رجل أعمال سوري مقرّب من أسماء الأسد يثير لغطاً كبيراً

توارى عن الأنظار بعدما حولته الحرب إلى ملياردير

أسماء الأسد

رجل أعمال سوري مقرّب من أسماء الأسد يثير لغطاً كبيراً

القامشلي: يبدو أن مصير رجل الأعمال السوري خضر علي طاهر، المقرّب من السيدة أسماء الأسد، زوجة الرئيس بشار الأسد، يُشكل حدثاً بارزاً في سوريا بعدما تضاربت الأنباء حول مكان تواجده، حيث نشرت عدد من وسائل الإعلام المحلّية المحسوبة على المعارضة السورية معلومات تفيد بهروب رجل الأعمال الذي لم يكن معروفاً في السابق بالبلاد قبل العام 2016، بينما نفت جهات أخرى هذا الأمر، فمن هو طاهر وهل هرب من سوريا بالفعل؟

ولُد خضر علي طاهر في العام 1967 في سوريا في مدينة صافيتا بريف محافظة طرطوس الساحلية، ولم يكن يُعرف على نطاقٍ واسع قبل العام 2016، حيث ظهر في ذلك العام كرجل أعمالٍ وواجهة اقتصادية مهمة للنظام السوري، وتحديداً لمشاريع السّيدة الأولى رغم أنه لم يكن ثرياً قبل ذلك، إذ كان يملك متجراً صغيراً قبل اندلاع الحرب السورية منذ ما يزيد على عقدٍ من الزمن.

وعلى الرغم من أن وسائل إعلامٍ سورية محسوبة على المعارضة أفادت بهروب رجل الأعمال المعروف باسم أبو علي خضر من البلاد مع مبلغ ضخم من المال، إلا أن وسائل الإعلام المحسوبة على النظام لم تنفِ أو تؤكد هذه الأنباء.


هروبه ترويج لمحاربة النظام للفساد

وكشف مصدر في وزارة الإعلام السورية لـ«المجلة» أن «تعليماتٍ وصلت من القصر الرئاسي تمنع تداول الأخبار التي تتحدث عن هروب رجل الأعمال، الذي تعود ملكية عشرات الشركات والمؤسسات الاقتصادية السورية الضخمة إليه».

ويملك طاهر بالفعل كلاً من شركتي «إيلا السياحية»، و«إيما تيل» التي تعتبر دليلاً على علاقته بأسماء الأسد، فالشركة الأخيرة تعود ملكيتها للسّيدة الأولى، قبل أن تتزوج من الرئيس الأسد. وطاهر أيضاً شريك مؤسس في «شركة الياسمين للتعهدات»، ورئيس مجلس إدارة وشريك مؤسس في الشركة السورية للإدارة الفندقية، وهو أيضا مالك شركة إيلا للخدمات الإعلامية، ومدير وشريك مؤسس في شركة إيماتيل بلس.
وبالإضافة لما سبق من مناصب وشركات، يشغل أبو علي خضر أيضاً، منصب مدير ومالك شركة «العلي والحمزة»، وهو أيضاً شريك مؤسس في الشركة السورية للمعادن والاستثمار. ورئيس مجلس الإدارة وشريك مؤسس في شركة إيليغانت، ومدير وشريك مؤسس في شركة النجم الذهبي التجارية، وغيرها العشرات من الشركات والمؤسسات الاقتصادية السورية الضخمة.

خضر علي طاهر

وشككت مصادر محلّية لـ«المجلة» بصحة الأنباء التي تفيد بهروب طاهر لاسيما وأن وسائل إعلامٍ معارضة تحدّثت عن تهريب مبلغ 3 ملياراتٍ دولار كانت بحوزته للخارج، وهو رقم ضخم ويعد مبلغاً طائلاً يحتاجه النظام بشدّة الآن، خاصة مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها على خلفية العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة عليه.

ورأت المصادر أن النظام يحاول من خلال الضغط على أبو علي خضر ورجالاته لإظهار نفسه كمحاربٍ للفساد، وهو ما كان سبباً لشنّ السلطات الأمنية قبل فترة لمداهماتٍ على منزله ومنازل موظفين يعملون في شركاته في دمشق وريفها.


النظام يحتجز عدداً من موظفي طاهر المتواري عن الأنظار

وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مداهمة السلطات الأمنية لمنازل عددٍ من موظفي رجل الأعمال المقرّب من أسماء الأسد، وتمّ احتجاز عددٍ منهم.

