تل أبيب:منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية (حكومة بينيت- لابيد)، التي لم يسبق لحكومات إسرائيل أن ضمت تشكيلاتها وربما أيضا حكومات في العالم، والخطر يهدد تفكيكها في ظل الصراعات الداخلية بين أحزاب الائتلاف على قضايا مبدئية وحتى عقائديه، حيث جميع أطياف الأحزاب والمواقف السياسية، من أقصى اليمين المتطرف والمستوطنين حتى أقصى اليسار الصهيوني وما بين هذا وذاك مساندة الحركة الإسلامية المدعومة من الإخوان المسلمين برئاسة منصور عباس.
حكومة، لم يرسم لها أحد، منذ تشكيلها، عمرا طويلا، ليس فقط لهذه التشكيلة المتنوعة والمتناقضة والتي تحمل مواقف سياسية لا يمكن التوافق عليها، إنما أيضا لكونها حكومة أقلية، تعتمد على 61 نائبا مقابل 60 للمعارضة.
ليس هذا فحسب، بل إن أحزاب اليمين واليمين المتطرف موجودة أيضا بين المعارضة، وبنيامين نتنياهو، الشخصية السياسية المعروفة ببراعتها بل بوصفها بـ«الثعلب السياسي»، ليست أية شخصية تقود المعارضة بل إنها شخصية تخيف أي منافس في الطرف الآخر.
والأخطر من هذا وذاك، أن بينيت، اليميني المتطرف في حزبه (يمينا) وإن تنازل عن بعض مبادئه و«بلع الضفادع» الكثيرة من شريكه، يائير لابيد من الوسط وأحزاب يسار الائتلاف، لكنه لا يستطيع السيطرة على بقية أعضاء حزبه، وهم أقلية مطلقة (ستة)، وهذه أيضا ميزة خاصة وغير مسبوقة لرئيس حكومة يدير دولة بأقلية ستة أعضاء من أصل 120 عضو كنيست.
الأعضاء الخمسة، عدا بينيت، هم من عناصر اليمين المتطرف، الذين خاضوا منذ تشكيلة الحكومة نقاشات وصراعات وخلافات مع نواب من الائتلاف. ولكن طالما هم من اليمين ومواقف نتنياهو أقرب لهم، فهذا هو الخطر الأكبر على بينيت وعلى هذه الحكومة. ولذلك لمجرد استقالة عوديت سيلمان، رئيسة الائتلاف الحكومي، عضو حزب بينيت، باتت الحكومة في خطر كبير، بل الاحتمالات الأكبر عدم صمودها في الوضعية الحالية، سواء لعدم توفر أكثرية داعمة لها لتشريع قوانين أو المصادقة على الميزانية أو حتى التصويت على اقتراح لنزع الثقة، وحاليا هناك نائبان آخران إلى جانب سيلمان من الائتلاف يهددان بالانسحاب، وأبرزهما نير أورباح الذي اشترط بقاءه في حزب بينيت باستئناف البناء في المستوطنات، بربط «الاستيطان الفتي» بالكهرباء، بمعنى تبييض بؤر استيطانية غير قانونية، وبإلغاء سحب المساعدة عن الحضانات النهارية لأبناء طلاب الدين، مثله، وهذا بحد ذاته تهديد كبير على هذه الحكومة، بل رشوة خطيرة تشكل سابقة لأحزاب يمين أخرى في الائتلاف. في مقابل هذا، ومنذ لحظة انسحاب سيلمان، لم يهدأ نتنياهو حتى تحقيق هدفه بالعودة إلى السلطة.
نتنياهو ومكانة إسرائيل الدولية
انسحاب سيلمان، ليس التهديد الأول في تفكيك هذه الحكومة، فمنذ تشكيلها عصفت بها خلافات مبدئية ووضعتها على شفا التفكيك لكنها نجحت في تجاوزها فقط بسبب المصلحة المشتركة في الوقوف في وجه رعب الفوضى، الضرر الهائل للاقتصاد، وإلى جانب هذه المصالح وقف شعار «فقط ليس نتنياهو»، والجميع تحدث عن ضرورة التنازل عن مطالب وحتى مبادئ في سبيل عدم عودة نتنياهو إلى السلطة، إلى جانب شعار «مكانة إسرائيل دوليا»، حيث تم تشكيل الحكومة بعد أربع جولات انتخابية في غضون سنتين، وهو وضع يشير إلى ضعف هذه الدولة وتفكيكها الداخلي.
