القاهرة: وسط أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف عالميًا ووصول تكاليف الشحن لأعلى مستوياتها العالمية، تُصادف الدول العربية المعتمدة على استيراد الحبوب مشكلة في تأمين غذاء قطعانها من الطيور والحيوانات، وكذلك المزارع السمكية، ما يتطلب البحث عن أفكار غير نمطية، وإدارة ذكية لجميع الموارد المحلية.
تأتي مشروعات مثل إنتاج الطحالب أو الاعتماد على أنماط من الحشرات تحول المخلفات إلى أعلاف، ضمن الحلول غير التقليدية التي يجب على الدول العربية التفكير أو التوسع فيها، حالياً، باعتبارها غير مكلفة على مستوى التمويل، ويسهل اقتحام مجالها بالقليل من التدريب من قبل الشباب، ما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي.
تقول منظمة «الفاو» إن طحالب البحار المالحة قد تكون وسيلة هامة في مواجهة التحديات العالمية، بداية من نقص الغذاء إلى تغير المناخ، وتتنوع استخداماتها ما بين مصدر تغذية للبشر وللحيوانات، كما يمكن استخدامها كوقود وسماد، واعتمادها كبديل للمواد البلاستيكية خاصة أنه يمكنها حبس الكربون والتخفيف من الاحتباس الحراري، وتخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ ودعم الأنظمة البيئية.
رغم أن إنتاج الطحالب واحد من أسرع قطاعات الإنتاج الغذائي تطورا، إلا أنه لا يزال بمراحله الأولى بالمنطقة العربية، باستثناء المغرب الذي يعتبر من أوائل بلدان المنطقة استثمارا بذلك المجال قبل سبع سنوات عبر جمعية تعاونية لصغار الصيادين بجنوب البلاد التي استطاعت تحسين دخل مشتركيها من خلال إنتاج قرابة 600 طن من الطحالب الحمراء من نوع غراسيلاريا غراسيليس، التي تتم تربيتها لاستخراج مادة «أجارـ أجار» المطلوبة بالسوق العالميّة.
تعتبر تونس، أيضًا، من الدول العربية التي بدأت العمل بذلك المجال عبر بحيرة بنزرت على مساحة 120 كيلومترا مربعا، وكذلك في موزامبيق وزنجبار حيث تصدر أكثر من 100 منتج مستخرج من الطحالب، توزع بـ17 بلدًا، مع توفير فرص لليد العاملة المحلية لتحسين ظروفها المحلية.
ووفقا لمنظمة الفاو، يمكن لطحالب البحر أن تضيف نحو 10 في المائة من الإمدادات الغذائية الحالية في العالم باستخدام 0.03 في المائة فقط من سطح المحيطات، وبحلول سنة 2050، يمكن أن يمتص إنتاج طحالب البحر 135 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا و30 في المائة من مجموع النيتروجين بالمحيطات والناتج عن التلوث البري، إضافة 2 في المائة فقط من بعض أنواع طحالب البحر إلى أعلاف قطعان الماشية يمكن أن يقلل بنسبة 99 في المائة من انبعاثات الميثان الناتجة عن تربية الماشية.
تعتبر مصر من الدول التي يجب عليها التفكير في تلك الحلول، خاصة أنها كثيفة الاستيراد للأعلاف الحيوانية التي تمثل نحو 70 في المائة من تكلفة الإنتاج بالمزارع سواء من دجاج اللحم أو البيض، وتصل كمية الاستيراد إلى 95 في المائة من أعلاف الثروة الداجنة، وغالبيتها تأتي في صورة حبوب يتم التعامل معها محليا وإضافة بعض النباتات، إليها للتحول في النهاية لما يسمى «الكُسب».
بحسب شعبة الثروة الداجنة، فإن مصر تستورد 12 مليون طن ذرة صفراء فضلا عن 4.2 مليون طن بذور فول صويا من الخارج والتي تغيرت مع الأزمة الأوكرانية، ليبلغ سعر الطن المستورد من كسب عباد الشمس بنسبة بروتين 36 في المائة 6100 جنيه، بينما سجل سعر طن الردة المحلية (قشرة القمح) 4550 جنيًها بينما بلغ الجيلوتين المستورد 15300 جنيه.
وفي ظل موجات ارتفاع الأسعار يأتي مشروع إنتاج طحالب السيبرولينا للأغراض التجارية حلا ذكيًا عبر زراعته ومراقبة نموه في الأحواض، خاصة أنه علف ومخصب حيوي للبنات، وتمت تجربته خلال ثلاث سنوات على أكثر من أربعين نوعا من النبات وحقق نتائج مذهلة، كما يتضمن بروتينا غنيا ومغذيا، ويمكن إضافته إلى الأعلاف الحيوانية للطيور والدجاج، أو كغذاء لأسماك المزارع.
تنمو الطحالب الدقيقة بشكل أسرع من النباتات الأرضية وتتطلب مساحة أقل، كما ترفع المناعة وزيادة معدلات نمو الحيوانات، إذ تحتوي على بروتين وأحماض أمينية وفيتامينات، وتقلل الأمراض والنافق في الطيور والماشية، على حد سواء.