وكشف المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرّاً له، أن السلطات الأمنية كانت تحاول إلقاء القبض على رجل الأعمال نفسه إلا أنه لم يكن متواجداً في مكان إقامته.

ونفى مراسلون ميدانيون يعملون مع المرصد لـ«المجلة»، إمكانية فرار أبو علي خضر إلى خارج البلاد.


وأكّد أحدهم لـ«المجلة» أن «رجل الأعمال متوارٍ حالياً عن الأنظار ولم يتمكن من مغادرة الأراضي السورية بعد»، مرجحاً نجاحه في الفرار في وقتٍ لاحق إذا ما استمرت السلطات بتضييق الخناق على العاملين في مؤسساته وشركاته.


«أمير المعابر» يتمتع بحماية من الفرقة الرابعة

ويحظى طاهر بصلاتٍ وثيقة مع «الفرقة الرابعة» في جيش النظام، وهي الفرقة التي يديرها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام. فهو كان يتولى كذلك الإدارة المالية لحواجز الفرقة الرابعة وكان مسؤولاً عن فرض الإتاوات على التجّار والصناعيين وغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال في سوريا، وهو أمر سبق وأن أشار إليه فارس الشهابي رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية والعضو السابق في مجلس الشعب السوري (البرلمان) حينما اتهمه بفرض الإتاوات على المعامل في حلب خلال مداخلة على قناة «الإخبارية» السورية.


وكشف الشهابي، الذي يعد من أوائل من فضحوا علاقة طاهر بالنظام، أنه يحارب الصناعة الوطنية ويعمل على إدخال البضائع المهرّبة إلى مناطق سيطرة النظام. ومع أن انتقاداته كانت شديدة اللهجة وحادّة، إلا أنه لم ينجم عنها إيقاف أنشطة طاهر الذي نجح في حذف المقابلة التلفزيونية تلك، وهو ما يدل على الدعم الإعلامي الذي يتمتع به من قبل النظام، حيث استقبله وزير الداخلية قبل نحو عامين رغم كل الشكوك والاتهامات الموجّهة إليه.

ويُعرف طاهر أيضاً بـ«أمير المعابر» في إشارة إلى المنافذ الداخلية بين سيطرة النظام ومعارضيه، فقد أُتهِم أيضاً باحتكار استيراد الكثير من المواد الغذائية والألبسة وحليب الأطفال والسجائر وغيرها، علاوة على إرغامه أصحاب المعامل والمنشآت الصناعية على شراء المواد الأولية من شركاته.


طاهر مُعاقب أميركياً

وكانت معظم شركات رجل الأعمال المتواري عن الأنظار قد وُضعت على قائمة العقوبات الأميركية في أواخر سبتمبر (أيلول) من العام 2020، لكنه مع ذلك كان يستمر في ممارسة أنشطته الاقتصادية عن طريق تأسيس شركاتٍ بأسماء جديدة، وفق ما أفادت لـ«المجلة» مصادر غير حكومية من دمشق، رغم أن طاهر نفسه مُعاقب أميركياً واسمه موجود على لائحة الشخصيات المعاقبة من قبل واشنطن منذ نحو عامٍ ونصف.
ولا يُعرف بالضبط حجم الثروة التي جمعها طاهر خلال سنوات الحرب السورية، لكنها تقدّر بنحو 12 مليار دولارٍ أميركي، بحسب ما كشفت مواقع اقتصادية محلّية.

خضر علي طاهر

وقد تضامن عددٌ من الفنانين السوريين الداعمين للأسد مع طاهر، فقد كتب المغني المعروف حسام جنيد منشوراً على حسابه في موقع «فيسبوك» وصف فيه رجل الأعمال المتواري عن الأنظار بـ«أبو الفقراء»، كما أرفق منشوره بصورةٍ له وكتبَ عليها أيضاً: «يا جبل ما يهزّك ريح».

وبالرغم من تضارب الأنباء حول هروبه أو تواريه عن الأنظار، إلا أن طاهر لم يخرج على وسائل الإعلام حتى هذه اللحظة. وقد يعني اختفاؤه إلى الآن، احتجازه من قبل السلطات الأمنية دون أن تعلن الأخيرة عن ذلك لاسيما وأن فراره من البلاد يبدو أمراً في غاية الصعوبة نتيجة الرقابة الشديدة التي تفرضها السلطات على المعابر الحدودية ومطار دمشق الدولي.


