بغداد: في الوقت الذي ما تزال الأزمة السياسية العراقية التي أعقبت الانتخابات النيابية تتفاعل، وقع خلاف بين رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ونائبه الأول حاكم الزاملي، حول صلاحيات رئاسة البرلمان. مما أثار مخاوف من تأثير هذا الخلاف على مستقبل تحالف «إنقاذ وطن» المكون من التيار الصدري الذي ينتمي اليه الزاملي وتحالفي «تقدم» الذي يرأسه الحلبوسي و«عزم»، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وفي تفاصيل الخلاف، فإن الزاملي يؤكد أن قرارات البرلمان يجب أن تكون من خلال ما يسميه هيئة رئاسة البرلمان، التي تتكون من رئيس البرلمان ونائبيه، فيما يرى الحلبوسي أن صلاحيات اتخاذ القرارات هي بيد رئيس البرلمان حصراً في حال وجوده على رأس عمله. وقد بدأ الخلاف بين الجانبين، عند إصدار الزاملي توجيهاً داخلياً يتعلق باعتماد عبارة «هيئة الرئاسة» في المخاطبات وإرسال المشاريع، وقد هدف من ذلك إلى الإشارة إلى أنه لا يجوز أن ترسل لرئيس البرلمان فقط، إضافة إلى أن إصدار القرارات لا يكون من رئيس البرلمان فقط، بل من خلال ما يسميه الزاملي هيئة الرئاسة التي تتألف من رئيس البرلمان ونائبيه الأول والثاني. في حين أن الحلبوسي يؤكد أن صدور القرارات القطعية محصورة في رئيس البرلمان.
أسباب الخلاف
وشهد الأسبوع الماضي الكشف عن سلسلة مخاطبات رسمية بين الرجلين، موجهة إلى الأمانة العامة للبرلمان وأعضاء مجلس النواب، وتظهر مطالبة الحلبوسي اعتماد تفسيرات دستورية سابقة صادرة عن المحكمة الاتحادية، تؤكد عدم وجود مصطلح هيئة رئاسة البرلمان. في حين تكشف وثيقة أخرى صادرة عن الزاملي تأكيده على اعتماد مصطلح هيئة رئاسة البرلمان في الخطابات الصادرة عن مكتبه.
وفي السياق، أشار رئيس مفوضية الانتخابات الأسبق عادل اللامي في حديث لـ«المجلة» إلى أنه «في الدستور لا يوجد مصطلح هيئة رئاسة برلمان، وإنما هناك رئيس برلمان ونائبان، ومنصب رئيس البرلمان هو منصب تنظيمي وليس صاحب قرار لأنه لا يجوز له اتخاذ أي قرار إلا بالتصويت، ما عدا القرارات الإدارية المتعلقة بتنظيم إدارة الجلسات». وأضاف اللامي «يفترض بنائبي رئيس البرلمان أن لا يجلسا إلى جانبه على منصة رئاسة البرلمان وإنما يجلسان إلى جانب النواب، وفي حال غياب رئيس البرلمان يحل مكانه النائب الأول، وفي حال غياب الاثنين يحل مكانهما النائب الثاني، وهذا هو العرف في الدستور الدولي للتعامل بالأنظمة البرلمانية في العالم».
دور البرلمان العراقي
وتابع اللامي: «العُقدة أن الرئاسات العراقية، أي رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان، يُحاولون أن يصنعوا صلاحيات إضافية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التدخل في القرارات الحكومية، وقد نقدت المحكمة الاتحادية الكثير من قرارات البرلمان التي لا صلاحية له في اتخاذها. فبحسب الدستور البرلمان هو سلطة تشريعية تُصوت على القوانين وسلطة رقابية على الأداء الحكومي».
وفيما يتعلّق بمسار الأزمة السياسية العراقية، يرى رئيس مركز كلوذا للدراسات باسل حسين في حديث لـ«المجلة» أن «هناك مسارين أساسيين ستتجه إليهما الأزمة، إما ما هدد به التيار الصدري لناحية الذهاب إلى حل البرلمان، وهذا ما يمكنه تحقيقه إذ إن تحالف إنقاذ وطن لديه 173 نائباً في حين أن حل البرلمان يتطلب 165 نائباً». وأضاف: «المفارقة أن من يرفض حل البرلمان هو الإطار التنسيقي الذي يعتبر أنه خاسر في الانتخابات، إلا أن رفضه يستند إلى اعتباره أن الانتخابات المُبكرة قد تؤدي إلى خسائر أكبر، في حين يرى الصدر أنه يمكنه تحقيق نتائج انتخابية أفضل من النتائج الحالية في حال حصول انتخابات مُبكرة».
وتابع حسين «المسار الثاني هو الاتجاه إلى خيار مُستمد من نصوص الدستور، بحيث يتم سحب الثقة من الحكومة الحالية، وفي هذه الحالة يجب تشكيل حكومة جديدة خلال 30 يوماً ويتم تجاوز نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أو دفع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاستقالة وبالتالي سيكون مُلزماً على البرلمان أن يختار حكومة جديدة».
حكومة توافقية مشروطة
كما لفت حسين إلى أن «رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر مُصرّ على أنه لن يذهب إلى حكومة توافقية، وقد طُرحت فكرة تشكيل حكومة توافقية مشروطة أي أن يكون هناك شروط للصدر يستجيب لها الإطار التنسيقي مقابل قبول الصدر بدخول جزء من الإطار التنسيقي إلى الحكومة، إلا أن هذا الطرح لم يُكتب له النجاح».
وأكد حسين أن «هناك سيناريو مطروحا يقوم على إجراء تعديل وزاري، وقد انتقد الكاظمي أداء بعض الوزراء، ولكن كل ذلك يبقى سيناريوهات مطروحة قابلة للتنفيذ، وبالنتيجة فإن رأي المحكمة الاتحادية سيكون حاسماً في هذا الاتجاه».
خلل دستوري
من ناحيته، يرى اللامي أن «الحكومات التوافقية لم تنجح في كل دول العالم، لأن الأصل في السلطة التشريعية أن تكون هناك حكومة تفوز بالأغلبية، ووجود حكومة ظل في البرلمان كمعارضة، وهذا يعود إلى خلل في الدستور وفي النظام الانتخابي، فالدستور أشار إلى أن الكتلة البرلمانية الأكبر عدداً هي التي تُرشح رئيس الحكومة، وهذا يولد حكومات توافقية لأنه لا يستطيع الحصول على الأغلبية إلا بالاشتراك مع جميع ممثلي الكيانات».
وتابع: «لو كان الدستور ينص على أن القائمة الفائزة في الانتخابات هي التي تُشكل حكومة لكانت تشكلت الحكومة قبل إجراء الانتخابات لأن ذلك سيجعل عدد الأحزاب قليل جداً بحيث تنحصر الساحة السياسية بالأحزاب الرئيسية التي تتناوب بين المعارضة والموالاة، وهذا ما سيؤدي إلى إيجاد حكومات مُنتجة لأنها ستكون على المحك أمام الشعب».