تجارب واعدة
نظم مركز التميز المصري للزارعة الملاحية، ورش عمل حول استخدام الطحالب البحرية فى إنتاج الأعلاف واللحوم والأسماك تحت الظروف الملاحية تضمنت إنشاء نموذج مزرعة متكاملة (زراعي وطحالب وسمكي) تعتمد على مصادر مختلفة من المياه شديدة الملوحة وكذلك الأراضي المتأخرة بها، لإنتاج طحالب كغذاء ودواء للأسماك والإنسان والحيوان والدواجن، وسماد عضوي للمحاصيل الزراعية، فضلا عن تحسين الحالة البيولوجية والكيميائية لمياه مزارع الأسماك وإنتاج أعلاف نباتية من المحاصيل العلفية التي تتحمل الملوحة سواء ملوحة التربة وملوحة مياه الري.
نجحت شركة مصرية متخصصة فى إنتاج الأعلاف الحيوانية والداجنة والسمكية، أخيرا، فى إنشاء أحدث مصنع بالمنطقة العربية يستخدم الطحالب المائية بتصنيع الأعلاف بطاقة 4 آلاف طن يومياً للدواجن، و500 طن للأسماك بخلاف الأعلاف الحيوانية عالية القيمة.
المصنع على مساحة المصنع 26 ألف متر ويعمل بأحدث نظم التصنيع الأوروبية التى تعتمد على الطحالب في تصنيع أعلاف الماشية والدواجن بشكل آمن وبأعلى جودة عالمية.
المهندس حاتم الكومي، خبير في إنتاج الطحالب، يقول إن إنتاج الطحالب مجال جديد على الاقتصاد المصري، رغم عائلة الكبير فالمتر المكعب من المياه، يستفاد منه في زراعة محصول الكيلو منه بخمسة جنيهات، في حين أنه من الممكن أن تتم زراعة الطحالب بنفس المتر المكعب من المياه، وسيكون الفارق مئات الجنيهات.
وأضاف أنه استطاع نقل زراعة الطحالب وتصنيع منتجات غذائية وصحية منها من نطاق البحث العلمي إلى النطاق التجاري وأصبح لدى مصر 12 فدانًا مزارع طحالب تعادل 6 آلاف متر مكعب، إلى جانب تأسيس أول مدينة متكاملة للزراعات العضوية على مساحة 4 آلاف فدان، باستثمارات 320 مليون جنيه.
أجرى معهد الأراضي والمياه، التابع لمركز البحوث الزراعية، تجربة بحثية لزراعة الأسبيرولينا ضمن مشروعاته التطبيقية لخدمة خطط التنمية، وأجرى تجربة على حوض مساحة 300 متر مربع، وتبين أن صافي الربح منه بلغ 24 ألف جنيه لدورة الإنتاج وهو من المشروعات التي لا تحتاج إلى عمالة كبيرة، إذ يكفي عاملين للوحدة فقط، ويمكن لأي شاب تنفيذها فوق أسطح المنازل أو في مزرعة صغيرة.
وأشار الكومي إلى أن مدينة الزراعات العضوية الأكبر في مجالها والأولى من نوعها عالميا، حيث سيتم فيها إنتاج جميع أصناف الزراعات النباتية بدون أي استخدام للكيماويات وأعلى درجات النقاء والجودة بجانب التنوع في الإنتاج السمكي والداجني والحيواني.
كانت المرحلة الأولى من المشروع عبارة 12 حوضا ارتفعت إلى 35 في المرحلة الثانية مجهزة بأحدث آليات إنتاج الطحالب، فضلا عن بدء تدشين إنشاء أحواض تربية لإنتاج الجمبرى.
وأوضح الكومي أن المشروع حصل على ترخيص لـ12 منتجًا جديدًا من طحالب الأسبيرولينا بجانب استخدامها فى صناعة المكملات الغذائية والأعلاف، لافتًا إلى إنشاء أحواض استزراع الورقيات بنظام الهيدروبونيك إلى جانب زراعة نباتات الأعلاف التي تتحمل ملوحة المياه، موضحا أن مصر نجحت الفترة الأخيرة في إنتاج أعلاف من طحالب الأسبيرولينا، والتي تم استخدامها في تغذية قطعان الدواجن وحققت نتائج مذهلة فى الأوزان ومكافحة الفيروسات.
خلطات فعالة
وأضاف أنه تم ابتكار خلطة أعلاف من طحالب الأسبيرولينا أعطت نتائج مذهلة في تغذية الدواجن برفع المناعة ومكافحة الفيروسات وزيادة الأوزان وتقليل النفوق في المزارع، متوقعًا أنه في غضون العشر سنوات المقبلة سيصبح الاستثمار في مجال الطحالب من أفضل مجالات الاستثمارات في مصر، مشددا على أن الزراعات العضوية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، للأسواق المحلية.