إعادة هيكلة الفساد

وكشفت مصادر خاصة لـ«المجلة» عن رغبة النظام في إعادة هيكلة الفساد، ما يعني احتجاز طاهر ورجال أعمالٍ آخرين لإرغامهم على إعادة أموالٍ ضخمة للسلطات، كما فعل رئيس النظام قبل نحو 3 سنوات مع ابن خاله رامي مخلوف رجل الأعمال الشهير الذي أُرغم على إعادة مبالغ هائلة للنظام الذي سيطر على عددٍ من شركاته في غضون ما سمته وسائل إعلامه حينها بمكافحة الفساد.

وفي الآونة الأخيرة، ازداد استياء السكان في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا بسبب تردي الحالة المعيشية وانسداد الطرق أمام أي حلّ سياسي، في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليه، وهو ما كان سبباً لشن النظام حملةً ضد بعض رجال الأعمال والترويج لفكرة استرداد الأموال العامة المنهوبة بالطرق القانونية وعبر المؤسسات الدولية، وقد يكون طاهر واحداً من هؤلاء.

وبحسب المصادر السابقة نفسها، فإن النظام السوري اعتاد في السنوات الأخيرة على استبدال رجال الأعمال المقرّبين منه بين الحين والآخر ليؤكد لقاعدته الشعبية محاربته للفساد، الأمر الذي يعني ظهور رجل أعمالٍ آخر ليحل مكانه.

وتزامن تواري طاهر عن الأنظار والأنباء التي تشير إلى هروبه، مع إخراج رجل أعمالٍ سوري من لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي، فقد سحبت محكمة العدل الأوروبية العقوبات المفروضة على رجل الأعمال السوري عبدالقادر صبره بعدما تقدّم محاموه باستئناف أمام المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي.

ورأت مصادر مطلعة لـ«المجلة» أن إخراج رجل أعمالٍ سوري من لائحة العقوبات الأوروبية لا يعني إعادة العلاقات بين النظام والاتحاد الأوروبي لاسيما وأن دبلوماسياً فرنسياً كان يقف خلف إخراج صبره من لائحة العقوبات الأوروبية.

وصبره، هو من مواليد العام 1955، وهو أول رئيس لغرفة الملاحة البحرية في سوريا، وأحد المؤسّسين لشركة شام القابضة، التي كان التعاون معها في السابق يعبّر عن تحالف رجال الأعمال مع النظام. وهو أيضاً أحد المؤسّسين لمشاريع أرواد السياحية، وأحد أبرز رجال الأعمال في الساحل السوري، حيث تتخذ مجموعة عبد القادر صبره من مدينة طرطوس مقرّاً لها وكان مالكها شريكاً لمخلوف ومقرّباً منه. لكن في العام 2013، أصدر النظام قراراً قضى بالحجز الاحتياطي على كامل أمواله المنقولة وغير المنقولة.

وكوّن معظم رجال الأعمال الداعمين للنظام في السنوات الأخيرة، ثروات طائلة بعد الحرب السورية، حيث لم يكن معظمهم معروفاً قبل ذلك الحين، وكان الاقتصاد المحلي محصوراً بيد رامي مخلوف ورجالاته، لكن الحرب سمحت بدخول آخرين على خط الاستثمار والتجارة.

وكان كنان ياغي وزير المالية لدى النظام قد تعهّد قبل أقل من شهرين بوضع نظامٍ ضريبي موحّد للدخل والمبيعات وسيكون قائماً على رفع معدّلات الضرائب وتعديل قانون الضرائب الحالي لتحقيق ما أطلق عليه «العدالة الضريبية»، وهو ما يعني اتخاذ إجراءات بحق عدد من رجال الأعمال في الفترة المقبلة.


وكشف ياغي أن وزارته تعمل حاليا على تشريع يشمل مشروع إعفاء الحد الأدنى للرواتب والأجور، ورفعها إلى 94 ألف ليرة سورية بدلا من 50 ألف ليرة سورية، وذلك خلال اجتماع مع عدد من الصناعيين والمستثمرين ورجال الأعمال، في مدينة حسياء الصناعية بحمص، بحث فيه الأمور المالية والضريبية في أواخر فبراير (شباط) الماضي.

ويعد أبو علي خضر، وحسام قاطرجي، وعامر فوز، وسمير قطان، وياسر عزيز عبّاس، وماهر برهان الدين الإمام، وصقر رستم، وآخرون، من أبرز الأسماء التي تصدرت الواجهة الاقتصادية للنظام بعد الحرب السورية ومعظمهم وُضعت أسماؤهم على لائحة العقوبات الأوروبية أو الأميركية بعد دعمهم للأسد.

 

 

 

font change