بينما يزداد حذر أوروبا تجاه التجارة مع إيران، تتطلع طهران نحو الشرق

بينما يزداد حذر أوروبا تجاه التجارة مع إيران، تتطلع طهران نحو الشرق

[escenic_image id="5510062"]

بعد فترة قصيرة من إطاحة  الثورة الإيرانية عام 1979 بشاه إيران الموالي للغرب، أعلنت الحكومة الثورية عن فجر جديد في علاقات إيران التجارية مع العالم الخارجي، يؤذن  بتحول التدفق التجاري من  العالم الغربي إلى الدول الإسلامية ودول العالم الثالث " المضطهدة ". فلن تظل إيران "معتمدة" على التمويل الغربي، والخبرة، أو التقنية، ولكنها ستسلك  طريقا يمكنها من الاستعاضة  عن الواردات، والاعتماد على الإنتاج المحلي، واتباع سياسة تجارية تفضِّل دول الشرق والعالم الثالث.

بطبيعة الحال، كما يحدث في حالة  العديد من الوعود التي يقطعها الثوار المتحمسون، يتفوق الواقع في كثير من الأحيان على الفكر، ولم تنجح التجربة الإيرانية في السياسة التجارية للتضامن مع العالم الثالث في كسب القوة الدافعة أكثر من شعارات النخب السياسية. وصحيح أن سلعًا رخيصة مصنعة ذات نوعية منخفضة تدفقت من العالم النامي، ولكن المستهلك الإيراني بتطوره وعصريته وفطنته رفض تسييس التجارة، وأظهر رغبة محدودة  في ترك الأجهزة والملابس ذات الجودة من أجل التضامن مع العالم الثالث .

أما بالنسبة للقادة الإيرانيين الجدد في مجالي الصناعة والنفط، فهم أيضا لم يجدوا سبيلا واسعة للالتفاف حول التقنية المتفوقة من الشركات الغربية، ووضعوا طلبات البضائع  في باريس ولندن ونيويورك وهيوستن. وبالرغم من الاتهامات الثورية للشاه ونخبته بأنهم "مسمَّمون بحب الغرب"، فإن نخبة التجارة والصناعة الجديدة في الجمهورية الإسلامية أظهرت تفضيلا واضحًا للمنتجات الغربية.

ويظل هذا الوضع  ساريًا حتى اليوم. وبينما نأت الولايات المتحدة بنفسها عن السوق الإيرانية، فإن الاتحاد الأوروبي لم يفعل ذلك بالتأكيد. ويمثل الاتحاد الأوروبي حاليًا ربع إجمالي تجارة إيران، وتشكل دول الاتحاد الأوروبي: فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة أربعة من أكبر ستة مستثمرين أجانب في إيران في الفترة بين عامي(2000 ـ 2008).

وفي حين تظل إيران مستعدة لمواصلة تدفقها المنتظم من التجارة والاستثمار مع أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي أكثر حذرًا. وهناك عوامل كان لها أثر ضار وهى المواجهة الحالية حول برنامج إيران النووي، وخطابات الرئيس محمود أحمدي نجاد المُحرِّضة، والجهود الأمريكية لإقناع المؤسسات المالية الأوروبية بتجنب الدخول في علاقات تجارية مع إيران. وقد انسحبت كبرى شركات النفط الأوروبية مثل توتال وبريتش بتروليوم من المشروعات الإيرانية. ونادرا ما تتعامل وكالات ائتمان التصدير الأوروبية مع إيران بعد الآن، وتتجنب البنوك الأوروبية ببساطة معظم المعاملات مع إيران. وبينما لم تصل التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران إلى حد الانهيار، فإن المؤشرات على المدى المتوسط تشير إلى حدوث تباطؤ.

وفي واقعة بالغة الخطورة أخيرًا، تلقى المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر مذكرة شديدة اللهجة من وزير مالية  ألمانيا يطلب منه فيها  الكف عن ممارسة الضغوط  لصالح  الشركات الألمانية التي تعمل في إيران.

