلت إليه الأمور، وكان يمكن تقييم إدارة الحركة خلال تلك الفترة من الزاوية السياسية، لكننا سنتخطى ذلك بالقدر الممكن، رغم صعوبة ذلك، بالتركيز على إدارة حكم حماس لقطاع غزة من زوايا أخرى تكاد تغيب في ظل بروز المشهد السياسي لهذا الأداء.


فمن المعروف أن حركة حماس التي؛ فازت عن حق في الانتخابات التشريعية قبل حوالي أربعة أعوام، رفعت شعار "التغيير والإصلاح "وفي هذا السياق، فإننا سنركز على مدى تحقق هذا الشعار، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة، وإذا كان صحيحًا أن الدستور الفلسطيني ـ القانون الأساسي ـ يمنح الحكومة تولي الحكم لأربع سنوات تعقبها انتخابات جديدة، فهذا لا يعني أن الفترة المنصوص عليها دستوريًّا، مطلقة،   بل تعتمد على تحقيق الحكومة  لشعارها المُعلن، إذ إن أي حكومة لا تنتظر الفترة الدستورية لكي تستقيل أو تُقال، بل إنها تسقط قبل الموعد الدستوري، في حال عدم تحقيقها لأهداف شعارها المعلن. وفي النظام الديمقراطي، الذي فازت حركة حماس على أساسه، هناك العديد من الحكومات، تستقيل أو تقال، قبل الموعد المحدد دستوريًّا، بما يعرف بانتخابات مبكرة، بهدف العودة إلى الشعب لتحديد موقفه في إطار صندوق الاقتراع، في حال فشل الحكومة في القيام بواجبها في خدمة جميع المواطنين.


وقد تُعلل حركة حماس، عدم نجاحها في تحقيق شعارها هذا إذا اعترفت بذلك. بالحصار المفروض على قطاع غزة،   إسرائيليًّا ودوليًّا، وكونها تنتهج نهج "المقاومة "، وضرورة أن يدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا مقابل هذا النهج، وهنا نعترف بأن الحصار كان مفروضًا قبل سيطرة حماس على قطاع غزة، إلا أن ذاك الحصار لم يكن شاملا وتزايد تأثيره المباشر بعد انفراد الحركة بحكم وإدارة قطاع غزة، كما أن الحديث عن "خيار المقاومة " هو حديث شعاراتي لا أكثر، لأن مبادئ أي مقاومة تعتمد على صلابة الوحدة الوطنية لأي شعب مقاوم، وفي ظل الانقسام، فإن المشهد الفلسطيني يرسم معالم انقسام لا نظير له في التاريخ النضالي الوطني الفلسطيني، ومن الملاحظ أن هذه المعالم، لا تنحصر بالخلاف بين الحركة وبين حركة فتح، بل بين الحركة وبين جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها الفصائل الإسلامية التوجُّه كحركة الجهاد الإسلامي، ناهيك عن أن المشهد النضالي الفلسطيني، يرسم معالم تهدئة على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة عام 1948، هي الأكثر صمودًا مقارنة مع التهدئة السابقة المعلنة، إذ من الملاحظ أن هناك تهدئة حقيقية، غير معلنة،  سبقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وزادت رسوخًا بعد تلك الحرب، والحديث عن خيار المقاومة ظل شعارًا مرفوعا، وفعلا غامضا تقوم به بين فترة وأخرى فصائل أخرى، كشكل من أشكال التمرد على إدارة وحكم حماس أكثر منه استجابة لواجب وطني نضالي .


وبعد أن انزلقنا إلى تقييم ذي طابع سياسي، على الرغم منَّا، نعود مرة أخرى لكي نلقي الأضواء - باختصار شديد – على المشهد الاقتصادي والاجتماعي لأحوال الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة، تحت سيطرة حركة حماس خلال العامين الماضيين، وذلك من خلال تناول ظواهر ثلاث كجزء من المشهد الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس، وتحديدا ظاهرة تزايد هجرة الشباب الفلسطيني، وإقدام أعداد متزايدة من الشباب على محاولة الانتحار والانتحار الفعلي، وحالة حقوق الإنسان في قطاع غزة.



هجرة و انتحار


أظهر استطلاع للرأي أواخر آب / أغسطس الماضي، أجرته شركة الشرق الأدنى للاستشارات، أن 48 في المئة من أهالي قطاع غزة يفكرون عمليًّا بالهجرة من القطاع، وفي استطلاع سابق قبل  بضعة أشهر تراوحت نسبة هؤلاء الذين يفكرون عمليا بالهجرة بين (38- 40) في المئة.


أشارت أرقام نُشرت أخيرًا، منتصف آب / أغسطس الماضي، سجلتها مصادر طبية وأمنية في قطاع غزة إلى تزايد ملحوظ في عدد من حاولوا الانتحار، وتم تسجيل سبع حالات وفاة نتجت عن محاولات انتحار من أصل 95 محاولة خلال النصف الأول من العام الجاري، وهي ظاهرة لم تكن معروفة في مجتمع متدين ومحافظ.



حالة حقوق الإنسان


ولن نتناول هذه الحالة بشموليتها، بل سنذكر أحد عناصرها والمتمثل في منْع حرية تنقل المواطنين، خاصة بين جناحي الوطن الفلسطيني المتاح، قطاع غزة والضفة الغربية. هذه الظواهر الثلاث، تشكل جزءًا من حالة الإحباط وتزايد شدة الفقر والبطالة جراء حصار مستمر يستمد ديمومته نتيجة لحالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي تتحمل حركة حماس وسيطرتها  المطلقة على قطاع غزة مسئولية كبيرة فيه.




هاني حبيب
- محلل سياسي فلسطيني

font change