مع ارتفاع أسعار الأعلاف، اضطرت الكثير من الدول العربية خاصة مصر للاعتماد على المخلفات الزراعية كأعلاف مثل مخلفات قش الأرز أو أعواد القمح فقط مع تقليل كمية العلف الملحق بها ما قلل إنتاجية الحيوانات وأحيانًا يصيبها بالهزال وقلة الإنتاج اللبني لكن إضافة كمية من الطحالب إليها يجعل تلك المخلفات غنية بنسبة بروتين تناهز 20 في المائة ما يجعلها أعلى من البرسيم الذي يشغل مساحة في مصر لا تقل عن مليوني فدان، كما يمكن إنبات تلك الطحالب في مياه ترتفع فيها نسبة الملوحة ما يعني أنها يمكن استحداث مشروعات لها بالمناطق الساحلية دون إهدار للمياه العذبة.
تنتشر تجارب عالمية لإعادة تدوير بقايا الطعام عبر ماكينات تجفيف للمخلفات لتصبح علفا للحيوان أو سمادا زراعيا أو وقودا، وتبارت المصانع، حاليا، في إنتاج معدات اقتصادية في استهلاك الكهرباء، فعند استخدام الآلة لمعالجة 25 لترًا من مخلفات الطعام، تستهلك طاقة كهربية 3.5 كيلوواط/ساعة فقط، بجانب حفظ بقايا الأطعمة المجففة لوقت طويل، بنسبة رطوبة أقل من 10 في المائة.
تبنت مجموعة من المستثمرين السعوديين مبادرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية لاستثمار الطعام المهدر عبر تحويل البقايا والمخلفات لأعلاف حيوانية، خاصة في ظل كثافة استيراد المملكة للشعير بنحو 8 ملايين طن سنويًا، بجانب ارتفاع هدر الخبز والمعجنات التي تصل إلى 30 في المائة في المملكة، والتي يمكن الاستفادة منها في صناعة الأعلاف بشرط أن تكون غير متعفنة.
تقنيات فريدة
لكن بدأت تظهر تقنيات جديدة تعتمد على اليرقات والحشرات التي تتغذى على بقايا الطعام ثم تجفف وتصبح هي نفسها علفا للحيوانات بينما تتحول فضلاتها إلى سماد عضوي، هي تجربة يتم تطويرها في العديد من الدول المتقدمة وتحقق عائدًا جيدًا وبدأت تجد طريقها في بعض دول المنطقة.
يقول المهندس ياسر حبيب، أحد المستثمرين المصريين في مشروعات إعادة تدوير المخلفات وتحويلها لأعلاف، إن مشكلة إنتاج الطحالب في ارتفاع تكاليف الإنتاج نسبيا على عكس التدوير الطبيعي الذي يعتبر رخيصا وغير مكلف وذا عائد اقتصادي جيد، مثل تربية أنماط من الحشرات على المخلفات النباتية من أوراق الشجر وتحويلها لبروتين حيواني، يصلح لأعلاف الأسماك والدواجن.
يمكن عبر ذبابة الجندي الأسود تحويل كميات ضخمة من المخلفات العضوية لأعلاف، فالطن الواحد من تلك المخلفات يتم تحويله إلى 100 كيلوغرام من البروتين الحيواني واستخدامها كعلف و50 كيلوغراما من الدهون واستخدامها لإنتاج الوقود الحيوي و200 كيلوغرام من الأسمدة.
يقول حبيب إنه بدأ الإنتاج على أنواع من الردة والأذرة المدشوشة (نصف مطحونة) قبل أن يتبين أن المخلفات النباتية في الأسواق والزراعة يمكن أن تحقق العائد ذاته، سواء في حشرات موجودة بالبيئة المحلية او واردة من الخارج مثل نيلو وورم وسوبر وورم كريكيت ودبويا روتش (صارصور هولندي) وذبابة «بي إس إف»، وأنتجت تلك الحشرات بروتين على المخلفات بنسبة 10».
يتم تربية اليرقات في صناديق خاصة وتنمو خلال ثلاثة أسابيع إلى طول بضعة سنتيمترات، لتلتهم كميات ضخمة من المخلفات وتنظيف المواد العضوية المتحللة، وتحولها في النهاية إلى المواد السابق ذكرها، ويتم استخدام اليرقات، بعد طحنها مغلف الماشية والحيوانات الأليفة.
وأكد حبيب أن التجربة التي بدأها مع معهد البحوث الحيواني بمصر لمدة 4 سنوات، أسفرت حاليا عن توسيع مجالات تشمل مخلفات المجازر وورق الشجر وبقايا نشر الأخشاب بالورش، والتي أثبتت نجاحا كبيرا في مزارع الثروة السمكية خاصة مع القشريات والأسماك مثل الجمبري والدينيس والقاروص التي كان يصل فيها سعر كيلو العلف إلى 40 جنيها، وحاليا يتم إنتاجه بصورة رخيصة، فالمخلفات مجانية والتكلفة فقط في جمعها ونقلها.