وفي الآونة الأخيرة، أدرجت وزارة الخزانة في المملكة المتحدة أهم شركة للشحن البحري في إيران، واسمها خطوط شحن جمهورية إيران الإسلامية، بوصفها كيانًا محظورًا، مما منع جميع البنوك البريطانية من التعامل مع شركة الشحن الكبرى.

وبينما تبطِّئ الدول الأوروبية من تعاملها التجاري مع إيران، تتطلع طهران نحو الشرق بشكل متزايد. وهي قد وضعت أقدامها هنالك بالفعل. وإذا نظرنا إلى ملف إيران التجاري الحالي، نجد أنه حقق فعليًّا جانبًا واحدًا من الوعود الثورية، وهو بناء شبكة شرقية من الشركاء التجاريين. وتقف الصين على قمة إستراتيجية إيران التجارية في الشرق، وتمثل نحو 15 ٪ من إجمالي تجارة إيران، وتبعتها بعد ذلك اليابان بفترة قصيرة بحوالي 10 ٪ ، وكوريا الجنوبية بنسبة 6 ٪. لذلك يتفوق المثلث "الصيني- الياباني- الكوري الجنوبي" في الأساس على الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري رئيسي لإيران. ونجد أن الدول الخمس التالية في  حقيبة إيران التجارية هي؛ تركيا والإمارات العربية وجنوب إفريقيا وروسيا والهند ، والبرازيل، وهى دول بارزة في الأسواق الناشئة.  

وعندما يتعلق الأمر بمبيعات النفط الخام، يصبح تطلع إيران نحو الشرق أكثر وضوحًا. ونجد أن  المشترين الأربعة الرئيسيين للنفط الخام الإيراني هم الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. ويرجع هذا جزئيًّا إلى طبيعة أسواق النفط حاليًا، مع ارتفاع الطلب في آسيا، وبنسبة أخرى إلى بساطة الجغرافيا البحرية وطرق الشحن بين الخليج الفارسي وبين آسيا. ولكن هذا التركيز شرقًا من المرجح أن يصبح أكثر وضوحًا، حيث برزت الصين باعتبارها المستثمر الرئيسي في مشاريع المنبع الإيرانية الجديدة.

وفي هذه الأثناء، تواصل دبي لعب دور ضخم في عالم التجارة الإيرانية. وأصبحت هذه  المدينة- الدولة على الخليج الفارسي، أهم موقع لإعادة تصدير البضائع من جميع أنحاء العالم إلى إيران، ونقطة جذب لرؤوس الأموال الإيرانية التي تبحث عن فرص استثمار.  وابتداء  من المنشآت التجارية  التاريخية المشاركة في أعمال التجارة المشروعة إلى الشركات المرتبطة بجهاز إيران العسكري، والتي  تسعى  للحصول على سلع في قوائم العقوبات الأمريكية، وبذلك تصبح  دبي جزءًا من رئتي إيران التجارية. حيث تأتي نسبة 10% من جميع واردات إيران من دبي.

وفي عالم  يموج بالحذر الشديد من جانب  الاتحاد الأوروبي تجاه  توسيع علاقات التجارة والاستثمار مع إيران، يمكننا أن نتوقع أن تقوم  روسيا والصين ودول آسيا بسد هذه الثغرات. ومن المفارقات؛ أنه بينما تدعو إدارة الرئيس باراك أوباما إيران إلى استعادة مكانها الصحيح في المجتمع الدولي بالابتعاد عن حافة الهاوية النووية، فإن النفوذ الغربي على  إيران قد يأخذ  في التراجع، حيث تتدفق التجارة ودولارات الاستثمار شرقًا.

أفشين مولافي – كبير باحثين وزميل في المؤسسة الأمريكية الجديدة ومؤلف رحلات فارسية: رحلات عبر إيران.

font change