ولكن الشعار الذي رُفع «ليس فقط نتنياهو»، لم يعد قادرا على الحفاظ على هذه الحكومة، بل إن الوضعية الحالية تجعل الاحتمال بعودة نتنياهو يتصدر السيناريوهات المتوقعة وسيعود هذه المرة، على عكس الهدف من تشكيل حكومة بينيت- لابيد، أقوى ومعززا بقوى متطرفة ومتطرفة جدا لم تشهدها إسرائيل من قبل.
«برج الورق المتهالك»، هكذا تم وصف حزب يمينا بزعامة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت الذي تضم حكومته ائتلافا هشا يواجه رياح معارضة مدعومة بقوى يمين لن تستطيع الحكومة الحالية ولا حزب بينيت، اليميني الوقوف أمامها.
ولا يمكن أيضا تجاهل الوضع الأمني المتصاعد والذي يشكل عائقا أمام بينيت للاهتمام ببيته، حيث التصعيد الأمني يضطره إلى وضع مواجهته على رأس أجندته، ما جعله منقطعا تماما عن حزبه وائتلافه الحكومي، منقطعا عن القاعدة الأساسية التي تحميه وتحمي حكومته.
الوضعية الحالية جعلت بينيت أمام تحد كبير والسيطرة والحفاظ على ما تبقى من أعضاء كتلته في الكنيست، ولكن يبدو اليوم أن هذه الإمكانية ضعيفة جدا ومجرد أن ينسحب عضو آخر فإن بينيت سيعود إلى البيت وستعود إسرائيل إلى المربع الأول من أزمتها السياسية والداخلية.
أما إمكانية عودة نتنياهو، فهي في الأفق ولعل المظاهرة التي أقامها اليمين احتجاجا على العمليات الأربع التي نُفذت في إسرائيل وقتل وأصيب العشرات فيها، تعكس النشوة التي يعيشها نتنياهو.
فقد تقرر استغلال هذه الأحداث في المظاهرة لانتقاد حكومة بينيت- لابيد، لكن تزامن المظاهرة مع استقالة عوديت سيلمان دفعت إلى تحويل أهدافها وكان أبرز ما طلبه نتنياهو وحزبه من المتحدثين أن يكونوا معتدلين تجاه أي تصريح متعلق بالعرب، لضمان كسبهم في أي سيناريو لتشكيل حكومة.
وفي المظاهرة تم توزيع لافتات على الجمهور بأسماء وصور أعضاء كنيست كهدف للاستقالة، مثل بيني بيغن، شارين هاسكل، وغيرهما. وكتب عليها «حكومة الكابوس بين يديك». واختار نتنياهو أن يلقي خطابه مبكرا لضمان بثه في نشرات الأخبار. وكانت بداية خطابه كافتتاح لخطاب انتخابي أو مناشدة لشركائه المحتملين في الحكومة الحالية. وتحدث عن الوحدة وضرورة «العودة إلى البيت» وعلى أنه يجب «وضع كل رواسب الماضي جانبا والعودة إلى المعسكر الوطني»، قائلا: «هناك هدف لوحدتنا. لقد جاءت لخدمة جميع مواطني إسرائيل من يهود وعرب، مسلمين ومسيحيين، دروز، شركس، جميعهم من دون استثناء».
بالنسبة لتاريخ خطابات نتنياهو، كان هذا الخطاب معتدلا. فلم يهاجم الجهاز القضائي والإعلام، بل حاول اتباع نهج «رسمي». أقسى الألقاب التي أطلقها ضد الحكومة الحالية كانت «فاشلة، وضعيفة، وخطيرة».
فقط بعد كل هذا تطرق نتنياهو إلى موضوع المظاهرة، وقال إن الحكومة الحالية ضعيفة «مقابل إيران والإرهاب. إنهم يهاجمون الضعيف ولا يتعاملون مع القوي»، وبذلك مهّد نتنياهو طريق عودته إلى السلطة.
ماذا بعد استقالة سيلمان
من الصعب جدا معرفة أي من السيناريوهات سيتحقق وسيحسم مستقبل حكومة بينيت- لابيد في ظل الأزمة التي تواجهها بعد استقالة عوديت سيلمان، لكن ليس من الصعب أو التردد في القول إن أيا من السيناريوهات ستضع حلا للأزمة السياسية في إسرائيل، في ظل انقسام داخلي وتساوي القوى بين معسكرين أحدهما في الائتلاف والآخر في المعارضة.
