القاهرة: فرضت الحرب الروسية- الأوكرانية واقعا اقتصاديا جديدا بعد اتجاه روسيا لتبادل صادراتها مع جيرانها كالصين والهند بالعملات المحلية، واستبدال الروبل الروسي والذهب محل الدولار في التعامل التجاري الدولي مع خصومها من دول الغرب، كرد فعل على إجراءات تجميد احتياطاتها النقدية، وتأميم عدد من أسهم المؤسسات الروسية الحكومية والخاصة في أميركا وأوروبا، مما صاحبه تحرك اقتصادي روسي كان له تأثير بالغ على العملة الأميركية المسيطرة على جانب كبير من التجارة الدولية، والتي كانت ولا تزال عملة الاحتياطات النقدية العالمية، والتداول السلعي الرئيسي بين دول العالم.
«المجلة»حرصت على إلقاء الضوء على تداعيات هذا التحول الاقتصادي من خلال لقاء الدكتورعمرو سليمان أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة حلوان في مصر.
* هل سينتهي عصر الدولار بالفعل بعد القرار الروسي بتداول الصادرات والسلع بين الدول الكبرى في آسيا بالعملات المحلية؟
- هي بداية النهاية لعصر الدولار، وبداية انهيار اتفاقية «بريتون وودز»، فالدولار الأميركي يأخذ حجما كبيرا من احتياطات العملة دوليا، رغم العجز المستمر في ميزان المدفوعات والميزان التجاري الأميركي المستمر منذ حوالي 40 عاما، ورغم التراجع في حصة أميركا من التجارة الخارجية إلا أن الدولار مستمر في قوته من خلال «القصور الذاتي»،و«النفوذ السياسي»لأميركا، وما تم من روسيا في اللجوء للعملة المحلية (الروبل) في عمليات التبادل التجاري هو نتيجة لما قامت به أميركا وأوروبا خلال التداعيات الأخيرة، وهو ما يعد ولادة لنظام اقتصادي عالمي جديد.
* ما هو السيناريو المتوقع إذا انتهت الأزمة في أي وقت؟
- سواء انتهى الأمر بهزيمة روسيا أو خروجها في وضع أقوى، فالأمور لن تعود كما كانت في الماضي، فالجميع تابع للخطوات الأميركية بتأميم ما تريد من احتياطيات دولية كبيرة لروسيا، ومن بينها القطاع الخاص والشركات غير الحكومية، ووضع الوصاية على مؤسسات مملوكة لأفراد، والحسابات الخاصة بالبنك المركزي الروسي، فبالتالي سيعد هذا جرس إنذار مهما جدا للعديد من دول العالم وخاصة الدول النفطية صاحبة الاحتياطيات الكبيرة، حيث أدركت الآن أنه إذا ما تم الاختلاف معها سياسيا فمن الممكن أن تلقى نفس المصير، وبالتالي فمن المرجح سيكون هناك إعادة نظر في نظام النقد الدولي الذي يستند للدولار، ونظام السويفت الذي يسيطرعلى المعاملات الدولية، وسيكون هناك مراجعات لهذا الأمر من دول متعددة لأن الوضع أصبح خطيرا.
* هل تتوقعون أن تقوم دول أخرى بتطبيق النموذج الروسي والصيني في التعامل بالروبل واليوان؟
- التبادل بالعملات المحلية مرهون بوجود فوائض في ميزان المدفوعات والميزان التجاري للدول، ووجود شركاء تجاريين كبار لديهم الاستعداد لتنفيذ هذا الأمر، فروسيا والصين والهند مؤهلة لذلك لأنها أسواق كبيرة من حيث حصتها في التجارة الدولية، وعددها السكاني، وتأثيرها الاقتصادي، ومن خلال ذلك تستطيع التعامل من خلال الصفقات المتكافئة أو العملات المحلية بشكل لا يمكن من حدوث خلل، لكن الأمر قد يكون جزئيا فقط إذا تطرقنا لدول أصغر من حيث التبادل التجاري أو الناتج المحلي الإجمالي مثل الدول النامية الصغيرة حيث نجد أننصيب التجارة الخارجية لهذه الدول ضعيف، فمن الممكن أن يكون التعامل لهذه الدول ومن أمثلتها مصر شرقا باليوان أو الروبل مع الصين وروسيا في نوعية الصفقات الموجودة بين الجانبين بينما يظل استخدام الدولار واليورو مع أميركا وأوروبا.
* ما هو موقف الصين بعد قرار موسكو، وهل ستتعلم من الدرس الروسي بعد الإجراءات الأميركية؟
- الصين تتحرك ببطء شديد ولكن بقوة كبيرة فاليوان الصيني لم يكن ضمن سلة العملات الدولية منذ حوالي 7 سنوات، ولكن حاليا اليوان حاضر وموجود وترتفع قيمته، وأتوقع أن تبدأ الصين في سياسة الإحلال واللجوء إلى احتياطات بعملات متنوعة أو بالذهب، والمضي قدما في تخفيض نسب الاحتياطي الدولاري لها، والتوسع في التعامل باليوان من خلال الصفقات الثنائية، أعتقد أن ذلك سيكون تدريجيا، فالصين لن تتسرع في القيام بهذا التحول بشكل كبير أو ملحوظ لكنني أعتقد أنها ستقوم بذلك في المستقبل، ويمكن أن يفضي ذلك للمزيد من التقارب الروسي- الصيني، فالأخيرة بلا شك تدرك أن أميركا ستتفرغ لها بعد الانتهاء من روسيا، وبالتالي فإن على الصين والهند وآسيا بشكل عام مساندة الجانب الروسي في المعركة وفق رؤيتهم الواضحة، لكن في نفس الوقت ورغم أن الصين تميل للجانب الروسي في المعركة لكنها لا تسانده سياسيا أو اقتصاديا مساندة الحليف، ولكنها تسانده فقط بما يحقق مصالحها في الأجل الطويل، وبما لا يسبب لها ضررا في الجانب القصير، إيمانا من الصين بضرورة عدم الدخول في حرب اقتصادية قبل أن تكون مستعدة سياسيا وعسكريا، أو في توقيت ترى أنه غير مناسب لمصالحها وخططها.