التخوف الحالي، من أن يتجاوب بينيت مع أصوات عدة تسعى إلى الحفاظ على حكومته وقيادة حزبه بتوجيه ضربة ضد إيران، ربما يكون الأمر مستبعدا ولكن تاريخ القيادات الإسرائيلية تشير إلى أن رؤساء الحكومات يصدرون أزماتهم الداخلية إلى الخارج عبر إعلان حرب أو تصعيد أمني.
مثل هذا القرار، وإن تم تداوله بين جهات مقربة من بينيت إلا أنه بعيد عن التنفيذ في ظل مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.
الحكومة الحالية ضعيفة مع 60 مقعدا في الكنيست بتساوي مقاعد المعارضة والأضعف هو رئيسها الذي بات يجلس مع خمسة أعضاء كنيست من حزبه فقط. وشعبيته متدهورة جدا حيث إن عشرة في المائة، فقط، من الإسرائيليين يرونه رجلا مناسبا لإدارة شؤون الدولة كرئيس حكومة بينما يحظى رئيس المعارضة، نتنياهو بدعم أكثر من 52 في المائة من الإسرائيليين الذي يرونه مناسبا لرئاسة الحكومة.
الخيارات المتوفرة لبقاء بينيت في الحكومة، ليس شرطا أن يكون رئيسا لها، كثيرة، ولكن جميعها تبقي الأزمات محيطة بها وبإدارة شؤون الدولة.
- الخيار الأول: أن ينجح بينيت في منع انسحابات من الائتلاف والحفاظ على ستين مقعدا لكنه سيواجه صعوبات في تمرير قوانين.
- الخيار الثاني: أن يتفوق بينيت على نتنياهو في ضم أحزاب دينية أخرى إلى الائتلاف، حيث يبذل الاثنان اليوم جهودا كبيرة والتوقعات نجاح بينيت حيث هذه الأحزاب التي تضمن من خلال وجودها في الحكومة الميزانيات والمشاريع الخاصة بها، قد تفضل «عصفورا باليد عن عشرة على الشجرة»، وعدم التحالف مع نتنياهو والتوجه إلى الانتخابات خشية عدم ضمان نجاحها.
- الخيار الثالث: أن تفشل جهود بينيت وينجح نتنياهو في تشكيل ائتلاف جديد. كزعيم للمعارضة لديه اليوم 54 مقعدا مضمونا. المقاعد الستة للقائمة المشتركة برئاسة، أيمن عودة، والتي تشكل قبة الميزان، لكنها أعلنت عدم تراجعها عن موقفها بدعم حكومة برئاسة شخصية يمينية مثل نتنياهو أو بينيت إلا إذا ما لعب الحظ إلى جانب رئيس حزب «أزرق- أبيض»، بيني غانتس، وتم الاتفاق على تحالف يقف برئاسته فالاحتمال أن تدعم المشتركة مثل هذه الحكومة.
بكل الأحوال الهجمة الشرسة التي يتعرض لها رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، بعد مطالبته عناصر الشرطة من فلسطينيي 48 برمي السلاح وعدم الوقف في وجه أبناء شعبهم الفلسطيني في القدس والضفة، يجعل وضعية التعامل معه ومع القائمة المشتركة مختلفة عما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة، في ظل وصفه بـ«الداعم للإرهاب».
- الخيار الرابع: وهو سيناريو محتمل، أن تسقط حكومة بينيت والتوجه إلى انتخابات عامة، مع علم الجميع أن أية انتخابات لن تغير الخارطة السياسية- الحزبية في إسرائيل حيث لن يتمكن أي معسكر من الحصول على أكثرية تتجاوز 61 نائبا لتشكيل حكومة قوية.
الوضعية الحالية واستطلاعات الرأي والصراعات الداخلية لا تبشر بحل يُخرج إسرائيل من أزمتها السياسية والحزبية واستطلاعات الرأي لوحدها كافية بأن تشير إلى ما ينتظر إسرائيل.
الليكود سيرتفع إذا خاض الانتخابات برئاسة نتنياهو لكنه سيعود إلى المربع الأول في الأزمة الحزبية بعدم قدرته على تشكيل حكومة بأكثرية.
الائتلاف الحالي برئاسة بينيت، سيخسر ما بين 6 و9 مقاعد إذا ما خاض الانتخابات، ما يعني لخبطة التحالفات والخريطة الحزبية وإلا فستكون العودة إلى سلسلة حملات انتخابية قد تتجاوز الأربعة انتخابات، كما حدث قبل تشكيل حكومة بينيت- لابيد، في ظل المعضلة الصعبة التي تعيشها إسرائيل وأحزابها السياسية.